"الإيكونوميست": "العملات المشفرة بأمريكا" صناعة تائهة بين الابتكار والهيمنة السياسية
"الإيكونوميست": "العملات المشفرة بأمريكا" صناعة تائهة بين الابتكار والهيمنة السياسية
تحولت العملات المشفرة خلال فترة قصيرة من حلم ثوري لتغيير النظام المالي العالمي إلى رمز للاستغلال والأخطار السياسية، ولم تعد هذه الصناعة التي تأسست على مبادئ الحرية المالية والشفافية سوى أداة تُستغل بطرق تعكس تداخلًا غير مسبوق بين السياسة والأموال الرقمية، وفقًا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، اليوم السبت.
وخلص التقرير إلى ان تضارب المصالح السياسي أثّر بشكل واضح في مسيرة العملات المشفرة في الولايات المتحدة، على مدى الأشهر الستة الماضية، استثمر العديد من المسؤولين الحكوميين في الأصول الرقمية، وشارك مؤيدو العملات المشفرة في إدارة الهيئات التنظيمية المهمة.
وأصبحت شركات هذه الصناعة من أكبر الداعمين الماليين للحملات الانتخابية، حيث تستخدم مئات الملايين من الدولارات للدفاع عن المشرّعين المؤيدين وتوجيه الضربات السياسية لخصومهم.
وأشارت "الإيكونوميست" إلى أن أبناء الرئيس دونالد ترامب يروجون لمشاريعهم في هذا القطاع على المستوى الدولي، في حين يقيم كبار المستثمرين في عملة "ترامب ميم" علاقات وثيقة مع الرئيس، ما جعل العملات المشفرة مصدرًا رئيسيًا لثروة العائلة الأولى، التي تقدر الآن بمليارات الدولارات.
الخروج عن المسار الأصلي
أُنشئت العملات المشفرة في البداية على يد حركة مثالية معارضة للاستبداد في عام 2009، وكانت تهدف إلى تمكين الأفراد من التحكم في أموالهم بعيدًا عن سيطرة المؤسسات المالية التقليدية.
كان الهدف توفير بديل شفاف وآمن يحمي المستخدمين من التضخم والمصادرة، لكن اليوم، تحوّل هذا الحلم إلى واقع مؤلم، حيث أصبحت العملات المشفرة أداة للاحتيال وغسل الأموال على نطاق واسع، ما أدى إلى توتر العلاقة بين هذه الصناعة والسلطات الأمريكية بدرجة تجاوزت أي قطاع اقتصادي آخر.
وأظهرت التجارب التنظيمية خارج الولايات المتحدة أن الأصول الرقمية يمكن أن تحظى بنظام تنظيمي واضح وفعال دون أن تترك أثرًا سلبيًا من تضارب المصالح.
نجحت مناطق مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وسنغافورة وسويسرا والإمارات في وضع أطر قانونية تدعم الصناعة الرقمية وتحمي المستثمرين دون الوقوع في المآزق السياسية التي تشهدها الولايات المتحدة، أما في الدول النامية التي تعاني من التضخم وعمليات المصادرة، فلا تزال العملات المشفرة تؤدي دورًا حيويًا في حماية الأفراد من تدهور قيمة أموالهم.
تطور استخدام العملات الرقمية
تضاعف حجم الأصول الحقيقية التي تم ترميزها للتداول عبر تقنيات البلوكتشين في الـ18 شهرًا الأخيرة، لتشمل ائتمانات خاصة، وسندات الخزانة الأمريكية، وسلعًا مختلفة.
وتدخل مؤسسات مالية كبرى مثل "بلاك روك" و"فرانكلين تمبلتون" بقوة في إصدار صناديق مالية رقمية، كما أطلقت شركات العملات المشفرة رموزًا مرتبطة بأصول تقليدية مثل الذهب.
وفي قطاع المدفوعات، بدأت شركات كبرى مثل "ماستركارد" و"سترايب" بدمج العملات المستقرة في أنظمتها، ما يمهد الطريق لاعتماد أوسع وأعمق للعملات الرقمية في الاقتصاد العالمي.
التحديات التنظيمية
واجهت صناعة العملات المشفرة ضغوطًا تنظيمية شديدة خلال إدارة الرئيس السابق بايدن، مع تشدد هيئة الأوراق المالية والبورصات، ما أدى إلى رفع دعاوى قانونية ضد كبار شركات القطاع، تسببت هذه الضغوط في انسحاب البنوك من التعامل مع شركات العملات المشفرة، خاصة فيما يتعلق بالعملات المستقرة.
وعدّ بعض العاملين في القطاع تنظيم العملات الرقمية عبر المحاكم وليس عبر التشريعات البرلمانية لم يكن خيارًا عادلًا أو فعالًا، غير أن التحول التنظيمي الحالي يشير إلى تراجع الإجراءات الصارمة، مع إغلاق العديد من القضايا المرفوعة.
وتتزايد الحاجة إلى وضع قواعد واضحة تضمن عدم دخول أخطار كبيرة إلى النظام المالي بسبب تقلبات العملات المشفرة، فقد شهد عام 2023 انهيار ثلاثة من أكبر البنوك الأمريكية (سيلفرجيت، وسيجنيتشر، وبنك وادي السيليكون) التي كانت تعتمد بشكل كبير على ودائع قطاع العملات الرقمية المتقلبة.
وتعد العملات المستقرة عرضة أيضًا لتدفقات سحب ضخمة، ما يستدعي تنظيمها بنفس معايير البنوك التقليدية، وفي حال غياب تنظيم صارم، قد يتسبب ذلك في أزمات مالية كبيرة تهدد الاستقرار الاقتصادي.
تضارب المصالح
تواجه صناعة العملات المشفرة تحديًا كبيرًا بسبب تضارب المصالح الناتج عن استثمارات عائلة الرئيس في هذا القطاع، يظل الصمت السائد في الصناعة بشأن هذه الصراعات مؤشرًا على حاجة ملحة لتشريعات واضحة توفر أمانًا تنظيميًا وتعيد ثقة المستثمرين والمستهلكين.
وتعثرت محاولات إقرار قانون خاص بالعملات الرقمية في مجلس الشيوخ الأمريكي في مايو 2024 بعد انسحاب دعم عدد من الأعضاء، ما يؤخر الوصول إلى إطار قانوني متكامل.
واختارت صناعة العملات المشفرة دعم طرف سياسي محدد، وهو ما يجعلها عرضة لتقلبات المزاج السياسي في الولايات المتحدة. في حين استفادت العائلة الرئاسية السابقة من هذا القطاع بشكل كبير، إلا أن المصير الحقيقي للعملات الرقمية مرتبط الآن بحالة الاستقرار السياسي والانتخابي.
وعلى الرغم من هذه العلاقة الوثيقة، يبقى المستقبل مفتوحًا، لكن الفوائد المترتبة على هذا التحالف ستتجه في اتجاه واحد لا غير.