"الإيكونوميست": النظام المالي العالمي معرض لخطر التفتت

"الإيكونوميست": النظام المالي العالمي معرض لخطر التفتت

كشفت مجلة “الإيكونوميست”، عن أنه قبل 10 سنوات، كانت الكثير من الشركات والبنوك الروسية تخضع بالفعل للعقوبات الغربية بسبب ضم شبه جزيرة القرم، والآن تم تشديد العقوبات، وكان البنك الأم لشركة "في تي بي كابيتال" VTB هدفًا رئيسيًا، لهذه العقوبات التي كانت صارمة بما يكفي لإغلاق مكتب لندن.

لكن الأعمال التي تجريها الشركة ظلت مستمرة من موسكو، وبطريقة لم يكن من الممكن تصورها في التسعينيات أو العقد الأول من القرن الـ21، عندما كان النظام المالي تهيمن عليه أمريكا في المركز، لا تزال VTB تنقل رأس المال إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأوروبا الشرقية وآسيا، متجنبة الغرب، ويرى مصرفي من سكان موسكو أن العولمة لم تمت، والأمر ببساطة لم يعد يشمل أمريكا وحلفاءها.

وتشير قضية VTB إلى تحول تاريخي في النظام المالي العالمي، حيث يجادل تقرير أجرته مجلة "الإيكونوميست"، بأن مجموعة من القوى -بعضها طويل الأمد، والبعض الآخر أحدث- تضافرت لتقليل اعتماد النظام على رأس المال والمؤسسات وشبكات الدفع الغربية، وعلى أمريكا على وجه الخصوص.

وفي ضوء التغيرات الجذرية التي طرأت على الجغرافيا الاقتصادية العالمية على مدى العقود القليلة الماضية، فربما كان هذا أمراً لا مفر منه، ومن الواضح أن صعود الصين السريع أدى إلى ارتفاع حصتها في الناتج الاقتصادي العالمي، ولكن العديد من البلدان الأخرى نمت جنبا إلى جنب مع ذلك، وفي أوائل التسعينيات، كانت أكبر 10 اقتصادات في الأسواق الناشئة اليوم تمثل 12% من الناتج العالمي، وهم يساهمون الآن بحوالي الثلث.

وتتوقع "الإيكونوميست" أن تكون عواقب هذا التحول هائلة، وأن النظام المتجانس الذي هيمنت عليه أمريكا لفترة طويلة، تنوع إلى درجة أن أجزاء كبيرة منه يمكن أن تتحرر وتسير في طريقها الخاص، فالمراكز المالية للدول الآسيوية القوية مثل سنغافورة وهونج كونج وطوكيو، فضلاً عن شنغهاي وبكين ودبي الناشئة، بدأت تلحق بنيويورك ولندن.

ونمت أسواق رأس المال في العديد من البلدان، وفي حين كانت أسواق الأوراق المالية الضخمة ذات يوم حكرا على الاقتصادات المتقدمة، حيث كان يتعين على الشركات في أماكن أخرى أن تبحث في الخارج عن رأس المال السهمي، فإن العديد من الأسواق الناشئة لديها الآن بورصات مزدهرة خاصة بها، والبلدان التي اضطرت ذات يوم إلى جمع الديون الحكومية بالدولار الأمريكي تستطيع أن تصدر قسماً كبيراً منها بعملاتها الخاصة.

تصدير الأزمات

وفي عصر التمويل العالمي القديم، كانت السياسة النقدية الأمريكية، والمستثمرون المتقلبون، وسوء الإدارة العامة للبنوك، سبباً في تصدير الأزمات إلى مختلف أنحاء العالم (مع بعض المساعدة من أوروبا)، ومقارنة بذلك، فإن النظام المالي الحالي الأكثر توزيعا يبدو وكأنه مصدر للاستقرار، وأصبحت البلدان أكثر قدرة على الصمود في مواجهة التقلبات والانهيارات المتكررة في النظام.

وما علينا إلا أن ننظر إلى غياب الانهيارات الداخلية التي شهدتها الأسواق الناشئة على مدى العامين الماضيين، حيث رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بسرعة أكبر من أي وقت مضى منذ ثمانينيات القرن العشرين.

وبدأت البلدان الفقيرة أيضاً في بناء بنية تحتية مالية حيوية خاصة بها، مع ظهور أنظمة الدفع الوطنية الجديدة على الإنترنت.

ونظراً للتهديد التنافسي الذي تشكله هذه الأمور، تعمل الشركات القائمة على ترقية البنية الرقمية القديمة وتتسابق لخفض التكاليف.

ومن الممكن أن تؤدي التوترات الجيوسياسية المتزايدة، أو الحروب الشاملة، إلى تمزيق النظام بالكامل، والعالم الذي يتعين على البلدان والمستثمرين والشركات فيه اختيار كتلة وعدم المغامرة بالخروج منها أبدا سيكون عالما أكثر فقرا وأكثر تقلبا، وربما أكثر عرضة للصراع.

وتعد العقوبات المالية، والحمائية، وإعادة التنظيم الجيوسياسي لتدفقات رأس المال، كلها عوامل تعمل على تقريب هذا العالم الممزق، ومن الأمور المحبطة بالنسبة للبلدان المتلهفة إلى الهروب من الفلك الأمريكي أن هذه القوى لم تنجح في تآكل هيمنة الدولار على التمويل العالمي، والتي شهدت نمواً متزايداً مقارنة بأقرب منافسيه، والنتيجة هي اعتماد غير مستقر على النظم المالية الأمريكية حتى مع تفتت أجزاء أخرى من النظام.

عالم جديد خطير

والآن أصبح شكل النظام نفسه غير مستقر، وإذا جمعنا بين نمو أقطابها غير الغربية والمسافة الجيوسياسية المتغيرة بينهما، فسوف يكون من السهل للغاية أن نتصور أن هذا الشكل يتغير فجأة، وبعواقب لا يمكن التنبؤ بها.

وهذا أمر مهم لأن النظام المالي العالمي ليس مجرد مفهوم مجرد، بل هو كيان يمس تقريبا كل جانب من جوانب الحياة الاقتصادية، فهو يحكم كيفية حصول الدول والشركات والأفراد على رأس المال، وهو ما يحدد آفاق نموهم وازدهارهم.

وتعتبر أنظمة الدفع الخاصة بها حيوية للتجارة، وهو يسمح لمجموعة أوسع كثيراً من الناس بالمشاركة في خلق ثروات العالم مقارنة بما كان يمكن لولا ذلك أن يحدث، وفي أفضل حالاته، نجح النظام في إبقاء منافسيه قريبين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية