لاجئون بلا حقوق.. كيف يُكرّس القانون اللبناني الفقر والتهميش بين الفلسطينيين والسوريين؟

لاجئون بلا حقوق.. كيف يُكرّس القانون اللبناني الفقر والتهميش بين الفلسطينيين والسوريين؟

رغم مرور عقود على لجوئهم إلى لبنان، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون والسوريون يرزحون تحت وطأة قوانين عمل تُقصيهم وتهمّشهم، في وقت تتزايد فيه معدلات الفقر والبطالة في صفوفهم، فبينما يضطرّ الآلاف للعمل في الظل، بلا عقود ولا حماية قانونية، تغلق أمامهم أبواب مهنٍ كانت لتشكّل أملًا ببداية حياة كريمة، وبين تعقيد القانون وتراخي التنفيذ، تُحاصر الكفاءات الشابة، وتُهدر الطاقات، وتبقى المعاناة مستمرة في ظل غياب أي رؤية رسمية شاملة تُنصف الإنسان بغض النظر عن جنسيته.

لم يكن يكفي معاناة الفلسطينيين والسوريين من التهجير من بلادهم إلى لبنان بسبب الحروب والدمار، حتى جاءت قوانين العمل اللبنانية لكي تفاقم مأساتهم، ففي وقت تسمح فيه دول عدة للاجئين بالاندماج في سوق العمل، وممارسة مهن تساعدهم على بناء مستقبلهم والاعتماد على أنفسهم، يُمنع الفلسطينيون والسوريون في لبنان من العمل في عدد كبير من القطاعات الحيوية، ما يجعلهم عالقين في دوامة من الفقر والتهميش، ويحدّ من قدرتهم على العيش بكرامة.

وفي هذا الإطار، يوضح رامي مجذوب، وهو فلسطيني مقيم في لبنان، أن "هناك ظلماً في العمل.. فالإنسان يُعطي العمل حقه، ولكن لا يأخذ الأجر المناسب، فلا يستطيع الفرد إعالة عائلته". ويضيف في حديث مع "جسور بوست" قائلًا “قد أعاني للحصول على فرصة جديدة.. خاصة أنه في المخيم لا يوجد وظائف.. خاصة أن المعاشات منخفضة”.

ويتابع مجذوب "هناك قوانين في لبنان أؤيدها وأخرى أعارضها، وهنا أتمنى من الدولة اللبنانية أن تعامل الفلسطيني واللبناني بنفس الطريقة. خاصة أن اليد العاملة الفلسطينية أكثر من تلك اللبنانية في بعض المجالات.. كما يجب أن يحصل الفلسطيني على نفس راتب اللبناني إلى جانب الضمان الصحي والاجتماعي".

بدوره يتحدث إبراهيم، خريج جامعي فلسطيني، إلى "جسور بوست" عن قصته فيقول: "لقد وُلدت في لبنان، وقد درست العلاقات العامة في إحدى جامعات بيروت مع علمي بأنه لن أتمكن من العمل في لبنان". ويضيف "للأسف، اضطررت للسفر إلى تركيا وهناك بدأت العمل مع شركة وتقدمت مهنياً، وهذا يحزنني لأني كنت أود أن أنجح في لبنان". 

أما أبو محمود، وهو لاجئ سوري، فيقول "أوضاعي المعيشية جداً صعبة، لقد كنت أعمل في مجال الحدادة، ومن ثم تعرضت لضربة على يدي فبترت أصابعي.. ولاحقاً جلست في البيت من دون عمل." 

ويتابع في حديث مع "جسور بوست" قائلاً "السوري مضطهد من جميع الفئات، ففي بيروت كنا نهرب من اللبنانيين الذين كانوا يتهموننا بأخد أشغالهم". ويختم قائلاً "وأما طلبنا من الجهات الرسمية (اللبنانية) فهو أن تنظر إلينا بعين الشفقة والرحمة".

ووفق المصادر الأممية، فإن عدد النازحين السوريين المسجلين في لبنان يصل إلى مليون ونصف المليون، في حين لا يتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين النصف مليون. 

ورش تدريبية فعالة ولكن

يعتقد المدير التنفيذي في جمعية "نبع" ياسر داوود أن "التدريب المهني يُعد من الأدوات المهمة في حماية الشباب من الآفات المجتمعية؛ مثل تعاطي المخدرات أو الانخراط في النزاعات المسلحة"، موضحاً “أسهم إدماج العديد من الحالات في برامج التدريب المهني في حمايتهم، وتأهيلهم، وإعادة دمجهم في المجتمع وسوق العمل”.

ويكشف داود في حديث مع "جسور بوست" أن ورش المهني التي تقدمها الجمعية “ تتنوع من حيث المدة، حيث تراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر، ويتميز معظم هذا التدريب بارتباطه المباشر باحتياجات سوق العمل، ما يشكل فرصة حقيقية للشباب للانخراط سريعًا في سوق العمل بعد التخرج، حيث تتاح أمام المتدربين فرص العمل داخل المخيمات وخارجها”.

ويتابع “كما نحرص باستمرار على تشجيع الشباب للانخراط في سوق العمل خارج المخيمات. ولهذه الغاية فإن المعاهد التي يتم تحويل الشباب لها هي معاهد لبنانية خارج المخيمات بهدف توسيع دائرة البحث عن  فرصهم المهنية بما يتماشى مع حجم السوق وتنوع احتياجاته”.

وفي وقت يكشف أن سوق العمل لا تتطلب جنسية ما، بل مهارات وكفاءات، يوضح داود أن “أكثر من 90% من المستفيدين من التدريب المهني قد التحقوا فعليًا بسوق العمل وأصبحوا أفرادًا منتجين، وهذا يؤكد فعالية هذه البرامج كأداة رئيسية في تعزيز قدرات الشباب وتمكينهم اقتصاديًا”.

ويكمل “لا تزال هناك تحديات تواجه برامج التدريب المهني، من أبرزها أن بعض الجهات المقدّمة لهذه البرامج تكتفي بالتدريب دون توفير متابعة لاحقة، أو تقديم مهارات حياتية، أو ربط الخريجين بسوق العمل، أو حتى توفير عدة مهنية تساعدهم على الانطلاق، وقد لوحظ أن بعض المتدربين يشاركون أكثر من مرة في نفس البرنامج أو في برامج متعددة دون تحقيق استفادة حقيقية، ما يؤدي إلى هدر في الوقت والموارد، لذلك، من الضروري التركيز على المتابعة الفردية بعد انتهاء التدريب وربط الشباب مباشرة بسوق العمل”.

حقوق مهدورة ودولة غائبة

حقوقياً، يوضح الناشط الحقوقي رائد عطايا في حديث مع "جسور بوست" أنه “في لحظة سياسية مواتية عام ٢٠١٠، وبعد نضال دام أكثر من عشرين سنة من قبل العديد من المنظمات والجمعيات العاملة في لبنان من أجل تحسين وضع العاملين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية (حصلت تعديلات على قانون العمل اللبناني)، إلا أنها لم تكن على مستوى الطموح في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، وذلك يعود إلى حنكة السياسيين الذين حبكوا تلك التعديلات المتعلقة بقانون الضمان الاجتماعي وبقانون العمل”.

ويوضح عطايا أن القصد المنشود لدى الحقوقيين من تلك التعديلات وقتها كان "إخراج الفلسطيني من قاعدة "المعاملة بالمثل" فيما بين الدول بالإضافة إلى إخراجه من مجموعة الأجانب وإيجاد وضعية قانونية خاصة للاجئ الفلسطيني آنذاك، واعتباره وكأنه مواطن دون توطين ليستفيد من حقه في العمل دون الحصول على عقد عمل وإقامة عمل وترخيص من وزارة العمل مع دفع رسومها".

ويبين عطايا الانتكاسة التي وقعت، موضحاً أنه "في تعديل ٢٠١٠ لقانون العمل بقي الفلسطيني أجنبياً واعفي من رسوم ممارسة العمل. وأما بالنسبة للتعديل الخاص بقانون الضمان الاجتماعي، فأتى مشوهاً وعصياً على التطبيق ومخالفاً لقاعدة الدفع على قدر الاستفادة. فأصبح لدى العامل الفلسطيني صندوق خاص للضمان الاجتماعي ويعفي الدولة من مسؤولياتها تجاهه ويفرض على اللاجئ الفلسطيني العامل تغطيته بكامل رسوم الضمان، من دون أن يستفيد إلا من شهرين لجهة حوادث العمل بلا تعويض نهاية الخدمة". 

ويضيف “أما التعويضات العائلية والاستشفاء فتُغطى بدفع رسومها، ولكن (مع ذلك) لا يُستفاد منها وهذا يعد مخالفة قانونية صارخة. وعدا عن ذلك، وبالرغم من كل هذه العيوب، لا زالت المراسيم التنفيذية لهذين التعديلين في غياهب المحسوبيات السياسية ولم تصدر حتى يومنا هذا، وبالتأكيد لم يتم الاستفادة منها من قبل العامل اللاجئ الفلسطيني، ولم نصل حتى يومنا هذا إلى إنصافهم”.

ويتابع عطايا في هذا السياق قائلاً “وبخصوص الغبن الحاصل تجاه العاملين اللاجئين الفلسطينيين في سوق العمل ومن قبل أصحاب العمل وغياب رقابة الدولة، فحدث ولا حرج، فهم يعانون الأمرين من ظلم أصحاب العمل من حيث الرواتب والأجور ومن حيث ساعات العمل وعدم الشعور بالأمان الوظيفي، وهذا كله على مرأى ومسمع من أجهزة الرقابة لدى الوزارة المعنية، وبالرغم من الكثير من المراجعات، فإنها لم تجد نفعاً، ودائماً الإجابة تكون بضعف الكادر الإداري لمتابعة هذه التجاوزات التي لا تحصى”.

وكان وزير العمل اللبناني محمد حيدر قد أعلن في وقت سابق تفهمه لمطالب الفلسطينيين في لبنان، مشيرًا إلى أن “الوزارة مُستعدة للتعاون والتنسيق مع الجهات اللبنانية المعنية من أجل البحث عن آليات لتوسيع فرص العمل أمام الفلسطينيين، وتقديم ما يلزم من تسهيلات إدارية وقانونية”.

فقر مدقع ومساعٍ أممية

من جهته يوضح المتحدث باسم "الأونروا" في لبنان فادي الطيار أن “هنالك قيوداً مفروضة على عمل اللاجئين الفلسطينيين في القطاع العام، وهم محرومون من العمل في 38 مهنة في لبنان، بما في ذلك الهندسة والطب والقضاء وغيرها”.

ويوضح الطيار في حديث مع "جسور بوست" أن الأونروا “ تعد أبرز جهة توظيف للفلسطينيين في لبنان، حيث تقدم فرص عمل في مختلف المهن وتعد الجهة الوحيدة التي توفر لهم مزايا الضمان الاجتماعي، مثل الرعاية الصحية وصندوق التقاعد. كما توفر الأونروا نحو 3500 فرصة عمل بشكل دائم، بالإضافة إلى تنفيذها برنامجًا للمال مقابل العمل الذي يقدم فرص عمل قصيرة الأمد للشباب لمدة 40 يوماً”.

ويضيف في هذا الإطار "يعتمد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على الأونروا بشكل رئيسي للحصول على الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والاغاثة، والوكالة هي المزود الوحيد لهذه الخدمات، وإذا لم تتمكن الأونروا من تلبية احتياجات التمويل، فإن ذلك سيضع هذه الخدمات على المحك، وسيهدد سبل عيش اللاجئين الفلسطينيين". موضحاً أن الأونروا “تواصل في التزامها بالتعاون المستمر مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وجميع الجهات المعنية، بهدف تحسين الظروف المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان ومعالجة التحديات التي يواجهونها، بما في ذلك تحسين فرص حصولهم على العمل”.

وبحسب أحدث مسح اجتماعي واقتصادي أجرته الأونروا لعام 2023 كشف عن الظروف الصعبة التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، والتي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلد، ووفقًا للمسح، يبلغ معدل البطالة الإجمالي للفلسطينيين في عام 2023 32.3%، وهو ما يُعادل ثلاثة أضعاف معدل البطالة في لبنان (11.3%). 

في هذا السياق يكشف الطيار أن “تحديات الحصول على عمل تعد عاملًا رئيسيًا في انتشار الفقر، حيث يعيش 70% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تحت خط الفقر، وهذا يُؤكد الحاجة الملحة لتنسيق الجهود لتحسين فرص حصول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على سبل عيش كريمة ومستدامة”.

محاولة رسمية لدمج الفلسطينيين 

توضح المنسقة القانونية في لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، التابعة للحكومة اللبنانية دانيلا سعود أن "تنظيم حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان يُعد من أعقد القضايا المتوارثة منذ نكبة 1948. فطوال العقود الماضية، عانى الفلسطينيون من حرمان منهجي من أبسط حقوق العمل، حيث حُرموا من مزاولة العديد من المهن، وخاصة المهن الحرة كالهندسة والطب والمحاماة، بسبب القيود القانونية والنقابية التي تحول دون انتسابهم إلى النقابات التي تحتكر هذه المهن".

وتضيف سعود في حديث مع “جسور بوست”، "رغم التعديل التشريعي المحدود في عام 2010، الذي سمح نظريًا للفلسطينيين بالعمل في بعض المهن، فإن التنفيذ العملي بقي ضعيفًا وجزئيًا، فالكثير من القطاعات والمهن لا تزال مغلقة، إما بالقانون أو بالممارسات النقابية التي تحصر العضوية باللبنانيين فقط، وهذا يسهم في استمرار تهميش اللاجئين الفلسطينيين اقتصاديًا واجتماعيًا، ويعزز من اعتمادهم شبه الكامل على المساعدات الإنسانية، خصوصًا في ظل تراجع موارد الأونروا وأزماتها المالية المتكررة".

وترى سعود أنه اليوم "تبرز فرصة حقيقية لإعادة النظر في السياسات المتبعة تجاه اللاجئين الفلسطينيين -ليس من منطلق إنساني فقط- بل أيضًا من منطلق وطني واستراتيجي يخدم الاستقرار الداخلي، ويُقلل من مظاهر التوتر الاجتماعي والأمني في المخيمات والمحيط اللبناني".

وفي هذا السياق، تكشف أن "لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني ومجموعة من الخبراء والجهات المعنية تقترح خطة متكاملة تبدأ من تعزيز سيادة الدولة داخل المخيمات، مرورًا بتدريج فتح سوق العمل أمام الفلسطينيين ضمن إطار قانوني منظم، وصولًا إلى تنظيم الوضع القانوني والاجتماعي بما يضمن الحقوق ويحفظ السيادة." وتضيف “وقد برز اقتراح إصدار بطاقة موحدة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، تكون بمنزلة وثيقة تعريف رسمية، وتُستخدم لاحقًا إجازة عمل قانونية تُمكّن الفلسطيني من العمل دون الحاجة للإجراءات التقليدية التي أثبتت فشلها في العقود الماضية، ويسمح هذا الطرح بإدخال الفلسطيني تدريجيًا إلى كافة المهن المتاحة، باستثناء تلك التي تخضع لقوانين النقابات التي قد تتطلب ورشة تشريعية مستقلة لإعادة النظر فيها.”

وتختم سعود "كما أن تحسين فرص العمل للفلسطينيين لا يُلغي الهواجس المرتبطة بالتوطين أو بتغيير هوية المخيمات، بل على العكس، هو يعزز قدرة الدولة على تنظيم العلاقة مع اللاجئين على أسس واضحة ومحددة، تضمن كرامة الإنسان الفلسطيني، وتُسهم في تخفيف العبء عن الدولة، من دون المساس بحق العودة أو بالموقف اللبناني الرسمي الرافض للتوطين كما نص عليه الدستور اللبناني".

ووفق تقارير إعلامية لبنانية، فإن أكثر من 80٪ من الفلسطينيين في البلاد يعيشون تحت خط الفقر.

إنصاف السوريين ضرورة

يوضح الناشط الحقوقي علي نور أن قانون العمل اللبناني يقيد العديد من القطاعات حصريًا للمواطنين اللبنانيين، ويتابع الزين في حديث مع "جسور بوست" قائلاً "رغم وجود الاتفاقية الثنائية لعام 1994 مع سوريا، يواجه السوريون -وخاصة اللاجئين- عوائق كبيرة أمام التوظيف؛ فالقانون يفرض على العمال السوريين الحصول على تصاريح عمل للعمل بشكل قانوني، في حين أن عملية الحصول على التصريح مكلفة ومعقدة، ما يدفع العديد من السوريين إلى العمل في القطاع غير الرسمي وغير المحمي".

وفي رد على سؤال حول كيفية التخفيف من معاناة السوريين فيقول نور إنه "يجب على لبنان تسهيل عملية الحصول تصاريح العمل وتوسيع القطاعات المتاحة للسوريين". ويختم “كما من الضروري تعزيز التنسيق بين السلطات المحلية والمنظمات الدولية لحماية العمال السوريين ودمجهم بشكل عادل في سوق العمل اللبناني”.

ووفق قانون العمل اللبناني، فإن للسوري الحق في العمل في البلاد ضمن ثلاثة قطاعات هي الزراعة والبناء والتنظيف، شرط الحصول على إجازة عمل، ومع ذلك، عمل العديد من السوريين حاليًا بدون إجازات، فبحسب البنك الدولي، فإن 92% من السوريين في لبنان يعملون من دون عقد عمل، علماً أن السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئي، ممنوعون من العمل.

يذكر أن السلطات اللبنانية سعت إلى التواصل مع الحاكم الجديد بسوريا في محاولة لإعادة من يمكنهم من السوريين إلى بلادهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية