"واشنطن بوست": ترامب يوقف تطبيق القوانين الفيدرالية التي لا تروق له

"واشنطن بوست": ترامب يوقف تطبيق القوانين الفيدرالية التي لا تروق له
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أرشيف

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليمات مباشرة لعدد من الوكالات الفيدرالية بوقف تنفيذ مجموعة من القواعد والسياسات التنظيمية التي لا تحظى برضاه، متجاوزًا بذلك الإجراءات القانونية والإدارية المتبعة منذ عقود في الولايات المتحدة.

وذكرت تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الأحد، نقلا عن تقارير إعلامية أن هذا التوجه مثّل تحولًا جذريًا في علاقة السلطة التنفيذية بالقانون الإداري، حيث اختارت إدارة ترامب ببساطة التوقف عن تطبيق قوانين وتشريعات صادرة عن الكونغرس أو وضعها رؤساء سابقون.

ففي وزارة النقل انخفض تطبيق قواعد سلامة خطوط الأنابيب إلى مستويات لم يُسجل لها مثيل منذ تسلم ترامب منصبه عام 2017.

وفي وزارة الطاقة أصدر الرئيس تعليمات إلى المسؤولين بوقف العمل بمعايير ترشيد استهلاك المياه في رؤوس الدُش والأجهزة المنزلية، وهي معايير تهدف إلى حماية الموارد البيئية وخفض استهلاك الطاقة.

وفي أحد فروع وزارة العمل طلب المسؤولون من الموظفين وقف معظم مهامهم المتعلقة بإنفاذ قوانين مكافحة التمييز، وهي قوانين فيدرالية قائمة منذ عقود تهدف إلى ضمان تكافؤ الفرص وعدم التمييز في أماكن العمل.

وحذّر الأستاذ الفخري في كلية السياسات العامة بجامعة ميريلاند، دونالد كيتل، من خطورة هذا التوجه، وقال في تصريح صحفي: "إن هذا الجهد المتعمد لتقليص تطبيق القوانين على هذا النطاق الواسع هو أمر غير مسبوق في تاريخ الإدارات الأمريكية الحديثة.. ما يحدث الآن يمثل تأكيدًا غير مألوف للسلطة التنفيذية وتحديًا واضحًا لمبدأ الفصل بين السلطات".

واستند تقرير صحفي شامل، نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، إلى مقابلات أُجريت مع أكثر من اثني عشر موظفًا فيدراليًا من سبع وكالات حكومية مختلفة، بالإضافة إلى مراجعة وثائق داخلية وبيانات حكومية رسمية، وقد طلب جميع الموظفين عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من التعرض لإجراءات انتقامية.

وقال مسؤولون في إدارة ترامب إن هذه الإجراءات ضرورية لتخفيف الأعباء التنظيمية عن كاهل الشركات، وزيادة مرونة الاقتصاد الأمريكي.

وصرّح مدير المجلس الاقتصادي الوطني في عهد ترامب، كيفن هاسيت، لشبكة CNBC قائلًا: "عندما يصدر تنظيم جديد، تواجه الشركات صعوبات كبيرة.. عليها أن توظف محامين ومهندسين لمعرفة كيفية الامتثال له، وهو أمر مُكلف ومعقد".

وأضاف: "من خلال وقف تنفيذ هذه اللوائح مؤقتًا، نُحقق أثرًا إيجابيًا كبيرًا على بيئة الأعمال".

انتهاك قانون الإجراءات الإدارية

اتهم خبراء قانونيون الإدارة بانتهاك قانون الإجراءات الإدارية، الذي يُلزم الوكالات باتباع خطوات محددة تشمل فترات للتعليق العام والمراجعة قبل تعديل أو إلغاء أي قاعدة تنظيمية.

وقال مدير معهد سلامة السياسات في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، ريتشارد ريفز،  والذي سبق أن ترأس مكتب الشؤون التنظيمية في البيت الأبيض في عهد الرئيس جو بايدن: "إنهم لا يُجرون تغييرات على اللوائح، بل يقررون عدم تطبيقها بالكامل، وهو نهج مشكوك في قانونيته، ويتعارض مع الممارسات الإدارية المستقرة".

وفي إدارة سلامة الأنابيب والمواد الخطرة، وهي الجهة المسؤولة عن مراقبة سلامة خطوط الأنابيب وتتبع وزارة النقل، لم تُفتح سوى خمس قضايا ضد منتهكي اللوائح منذ تولي ترامب الرئاسة، مقارنة بـ91 قضية في الفترة نفسها من عهد بايدن، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 95%.

كما انخفض عدد القضايا بنسبة 93% مقارنة بالفترة نفسها في الولاية الأولى لترامب، التي شهدت 68 قضية، وانخفض بنسبة 90% عن 52 قضية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

شرعت وزارة النقل مؤخرًا في إجراء مراجعة شاملة لنظام تطبيق القوانين، حيث اقترحت تعديلًا يسمح لمحامي الوزارة بالتوصية بفرض عقوبات على موظفي الإنفاذ الذين يُشتبه في مخالفتهم اللوائح الداخلية.

وتتيح هذه التعديلات أيضًا للمشتبه باستهدافهم من قِبل المحققين تقديم شكاوى مباشرة إلى مكتب الوزير، وطلب رفض الأدلة أو إعادة التحقيق.

وأكدت الوزارة أن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان عدالة الإجراءات ونزاهتها، إلا أن ثلاثة موظفين حاليين في الوزارة عبّروا عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه التعديلات إلى تقويض روح المحاسبة، وتثبيط عزيمة موظفي إنفاذ القانون.

وقال أحد الموظفين: "لو كنا نعيش في عالم يضج بمفتشي وزارة نقل يتعمدون الإساءة لأصحاب خطوط الأنابيب، لكان لهذا التوجه ما يبرره، لكن من أعرفهم من زملائي لا يسعون إلا لضمان التزام الشركات بالقواعد".

تسييس الإجراءات التأديبية

انتقدت السيناتور الديمقراطية عن ولاية واشنطن، ماريا كانتويل، هذا المقترح في رسالة رسمية وجهتها إلى إدارة سلامة الأنابيب والمواد الخطرة، مشيرة إلى أنه يُمكن أن يُستخدم وسيلة للانتقام السياسي من موظفي الخدمة المدنية.

وكتبت في رسالتها: "سيُجبر المفتشون والمحققون على العمل في ظل خوف دائم من فقدان وظائفهم، فقط لأنهم يُمارسون مهامهم الرقابية لحماية السلامة العامة".

وفي تعليق رسمي على هذه المخاوف، قال متحدث باسم وزارة النقل إن الإدارة السابقة كانت تُجري تحقيقات دون توفير ضمانات قانونية كافية، وأضاف المتحدث: "نحن نرى الأمور بشكل مختلف الآن، وسنُركز جهودنا على محاربة الاحتيال وسرقة البضائع والانتهاكات المتعلقة بالتأشيرات في قطاع الشحن بالشاحنات".

وقف تطبيق القوانين البيئية

في 9 مايو، وقّع الرئيس ترامب مذكرة تُلزم وزارة الطاقة بعدم إنفاذ ما وصفه بـ"معايير ترشيد استهلاك المياه غير الضرورية"، والتي تشمل أحواض الاستحمام، والمراحيض، ورؤوس الدُش، والحنفيات.

وأشاد ديفين واتكينز، المحامي في معهد المشاريع التنافسية، وهو مركز أبحاث محافظ معروف بمناهضته للقيود البيئية، بهذه الخطوة، وقال في بيان مكتوب: "لقد أدت المعايير الفيدرالية إلى إبطاء الأجهزة المنزلية وتقليل كفاءتها، ما أثار استياء المستهلكين وتقييد حريتهم في الاختيار.. القرار الجديد يُعيد للمستهلكين حقهم في اختيار أجهزة أكثر كفاءة وسرعة وملاءمة".

لكن المدير التنفيذي لمشروع التوعية بمعايير الأجهزة، أندرو دي لاسكي، حذّر من أن هذا التوجه يُمثل تجاوزًا واضحًا للإجراءات القانونية المعمول بها، مشيرًا إلى أن القوانين الفيدرالية، مثل قانون الإجراءات الإدارية وقانون سياسة الطاقة والحفاظ عليها، تمنع الوكالات من إضعاف المعايير القائمة دون المرور بعمليات رسمية تشمل تلقي تعليقات من الجمهور.

وقال دي لاسكي: "هذا توجيه غير قانوني بكل وضوح.. إنهم يتجاوزون القانون دون حذر".

إيقاف أعمال مكافحة التمييز

أصدر القائم بأعمال وزير العمل مذكرة في 24 يناير يطلب فيها من مكتب برامج الامتثال للعقود الفيدرالية التوقف عن العمل المرتبط بأمر تنفيذي صدر عام 1965، كان يُلزم الشركات المتعاقدة مع الحكومة الفيدرالية بعدم التمييز في التوظيف، ويأتي هذا التوجيه بعد يومين فقط من قرار ترامب إلغاء هذا الأمر التنفيذي.

ووفقًا لأربعة موظفين اطلعوا على المذكرة، فإن العمل في المكتب توقف بالكامل، رغم أن العديد من المهام المناطة به لا تزال ملزمة بموجب قوانين تكافؤ الفرص لعامي 1973 و1974.

وتشمل المهام المتوقفة عمليات تدقيق رواتب وممارسات التوظيف لضمان عدم التمييز على أساس العرق أو الجنس، إضافة إلى مراجعة شكاوى المحاربين القدامى وذوي الإعاقة، والتي تراكمت منذ ذلك الحين.

وفي وكالة حماية البيئة، قلّصت إدارة ترامب بشكل كبير من تطبيق القواعد المتعلقة بمراقبة تلوث الهواء والماء في المنشآت الصناعية، بما في ذلك محطات الطاقة ومصافي النفط.

وأظهر تحليل أعده مشروع النزاهة البيئية، وهو هيئة رقابية مستقلة، أن المكتب المعني بإنفاذ القانون في الوكالة رفع، خلال فترة ترامب، عددًا أقل من القضايا شهريًا مقارنة بإدارة بايدن.

وخلص التقرير إلى أن إدارة ترامب رفعت في المتوسط 92 قضية شهريًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكمها، مقابل 111 قضية شهريًا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من إدارة أوباما.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية