حرمان المجتمع المدني من الإبلاغ عن جرائم الفساد يشعل جدلاً حقوقيّاً وسياسيّاً في المغرب

حرمان المجتمع المدني من الإبلاغ عن جرائم الفساد يشعل جدلاً حقوقيّاً وسياسيّاً في المغرب
المغرب

خلافٌ وجدلٌ أشعلتهما المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية في المغرب؛ بين هيئات حقوقية وحزبية من جهة، ووزارة العدل ومكونات الأغلبية الحكومية من جهة أخرى، بسبب اعتبار تلك الهيئات أن مقتضيات المادة المذكورة "تحرم المجتمع المدني من الإبلاغ عن حالات الفساد وسوء استغلال المال العام، وتحصر القيام بهذا الدور في يد جهات رسمية معينة".

وترى شخصيات مغربية من خلفيات حقوقية، وسياسية، وقانونية، تحدثت إليها "جسور بوست"، أن المادة الثالثة من مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية "ضرب صارخ" للدستور، الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى الديمقراطية التشاركية، وأنها (المادة) "تقييد" للنيابة العامة، و"تمس" بالصورة الدولية للمغرب، وأنه من شأنها أن تؤدي إلى "التضييق" على المجتمع المدني في محاربة الفساد، وأن التبليغ عن الفساد وقضايا المال العام يجب أن يبقى متاحاً للجميع.

في المقابل، تقول وزارة العدل المغربية إنه "لا يمكن إنكار الدور، الذي تؤديه هيئات المجتمع المدني في المغرب على مستوى بناء الديمقراطية، والمساعدة على حماية المصالح العامة"، وإنه "ليس هناك أي اتجاه نحو التشجيع على الإفلات من العقاب"، وإنه "عند القيام بقراءة تقنية وقانونية للمادة المذكورة، سيتضح أنها لم تحرم هيئات المجتمع المدني من الإبلاغ عن حالات الفساد، وإنما جعلت التبليغ عن طريق مؤسسات لديها اختصاص، ومؤهلات تخول لها إيجاد مؤشرات حول وجود فعل إجرامي من عدمه".

وبعد زهاء 8 ساعات من مناقشة التعديلات، صادق مجلس النواب المغربي في جلسة تشريعية، مساء اليوم الثلاثاء (20 مايو)، بالأغلبية على مشروع قانون المسطرة الجنائية 03.23 برمته، بتأييد 140 نائباً برلمانيّاً، ومعارضة 40 نائباً، دون امتناع أي نائب عن التصويت، بحضور وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، وذلك بعدما صادقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، ليلة الثلاثاء المنصرم (13 مايو)، بالأغلبية على مشروع القانون نفسه، بموافقة 18 نائباً برلمانيّاً، ومعارضة 7 نواب، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت.

تناقض مع الدستور

قال رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المال العام (جمعية مغربية)، عبد الإله طاطوش، إن المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي تم تقديمه إلى البرلمان، وصادقت عليه لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، متناقضة مع الدستور المغربي، وخاصة المواد 12 و13 و14 و15 منه، لأن دستور 2011 يعتبر أن المجتمع المدني شريك، ولديه الحق في إعداد تقارير وتقديم شكايات في ما يخص المال العام، وفي كل القضايا، التي تتعلق بمجال حقوق الإنسان.

"تقييد" للنيابة العامة

أضاف طاطوش، في حديث مع "جسور بوست"، أنهم يعدون ذلك أيضاً تقييداً للنيابة العامة، وهو ما يتناقض، بحسبه، مع الفصل 117 من قانون المسطرة الجنائية، موضحاً أن النيابة العامة يجب أن تتحرك بمجرد توصلها بوشاية، فكيف يعقل أنه بالنسبة للشكايات لا يمكن أن تحركها النيابة العامة، إلا إذا كانت (أي الشكايات) من طرف هيئة دستورية، أو المفتشية العامة لوزارة الداخلية، أو المفتشيات التابعة لبعض الوزارات، أو المجلس الأعلى للحسابات، ويجب أن تُقدَّم (أي الشكايات) إلى رئيس النيابة العامة في محكمة النقض؟!

وأردف طاطوش أن المغرب مقسم إلى 12 جهة، وفيه أكثر من 1500 جماعة، فكيف يعقل أن المجلس الأعلى للحسابات، أو هذه الهيئات الدستورية، ستراقب جميع هذه الجماعات؟! مبرزاً أن هناك تقارير وملاحظات من طرف ثلاث هيئات دستورية، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مفادها، وفق طاطوش، أن المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية تقييد للقضاء، ومتناقضة مع الدستور المغربي.

مس بالصورة الدولية للمغرب

كما أفاد طاطوش بأن المغرب صادق على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، التي تنص على أن المجتمع المدني لديه الحق في المشاركة وتقديم الشكاوى، وبالتالي سيكون هناك إشكال كذلك بالنسبة لوجه المغرب أمام المنتظم الدولي.

وتنص المادة الثالثة من مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية على أنه "لا يمكن إجراء الأبحاث، وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة، بناءً على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، كما لا يمكن إجراء الأبحاث، وإقامة الدعوى العمومية، إلا بناءً على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة للوزارات، أو من الإدارات المعنية، أو بناءً على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو كل هيئة يمنحها القانون صراحةً ذلك، وخلافاً للفقرة السابقة يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث، وإقامة الدعوى العمومية، تلقائيّاً في الجرائم المشار إليها أعلاه، إذا تعلق الأمر بحالة التلبس".

مساهمة الجمعيات في المراقبة

من جانبها، قالت النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية (يساري/في المعارضة حاليّاً)-عضوة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب المغربي، لبنى الصغيري، إن من أهم المبادئ، التي جاءت بها المادة 1 من الدستور المغربي، هو ربط المسؤولية بالمحاسبة والاختيار الديمقراطي، وإن المادة 12 من الدستور تعطي للمجتمع المدني حق المشاركة في التسيير وإبداء الرأي، وإنه من هذا المنطلق عندما تم التصويت على دستور 2011، ودخل إلى حيز التنفيذ، تم التفعيل الحقيقي لتلك المقتضيات، بحيث لاحظنا بالفعل أن العديد من الجمعيات تقوم بمبادرة المراقبة.

وأضافت الصغيري، في حديث مع "جسور بوست"، أن هناك -مثلاً- ناساً في مراكز القرار لديهم مسؤوليات، خاصة في الجماعات الترابية، كانوا يعتقدون في تلك الفترة أن المسؤولية، التي لديهم، مثل مزرعة خاصة يملكونها، يسودون ويجولون فيها، دون مراعاة لمصالح المواطنات والمواطنين، ودون مراعاة للمسؤولية الحقيقية الملقاة على عاتقهم.

وأردفت الصغيري أنه بناءً على هذا الدور، الذي بدأ يقوم به المجتمع المدني في المغرب بشأن هذا الإطار، خاصة أنه تم تأسيس العديد من الجمعيات، لا سيما تلك التي أَسْمَت نفسها مثلاً جمعيات مراقبة/حماية المال العام، وفي ظل أن هناك مجموعة من الجمعيات أعضاؤها ليسوا ناساً عاديين، بل فاعلون جمعويون مُكَوَّنون في مجالاتهم، فمنذ عام 2011 إلى غاية الآن، كانت هناك العديد من الشكايات، التي تم تحريكها، وأعطت أكلها، وكانت هناك متابعات في حق أشخاص ثبت بالفعل تورطهم، وأنهم لا يقومون بالمسؤولية المنوطة بهم، وبالتالي تم تحقيق التفعيل الحقيقي للدستور كما جاء في المادتين 1 و10، وغيرهما من الفصول.

"ضرب صارخ" للدستور

أفادت الصغيري أن المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية تقول في إحدى فقراتها إن هذا النوع من الشكايات لم يعد من الممكن أن يُأخَذ بعين الاعتبار إلا بشروط؛ أهمها الحصول على الإذن والموافقة القبلية من طرف الإطار القانوني أو الجهة، التي ينتمي إليها المشتكَى به، مثلاً المجلس الأعلى للحسابات، أو مثلاً الهيئة المختصة بالجماعات الترابية في وزارة الداخلية، إذا كان الأمر يتعلق برئيس جماعة، وأن المادة 7 من مشروع القانون نفسه تسير في نفس الإطار؛ أي أنه لا يمكن أن تتقدم بالمطالب المدنية إلا بموافقة تلك الجهات، وهو ما عدته الصغيري ضرباً صارخاً لمقتضيات الدستور، الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى الديمقراطية التشاركية.

وأبرزت الصغيري أن هذا التقييد كان مستفزاً لأطياف المعارضة، وأن مشروع قانون المسطرة الجنائية عَرف، سواء خلال تقديمه أو مناقشته بشكل مفصل داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، نقاشاً مستفيضاً وحادّاً، وأنها قامت، بصفتها ممثلة لحزبها داخل اللجنة، بمداخلات مستفيضة في الموضوع، ومستفزَّةٍ للسلطة الحكومية، وأن ذلك جاء في التعديلات، التي تقدموا بها، مطالِبين بإدخالها على مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرة أن هذا موضوع لا يمكن السكوت عنه.

وأشار وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، إلى أنه تم التفاعل إيجاباً مع جزء مهم من التعديلات، التي تقدم بها النواب البرلمانيون، خلال مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية في لجنة العدل والتشريع، والتي بلغت في مجموعها 1384 تعديلاً، فيما لم تتم الاستجابة لباقي المقترحات، "التي كان جزء كبير منها مرتبطاً باقتراحات الصياغة، أو تعديلات في المضمون تخالف المحددات الأساسية، التي بني عليها النص، سواء في ما يرتبط بمرجعيات الإصلاح، أو لمبررات تقنية قانونية محضة، أو بالنظر إلى ما قد يتطلبه تنفيذ البعض منها من إمكانات بشرية ومادية ضخمة"، وفق ما نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء (وكالة الأنباء المغربية الرسمية).

استغلال سلبي للحق

في المقابل، بيَّنت الصغيري أن أي شيء فيه الإيجابي والسلبي، وأن هناك بعض الانحرافات، وأن بعض الأشخاص أو بعض الجمعيات استغلوا هذه المسألة (تقديم الشكايات)؛ وعوضاً عن أن يقوموا بدورهم، أصبحوا يقومون بدور الابتزاز والتهديد للعديد من الشخصيات النقية والشريفة، وأصبحت هناك الكثير من المعاناة لبعض الناس الشرفاء، مُرْدِفَةً: من هذا المنطلق تفاجأنا بمشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي جاء بمقتضيات المادة 3، والمادة 7 المرتبطة بها.

وأوضحت الصغيري أنه من الضروري أن نقول إن هناك بعض الأشخاص، الذين أساؤوا استعمال تلك المقتضيات القانونية الموجودة في الدستور، وأن تدخل السلطة الحكومية المعنية أصبح ضروريّاً بالنسبة لهؤلاء الناس، الذين يتمادون في استعمال حقهم، مبرزة أنهم (أي حزبها) صوتوا في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب بمعارضة مضامين مشروع قانون المسطرة الجنائية، وذلك قبل عرضه على الجلسة العمومية في مجلس النواب، من أجل التصويت النهائي عليه.

وعدت الصغيري أنه في كل الأحوال هذا تمرين سياسي من الأهمية بمكان، وأن المجتمع المغربي يسير في مسار تصاعدي، وأنه أصبح لزاماً تحيين ترسانته القانونية انسجاماً مع المستجدات، التي يعيشها المغرب، باعتباره بلداً نامياً يسير بخطى متصاعدة نحو التقدم والازدهار.

إتاحة التبليغ عن الفساد للجميع

من جهته، قال أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، رضوان عميمي، إن التبليغ عن الفساد وقضايا حماية المال العام يجب أن يبقى متاحاً بالنسبة للجميع، وإن التوجه، الذي تبنته المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، من شأنه أن يؤدي مستقبلاً إلى التضييق على عمل جمعيات المجتمع المدني في ما يتعلق بمحاربة الفساد، وخاصة ما يرتبط بحماية المال العام.

وتابع عميمي، في حديث مع "جسور بوست"، أن تدبير الشأن العام، سواء كان وطنيّاً أو ترابيّاً (محليّاً)، مسؤولية وليس امتيازاً، وبالتالي يجب إخضاع الْمُدَبِّرِ العمومي بصفة عامة إلى مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، باعتباره أحد الأسس الدستورية والمبادئ الأساسية للحكامة الجيدة والتدبير العمومي.

مكانة دستورية محورية للمجتمع المدني

أردف عميمي أن الدستور المغربي منح مكانة محورية لجمعيات المجتمع المدني، في ما يخص وضع، وتتبع، وتقييم، السياسات العمومية، وجعَلَها شريكاً أساسيّاً في مكافحة كل انحراف قد يمس بسير مرافق الدولة، أو باستعمال الأموال العمومية، وأن المغرب عرف تقدماً مهمّاً في هذا المجال، سواء على مستوى التشريعات، أو إحداث المؤسسات والهيئات الساهرة على حماية المال العام، التي ذَكَرَ منها المجلس الأعلى للحسابات، والمجالس الجهوية للحسابات، والمفتشيات الوزارية، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وكذا على المستوى القضائي؛ من خلال الأقسام المتخصصة في جرائم المال العام.

توسيع دائرة الْمُبَلِّغِين عن الفساد

أضاف عميمي أن هذا المسار والتراكم الإيجابي ينبغي تحصينه، وتعزيزه من خلال توسيع دائرة الْمُبَلِّغِين عن شبهات الفساد، باعتبار ذلك عاملاً مساعداً للسلطة القضائية على قيامها بأدوارها، خاصة وأن الْمُشَرِّعَ اتجه منذ مدة نحو توفير الحماية للمبلغين عن جرائم الفساد، موضحاً أن جرائم الفساد والجرائم المتعلقة بالمال العام أضحت اليوم تتطور بشكل كبير جدّاً، وأصبحت تأخذ أبعاداً مختلفة؛ ترتبط باستعمال وسائل تدليسية، والتواطؤ، وغيرها من الأمور الأخرى، وبالتالي فإنه (عميمي) يعتقد أن إشراك المجتمع المدني سيكون آلية من آليات كشف مجموعة من الملابسات المرتبطة بهذه الأفعال الجرمية.

وبيَّن عميمي أن حصر الرقابة على النيابة العامة من شأنه التضييق على الفئات، التي يمكنها رفع الدعوى بشكل مباشر، وهذا ربما يتعارض، بحسبه، مع مقتضيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التي أوصت بتوسيع مفهوم الْمُبَلِّغِ وحمايته، كي يشمل، بالإضافة إلى الشاهد والضحية والخبير، أطراف الدعوى العمومية، سواء كانوا أشخاصاً ذاتيين أو معنويين، موضحاً أن هيئات المجتمع المدني، أو الهيئات غير الحكومية، تندرج في هذا الإطار.

محاربة الشكايات الكيدية

أفاد عميمي أن المبررات المتعلقة بمحاربة الشكايات الكيدية، التي قد تمس بالأشخاص، والتي (أي المبررات) جاءت بها الحكومة، ربما يجب وضعها بالموازاة مع خطورة المساس بالمال العام على مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن المغرب في مرحلة فاصلة في تاريخه، حيث مر إلى السرعة القصوى في أوراش كبيرة، واستحقاقات دولية، ونموذج تنموي جديد يستوجب القطع مع كل الممارسات، التي من شأنها تقويض هذا المسار المتسارع والمتنامي، خاصة أن التجربة أثبتت يقظة المجتمع المدني في مجموعة من القضايا، التي ساهمت في فضح الفساد ومتابعة المعنيين به.

في المقابل، أوضح عميمي أنه يمكن القول إن الإجراءات، التي جاءت بها المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، لا تنفي استمرار هامش مكافحة الفساد، خاصة بالنظر إلى أهمية واستقلالية مجموعة من المؤسسات، ذَكَرَ منها القضاء المالي، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي يتعين في المقابل، بحسب عميمي، تعزيز أدوارها ومكانتها، ومنحها الإمكانيات المادية والبشرية، لكي تساهم في تخليق الحياة العامة.

إمكانية مراجعة المادة مستقبلاً

ختم عميمي تصريحاته لـ"جسور بوست" بلفت الانتباه إلى أن مقتضيات المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية تمت المصادقة عليها من طرف لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، في انتظار التصويت على مشروع القانون في الجلسة العامة التشريعية بمجلس النواب (الثلاثاء 20 مايو 2025)، لكن هناك آلية يمكن أن تتيح مستقبلاً، بحسبه، مراجعة هذه المادة، خاصة بعد دخول القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية إلى حيز التنفيذ، الذي سيعطي، وفق عميمي، إمكانية التصدي لمقتضيات هذه المادة، من خلال المراقبة الدستورية، أو الدفع بعدم الدستورية، الذي يمكن أن تمارسه المحكمة الدستورية مستقبلاً.

تعليق وزارة العدل

تعليقاً على هذا الجدل، قال مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة في وزارة العدل المغربية، هشام ملاطي، إنه "لا يمكن لأحد أن ينكر الدور، الذي تلعبه هيئات المجتمع المدني في بناء الديمقراطية، ومساعدة جميع الجهات على حماية المصالح العامة وغيرها".

وأضاف ملاطي، في حوار مُطوَّل أجرته معه صحيفة إلكترونية مغربية، أنه "إذا قمنا بقراءة تقنية وقانونية للمادة 3 (من مشروع قانون المسطرة الجنائية)، سنجد أنها لم تحرم هيئات المجتمع المدني من الإبلاغ عن حالات الفساد، لكنها بينت أن التبليغ يتم عن طريق مؤسسات لديها اختصاص، ومؤهلات تخول لها إيجاد مؤشرات حول وجود فعل جرمي من عدمه".

وأبرز ملاطي، نقلاً عن المصدر نفسه، أن "جرائم الحق العام مثل استغلال النفوذ، أو الرشوة، أو الغدر، إلخ، يمكن لأية جهة أن تبلغ عنها، أما الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة (3)، فهي تؤطر بعض الجرائم المتعلقة مثلاً بالتبديد، والاختلاس في صفقة عمومية أو مشروع كبير، وهذه يصعب فيها، بحسبه، إثبات وجود شبهة جرمية من عدمها".

وتابع ملاطي موضحاً أن "الأمر سيحتاج إلى وثائق، ودراسات، وخبرات، وغيرها، وأنه إذا كانت النيابة العامة ستقوم بهذا الأمر، فستقوم به في إطار إجراءات قضائية؛ إما في إطار البحث والتحري، أو التحقيق والمحاكمة، وأنه عندما نُدخِل الشخص (المشتكَى به) في هذا المسار الشامل للبحث، والتحري، والتحقيق، والمحاكمة، فربما يستغرق الأمر مدة زمنية طويلة، وفي الأخير قد يتبين أن ليس هناك أي فعل مُجَرَّمٍ، في حين قد تكون لهذا الشخص (المشتكَى به) أوضاع اعتبارية معينة، أو بعض المهمات الانتدابية المرتبطة بزمن محدد".

وبيَّن ملاطي، نقلاً عن المصدر ذاته، أن "الغاية هي أن تتم إحالة هذا النوع من القضايا على الجهات المؤهلة؛ المجلس الأعلى للحسابات، أو المجالس الجهوية للحسابات، وأنه داخل مدونة المحاكم المالية نجد مقتضيات صريحة تنص على أن مجلس الحسابات، من خلال المهام، التي يقوم بها، إذا تبين له وجود شبهة فعل جرمي، يحيل الأمر على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض-رئيس النيابة العامة، لإعطاء تعليماته للنيابة العامة المختصة، من أجل مباشرة الأبحاث والتحريات، واتخاذ ما يراه ملائماً في هذا الموضوع".

وأردف ملاطي، بحسب ما جاء في الحوار المذكور "هناك مفتشية لدى وزارة الداخلية تقوم بعملية افتحاص للجماعات ولمجموعة من المؤسسات التابعة لها، وإذا اتضح لها أن هناك أفعالاً تكتسي صبغة جرمية، فإنها تحيلها على القضاء، وأن مفتشيات الوزارات لديها أيضاً هذه الصلاحية، وأن هناك كذلك الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وغيرها، وأن جمعيات المجتمع المدني إذا كانت لديها إرادة لمواجهة اختلالات المال العام، يمكنها أن توجه الشكايات إلى هذه الجهات، لاتخاذ كل ما يلزم، من أجل البحث في هذا النوع من القضايا، وإحالتها على النيابة العامة لمباشرة المسطرة".

كما أوضح ملاطي أن "المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية أضافت مدخلاً آخر؛ هو حالة التلبس، أي أن كل حالة ضبطت في حالة التلبس لا تخضع لهذه المقتضيات، وأن النيابة العامة تتخذ حينها الإجراء مباشرة، وبالتالي ليس هناك أي اتجاه نحو التشجيع على الإفلات من العقاب".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية