حملة "احموا فلسطين".. صرخة للضمير العالمي في وجه آلة القتل الإسرائيلية
حملة "احموا فلسطين".. صرخة للضمير العالمي في وجه آلة القتل الإسرائيلية
وسط حقبة سوداء يعيشها قطاع غزة، حيث يختلط الألم بالدماء، وتختنق الحياة تحت حصار قاتل لا يهدأ، يبرز صوت عالمي جديد ينبعث من وعي ضمير الشعوب وحسها الإنساني العميق.
ووسط حالة من اليأس في غزة.. انطلقت حملة "احموا فلسطين" (Protect Palestine)، والتي تتجاوز مجرد كونها وسماً على شبكات التواصل الاجتماعي، لتصبح نداءً عالمياً يسعى لإفاقة الضمير الإنساني، ويدعو إلى تدخل عسكري دولي عاجل وفوري لوقف "الإبادة الجماعية" التي تتعرض لها غزة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023.
في هذه الحملة، لا تقف المطالب عند حدود الكلمات، بل هي ترجمة حقيقية لرفض عالمي للإمعان في قتل المدنيين، الذين أصبح عدد شهدائهم وفقًا لإحصاءات وزارة الصحة في غزة بتاريخ 22 مايو 2025 يتجاوز 53,762 شهيدًا، بينهم ما يقارب 22,500 طفل و11,000 امرأة، أي إن ما يقرب من نصف الشهداء من الفئات الأكثر ضعفًا وهشاشة، كما تجاوز عدد الجرحى الـ122,197 جريحًا، أغلبهم يعاني من إصابات بالغة تتطلب علاجات فورية لا تتوفر في ظل الحصار المشدد.
ووسط هذا الواقع المرير، جاءت حملة "احموا فلسطين" لتكون صوتًا عالميًا منبثقًا من الشعور بالمسؤولية الإنسانية، وشعور متجدد بأن الصمت على هذه الجرائم هو مشاركة فيها، ولم تعد هذه الحملة مجرد دعوة تقليدية للحوار أو الإدانات الباردة، بل تحولت إلى مطالبات صريحة وعاجلة للتدخل العسكري الدولي، باعتباره الوسيلة الوحيدة لإنقاذ المدنيين من آلة القتل التي لا ترحم.
ويشارك في هذه الحملة آلاف النشطاء من مختلف بقاع الأرض، من أوروبا إلى أمريكا، ومن آسيا إلى إفريقيا، طالبوا حكوماتهم بإعلان موقف واضح، يتجاوز البيانات الشكلية، ليصل إلى خطوات عملية توقف المجازر.
وتتضمن الحملة رسالة واضحة مفادها أن صمت العالم وتغاضيه عن هذه الجرائم يشكل خيانة مزدوجة: خيانة للقيم الإنسانية، وخيانة لقواعد القانون الدولي.
ويطالب المشاركون في الحملة بضرورة تحرك فعلي وسريع، مع تأكيد أن نصرة المظلوم في غزة ليست خيارًا، بل واجب إنساني وأخلاقي لا يقبل المساومة، يتجاوز الحدود القومية والسياسية كالشعاع الذي يخترق ظلمات الظلم.
وتؤكد الحملة أن ما يجري في غزة يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف الأربع والقانون الدولي الإنساني، حيث وثقت "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" استخدام أسلحة محرمة دوليًا مثل الفسفور الأبيض، واستهداف المدنيين بشكل ممنهج أدى إلى مقتل أكثر من 1,600 مدني خلال العدوان الأخير وحده، حسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
وترقى هذه الانتهاكات إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، وهو ما أكدته قرارات محكمة العدل الدولية التي أصدرت في 2023 أوامر عاجلة لحماية المدنيين، وطالبت الدول بوقف فوري للعدوان. يؤكد النشطاء أن تقاعس المجتمع الدولي يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات، كسراب يغوي الضمير، ولكنه يُعمي البصر عن الحقيقة.
على الساحة الدولية، تفاعل الرأي العام مع الحملة بشكل غير مسبوق، حيث تصدر وسم#ProtectPalestine الترند العالمي في أكثر من 45 دولة، متجاوزًا 20 مليون تغريدة خلال أسبوعين، ما يشير إلى تحول حقيقي في وعي الشعوب التي لم تعد تقبل المراوغة أو الانحياز الأعمى، مصحوبة باعتصامات ومظاهرات واسعة شهدتها مدن كبرى مثل نيويورك، لندن، باريس، وبرلين، شارك فيها أكثر من 200 ألف مواطن عادي، عبروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ودعوا حكوماتهم لاتخاذ مواقف حاسمة.
وأحرج هذا الضغط الجماهيري مراكز القرار في الغرب، فبدأ 12 برلمانًا أوروبيًا وأمريكيًا لاتينيًا يصدر قرارات تطالب بوقف فوري للعمليات العسكرية، وفتح ممرات إنسانية آمنة، رغم استمرار الانقسامات السياسية التي تعقد اتخاذ قرارات فعالة. إلا أن التحدي الأكبر يبقى في تحويل هذا الضغط إلى سياسة دولية موحدة، تضع حدًا لآلة الحرب التي تهدد استقرار المنطقة والعالم، كأنها ساعة رملية تنذر بنهاية مأساوية إذا لم تُحرك اليد الحكيمة.
وعلى الصعيد العربي، أعادت الحملة فتح نقاشات حادة حول الانقسامات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وسط غضب واسع من مواقف بعض الشخصيات التي تدعو إلى التطبيع مع الاحتلال، متجاهلة معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعاني من نسبة بطالة تجاوزت 50% ونقصًا حادًا في الخدمات الأساسية. وصف نشطاء الحملة هذه المواقف بأنها "خيانة كبرى"، لأنها تتجاهل الدم الفلسطيني وتغتال الحقوق الوطنية المشروعة، داعين إلى ضرورة توحيد الموقف العربي والدولي، ورفع الضغط السياسي الفعلي على الاحتلال، بدلًا عن تصريحات شفوية ومواقف سياسية متخبطة.
وتؤكد الحملة أن تدخل المجتمع الدولي يجب أن يشمل الضغط السياسي والاقتصادي الفعّال، وإنهاء الحصار الذي يحرم أكثر من 2 مليون فلسطيني من حقوقهم الأساسية، وتوفير ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية التي انخفضت بنسبة 70% خلال العامين الأخيرين، بالإضافة إلى محاسبة مرتكبي الجرائم بموجب القانون الدولي، لضمان عدم تكرار الكارثة. لأن العدالة هي الحصن الأخير أمام ظلام النسيان، والسكوت عنها بمنزلة تغذية نارية لاستمرار المأساة.
ضغط شعبي عالمي
قال الدكتور سيد مكاوي، الخبير في الشؤون الآسيوية بجامعة جواهر لال نهرو، إن الحملة الدولية "احموا فلسطين" تجسّد مفارقة عميقة تكشف عن تناقض صارخ بين عجز المنظومة الدولية الرسمية، وفي مقدمتها مجلس الأمن، في أداء دورها المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة والمتمثل في حفظ السلم والأمن الدوليين، وبين تنامي المد الشعبي العالمي المتعاطف مع القضية الفلسطينية.
وقال مكاوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن هذا العجز الأممي الفاضح مردّه إلى الدعم السياسي والعسكري والمالي اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، ما يوفر لها الغطاء اللازم لارتكاب ما وصفه بـ"هولوكوست جديد" بحق الفلسطينيين، وفي مقابل هذا التخاذل الرسمي، تتصاعد موجة دعم شعبي عالمي غير مسبوق لحقوق الفلسطينيين، ظهرت في مظاهرات ضخمة تجوب عواصم العالم، بما في ذلك الجامعات الغربية والأمريكية، رغم محاولات إسكات هذا الصوت بالتهم الجاهزة مثل "معاداة السامية"، وهي تهم، كما يقول مكاوي، باتت مكشوفة الأهداف ولا تُخفي محاولات إسكات الأصوات الداعية إلى العدالة والحرية.
وأشار مكاوي إلى أن هذا الضغط الدولي قد يدفع إسرائيل والولايات المتحدة لإعادة النظر في رفضهما المتواصل للنداءات الداعية لوقف فوري لإطلاق النار والسماح بمرور المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة، مؤكداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لا يرون في البقاء في الحكم إلا من خلال استمرار الحرب وإشاعة الفوضى في الإقليم، رغم أن هذه السياسات تضر بإسرائيل نفسها وتزيد من عزلتها الإقليمية والدولية، كما تُقزّم من الدور الأمريكي في نظر الرأي العام العربي.
وعن مشروعية الدعوة للتدخل الدولي من منظور القانون الدولي، أوضح مكاوي، أن التدخل الإنساني له سوابق قانونية ودولية كما جرى في يوغوسلافيا عام 1999 وليبيا عام 2011، إلا أن الأمر يبدو مستبعداً حالياً بسبب الفيتو الأمريكي، ورغم ذلك، عبّر عن أمله في أن تُراجع الإدارة الأمريكية موقفها، خاصة مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي نجح أخيراً في تحقيق وقف لإطلاق النار بين الهند وباكستان في مايو الجاري، وهو ما أنقذ المنطقة من حرب كانت وشيكة.
وأضاف أن سجل ترامب في تجنب الحروب قد يكون مؤشراً على قدرته على إحداث تحول إيجابي في الملف الفلسطيني، بخلاف نتنياهو الذي جعل الحرب خياره الوحيد.
وأكد مكاوي أن مجرد إعلان جاد عن نية المجتمع الدولي التدخل كفيل بوقف العدوان فوراً، لأن إسرائيل لا تجرؤ على التصعيد دون الدعم الأمريكي الكامل، مشيراً إلى أن هذه الديناميكية بدأت تشهد تحولات طفيفة، لافتاً إلى أن أوروبا باتت تعبر عن مواقف أكثر حدة تجاه العدوان الإسرائيلي، كما في بيانات فرنسا وبريطانيا وكندا التي طالبت بوقف فوري للحرب والسماح بدخول المساعدات، ملوحة بعواقب محتملة حال استمرار الوضع القائم، وهو ما اضطر الحكومة الإسرائيلية للبدء بالسماح بدخول بعض المساعدات لأول مرة منذ أكثر من شهرين.
وختم مكاوي تصريحه بالتأكيد على أن هذه الحملة الشعبية الدولية، مدفوعة بصور المجاعة والدمار التي تخرج من غزة، قد أرغمت عواصم القرار العالمي على إعادة النظر في صمتها، إذ لم يعد الخبز والماء متاحين للفلسطينيين، وصار الموت جوعاً أقرب إليهم من الموت بالصواريخ والقذائف، في مأساة إنسانية يندى لها جبين الإنسانية، وتستوجب تحركاً دولياً عاجلاً قبل أن يبتلع الموت ما تبقى من الحياة في غزة.
ضغوط دولية متزايدة
قال المحلل السياسي الدولي محمد العروقي، إن الحرب الجارية على غزة كشفت مجددًا عن تعنت الاحتلال الإسرائيلي واستخفافه بالضغوط الدولية، في ظل صمت عالمي يتهاوى أمام مشاهد الدمار والمجازر التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين. وأضاف العروقي أن مبادرة "احموا فلسطين" تعبّر عن تطور مهم في أدوات النضال الشعبي والدولي، مشيرًا إلى أنها تختلف في شكلها عن الحملات التقليدية السابقة، إذ تحاول إشعال جذوة الضمير العالمي في وجه آلة القتل الإسرائيلية.
وأكد العروقي في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن إسرائيل في ظل ما تتلقاه من دعم أمريكي مطلق، لن تنصاع بسهولة لتلك الدعوات أو المبادرات الحقوقية والإنسانية، لأنها تعتمد منذ عقود على المظلة السياسية والعسكرية التي توفرها واشنطن، والتي تشلّ أي إمكانية لاتخاذ موقف أممي حازم. وأوضح أن إسرائيل تتصرف بثقة زائدة مستندة إلى هذا الغطاء الأميركي الذي يحول دون مساءلتها، حتى بعد توجيه اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية إلى قياداتها بارتكاب جرائم حرب.
وأشار إلى أن بعض الدول الغربية، وخاصة في أوروبا، بدأت أخيرًا في مراجعة موقفها بعد الضغوط الشعبية المتزايدة، والتحولات الإعلامية التي أظهرت فداحة ما يحدث في غزة. ولفت إلى أن مواقف مثل دعوة فرنسا وكندا وبريطانيا لوقف العدوان والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، تشكل بداية تحوّل فعلي في الخطاب الأوروبي، ويمكن أن تتطور إلى ضغط سياسي واقتصادي أشد، خاصة إذا ترافق ذلك مع خطوات دبلوماسية ملموسة مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يجري الترويج له فعليًا في بعض البرلمانات الأوروبية.
وشدد العروقي على أهمية التصعيد الإعلامي الموازي للحملات السياسية، قائلاً إن للإعلام دورًا محوريًا في توجيه الرأي العام العالمي، وإبراز معاناة الشعب الفلسطيني الذي يُحاصر بالموت من كل الجهات. وأضاف أن الصور الخارجة من غزة -لأطفال يئنون جوعًا، وأمهات يودعن أبناءهن تحت الأنقاض- بدأت تُحدث تأثيرًا في ضمير العالم، وتفرض على الحكومات الأوروبية مواقف أكثر جرأة.
وأكد أن المشكلة ليست وليدة الحرب الأخيرة، بل هي نتاج احتلال طويل بدأ عام 1948، وتفاقم بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في 1967، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى حماية دولية دائمة، تضمن له الحد الأدنى من حقوقه كباقي شعوب الأرض، وفقًا لما ينص عليه القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة. واعتبر أن عدم وجود قوة أممية تردع إسرائيل يعمّق مأساة الفلسطينيين ويشرعن القتل الجماعي بحقهم.
وختم العروقي تصريحه، قائلاً إن حكومة نتنياهو تواجه اليوم واحدة من أخطر أزماتها السياسية، نتيجة تصاعد المعارضة الداخلية وتفاقم التنديد الدولي بسياساتها، وهو ما يجعلها في حالة من التخبط السياسي والعسكري. واعتبر أن هذا التوقيت يمثل لحظة فارقة قد تكون حاسمة في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إذا ما استثمرت القوى الدولية والعربية هذه التحولات لتصعيد الضغط وتحقيق مكاسب حقيقية على طريق إنهاء الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم وبناء دولتهم المستقلة.