"نيويورك تايمز": إدارة ترامب تُعيد توجيه قوانين الحقوق المدنية لصالح الرجال البيض
"نيويورك تايمز": إدارة ترامب تُعيد توجيه قوانين الحقوق المدنية لصالح الرجال البيض
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توجيهات للوكالات الفيدرالية بتقليص العمل ببعض المبادئ الأساسية لقانون الحقوق المدنية لعام 1964، معتبرًا أن هذه المبادئ تشجع ما وصفه بـ"التمييز الإيجابي" الذي يضع التنوع فوق الجدارة.
وبدلًا من حماية الفئات التي تعرضت تاريخيًا للتمييز مثل السود والنساء، استخدم ترامب آليات إنفاذ الحقوق المدنية للدفاع عمّا يعتبره حقوقًا منتهكة للرجال البيض.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الاثنين، وجّه مسؤولو الإدارة خلال فترته الرئاسية تركيزهم نحو مؤسسات اتُّهمت بتفضيل الأقليات والنساء على حساب الذكور البيض، مع فتح سلسلة من التحقيقات التي عكست تحوّلًا واضحًا في تطبيق القانون.
حملة ضد سياسات التنوع
انتقد الرئيس ترامب برامج التنوع والشمول في المؤسسات العامة والخاصة، مدعيًا أنها أدت إلى توظيف أشخاص غير مؤهلين فقط لكونهم ينتمون إلى أقليات عرقية أو مجموعات ممثلة تمثيلًا ناقصًا، وأكد في خطاباته أن سياسات التوظيف القائمة على التنوع تمثّل ظلمًا واقعًا على الأمريكيين البيض، وخصوصًا الذكور منهم.
وقالت الرئيسة التنفيذية لمؤتمر القيادة للحقوق المدنية وحقوق الإنسان، مايا وايلي، إن الإدارة الأمريكية أوصلت رسالة واضحة مفادها أن "مجرد التعبير عن دعمك للتنوع والمساواة والشمول يجعلك هدفًا للمساءلة".
وأضافت أن الإدارة تروّج لفكرة أن الرجال البيض أصبحوا الفئة الأكثر تعرضًا للتمييز، ما يمنحهم، من وجهة نظرها، أحقية في الاستفادة من إجراءات التمييز الإيجابي.
وفتحت وزارة العدل تحقيقًا جديدًا في مدينة شيكاغو، للتحقق مما إذا كانت إدارة البلدية قد مارست تمييزًا في التوظيف لصالح الأمريكيين من أصل إفريقي، جاء هذا التحقيق بعد إشادة عمدة المدينة، براندون جونسون، بنسبة السود الذين يشغلون مناصب عليا، خلال كلمة ألقاها في إحدى الكنائس.
وصرح رئيس قسم الحقوق المدنية في الوزارة، هارميت ك. دهيلون، بأن هذه التصريحات تثير تساؤلات حول ما إذا كانت الإدارة تمارس تمييزًا ضد مرشحين من أعراق أخرى، مما يستدعي التدخل الفيدرالي.
وبدأ مكتب الحقوق المدنية التابع لوزارة التعليم تحقيقًا في خطة "نجاح الطلاب السود" المعتمدة في المدارس العامة بشيكاغو، للاشتباه بأنها تمنح الأفضلية لفئة معينة من الطلاب دون غيرهم.
استهداف جامعة هارفارد
أطلقت لجنة تكافؤ فرص العمل تحقيقًا في جامعة هارفارد، زاعمةً أن الجامعة مارست تمييزًا في التوظيف لصالح الأقليات والنساء والأشخاص غير الثنائيين، ما أدى إلى تراجع تمثيل الرجال البيض.
وأظهرت البيانات أن نسبة الرجال البيض ضمن الكادر الأكاديمي الدائم في الجامعة انخفضت من 64% عام 2013 إلى 56% في عام 2023، رغم أنهم يشكلون أكثر من نصف الأساتذة ذوي العقود الثابتة.
قالت القائمة بأعمال رئيسة اللجنة، أندريا ر. لوكاس، في رسالة إلى الجامعة، إن هذا الانخفاض يشكل مؤشرًا على "ممارسة تمييز على أساس العرق والجنس"، وهو ما يتعارض مع قانون الحقوق المدنية، وركّزت اللجنة في تحقيقها بشكل خاص على تأثير هذه السياسات على الرجال البيض.
تناقض في السياسات
أصدر الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا يحظر استخدام نظرية "التأثير المتباين"، وهي قاعدة قانونية تُستخدم لإثبات وجود تمييز غير مباشر في السياسات العامة، ومع ذلك، استندت لجنة تكافؤ الفرص في قضية هارفارد إلى تحليل إحصائي مماثل، مما أثار اتهامات بالنفاق والتناقض.
قال رئيس معهد فوردهام المحافظ، مايكل جيه. بيتريلي، إن الإدارة "تدين استخدام الإحصاءات في قضايا التمييز، لكنها تستند إليها عندما تخدم مصالحها"، وأوضح أن حظر استخدام "التأثير المتباين" لم يمنع الإدارة من تطبيق مناهج مشابهة ضد المؤسسات التي تتبنى التنوع.
وسعّت اللجنة نطاق تحقيقاتها لتشمل 20 من أكبر شركات المحاماة في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن مساعي هذه الشركات لتوظيف محامين من خلفيات متنوعة قد تكون ألحقت الضرر بمرشحين من البيض.
وقالت مصادر داخل اللجنة إن هذه الخطوة تُعد استخدامًا غير معتاد للسلطة، خاصة أنها لم تأتِ استجابة لشكوى فردية كما هو مألوف، بل جاءت بمبادرة من مفوضة اللجنة.
وانتقدت رئيسة اللجنة السابقة، جيني ر. يانغ، طريقة استخدام البيانات في تحقيقات هارفارد، معتبرة أن دعم التنوع لا يعادل اتخاذ قرارات توظيف قائمة على العرق أو الجنس.
وأضافت: "الإدارة تُمارس تحديدًا ما كانت تهاجمه: استخدام البيانات لتوجيه اتهامات دون أدلة فردية ملموسة".
انتقادات متزايدة لإدارة ترامب
واجهت إدارة ترامب انتقادات متزايدة من خبراء في مجال الحقوق المدنية، الذين رأوا أن التحقيقات الجديدة تُدار بدافع الانتقام السياسي لا بدافع حماية القانون، وقالت كاثرين إي. لامون، التي شغلت منصب رئيسة مكتب الحقوق المدنية في وزارة التعليم، إن الإدارة "أعادت توجيه أدوات الحماية القانونية لتخدم أهدافًا سياسية، لا لإنفاذ العدالة".
وأضافت: "إذا فُهمت الحقوق المدنية بشكل صحيح، فإنها لا تخلق عداءً بين فئات المجتمع، بل تُكرّس حماية شاملة لجميع المواطنين".
تبقى السياسات التي اتبعتها إدارة ترامب بشأن الحقوق المدنية محل جدل واسع، بين من يراها محاولة لاستعادة التوازن بين المساواة والجدارة، ومن يعتبرها التفافًا خطيرًا على روح القوانين التي وُضعت لحماية الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع الأمريكي.
وبين هذا وذاك، تستمر النزاعات القانونية والإدارية، بينما تترقب الجامعات والمؤسسات والشركات مآلات هذه المعارك السياسية على مستقبل سياسات التوظيف والتمييز في الولايات المتحدة.