من وقف النار إلى إعادة الإعمار.. رهانات قمة شرم الشيخ على مستقبل غزة
من وقف النار إلى إعادة الإعمار.. رهانات قمة شرم الشيخ على مستقبل غزة
تُعقد اليوم الاثنين في مدينة شرم الشيخ المصرية قمة دولية تضم أكثر من عشرين زعيمًا ورئيسًا تهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على اتفاق شامل لوقف الحرب في قطاع غزة، وتحديد خارطة طريق لإدارة مرحلة ما بعد الصراع من تهدئة وأمن إلى إعادة الإعمار والحكم المحلي، وتأتي الدعوة للقمة من مصر والولايات المتحدة، التي ترى أن هذه اللحظة تشكّل فرصة نادرة لترجمة وقف إطلاق النار إلى استقرار دائم.
يصل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ظهر الاثنين إلى مصر عقب زيارة لإسرائيل يُلقي خلالها خطابًا أمام الكنيست ويجتمع بأسر المحتجزين الإسرائيليين، بعد ذلك سيشارك في مراسم توقيع الاتفاق إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقادة الضامنين، وقد أعلن عدد من القادة الدوليّين مشاركتهم، منهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى قادة من ألمانيا وإيطاليا وغيرهم.
غير أن حضور إسرائيل وحماس الرسمي في القمة محل تساؤل: إسرائيل أعلنت أنها لن ترسل ممثلًا، في حين أبدت حماس عدم مشاركتها في مراسم توقيع وقف إطلاق النار، ما يطرح تساؤلات جدّية حول شرعية الاتفاق ودرجة التزام الأطراف به.
أسباب القمة وتداعياتها
بعد عامين من القتال المكثف في قطاع غزة، باتت الأطراف المنخرطة، إسرائيل وحماس، تواجه استنزافًا داخليًا على المستويين الميداني والسياسي. إسرائيل من جهة تسعى إلى إنهاء الحمل الثقيل للتواجد العسكري المكثّف، وأمامها ضغط دولي متزايد على احترام حقوق المدنيين، وحماس من جهة أخرى تواجه انهيارًا في البنى الأساسية ونقصًا حادًا في القدرات، في حين تحمل العبء الأكبر في تلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.
القمة تمثل محاولة لتجميع الإرادات الدولية إلى جانب الضامنين لتشكيل توازن يُمكّن التهدئة من أن تستمر وتتوسع، بدلاً من أن تظل هشة عرضة للتدهور وإعادة تصعيد العنف. الصحف التحليلية تشير إلى أن القمة تأتي في لحظة حساسة؛ فرصة لتثبيت وقف إطلاق النار وتجاوز مآلات النزاع المأساوية.
ويحمل التوصل إلى اتفاق في شرم الشيخ رهانات وتساؤلات كبيرة، هل سيكون التوقيع مجرد طقس رمزي أم بداية لمرحلة حقيقية من التهدئة؟ هذا يعتمد على مدى قدرة القادة الضامنين على فرض التزامات الأطراف، وضغطهم لضمان تنفيذ الشروط المنتظرة مثل التزام إسرائيل بوقف القصف الكامل، وانسحاب القوات، وضمان أمن غزة، وتشكيل هيكل مؤقت للحكم.
كما أن القمة قد تكون نقطة الانطلاق لمسار سياسي أوسع يتضمّن ضغوطًا على إسرائيل لتخفيف الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر، وضمان وصول مساعدات إنسانية بحرية، إلى جانب خطة مالية دولية لإعادة الإعمار، وبحسب مراقبين فإنه في حال فشل القمة أو ضعف تنفيذ الاتفاق، ستكون التداعيات كارثية على المدنيين الذين يعانون بالفعل من شتات ومجاعة وبنى تحتية مدمّرة.
معاناة مستمرة وانتظار الأمل
لا يمكن فصل أي اتفاق سياسي عن الواقع المأساوي في غزة، فالحرب تركت آثارًا إنسانية عميقة، فوفق تقديرات متعددة، أكثر من 67 ألف فلسطيني إستشهدوا في غزة منذ بدء الحرب، مع آلاف الجرحى والمفقودين، وقدرت الصحف المعروفة نسبة المدنيين بين الضحايا بأنها مرتفعة جدًا.
كما أن التفشي الحاد لسوء التغذية بين الأطفال الأقل من خمس سنوات بلغ مستويات مثيرة للقلق: أكثر من 54 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد وفق دراسة حديثة كما تم إعلان حالات مجاعة في بعض الأحياء في غزة.
من جانب آخر، يعاني القطاع الصحي من تدمير واسع للمستشفيات والمرافق الطبية، حيث أفادت وكالة الأمم المتحدة أن نصف المستشفيات يعمل جزئيًا أو متوقف كليًا، أيضًا أكثر من 351 عاملًا إنسانيًا قُتلوا في غزة منذ أكتوبر 2023، بينهم موظفون تابعون للأمم المتحدة.
في هذا السياق، تؤكد المنظمات الدولية أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يضع في أولوياته حماية المدنيين وتسهيل الوصول الآمن والمستدام للمساعدات وتوفير الحماية للمنكوبين، وقد حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية من أن استمرار الحصار وتقييد المعابر يمنع إيصال الإغاثة الكافية ويزيد من الانهيار الإنساني.
مواقف حقوقية وقانونية
المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان تراقب عن كثب ما سيخرج من قمة شرم الشيخ، وفي العام الماضي، أعلن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن بعض ممارسات الحرب الإسرائيلية في غزة تتماشى مع معايير الإبادة الجماعية (الجُنْداء) وفقًا لتقرير لجنة مستقلة. ومنظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي طالبت بتحقيقات دولية مستقلة في الهجمات على المدنيين، وفرض آليات مساءلة الدول التي تنتهك القانون الدولي الإنساني.
من الناحية القانونية، يُعد القانون الدولي الإنساني الإطار الأهم؛ حيث يُلزِم أطراف النزاع بضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وتسهيل وصول المساعدات، ووقف الهجمات غير المبرّرة، فأي اتفاق يُبرم يجب أن يتوافق مع هذه المبادئ، وإلا سيكون عرضة للطعن من المؤسسات الحقوقية.
أيضًا يُثير غياب إسرائيل أو حماس عن بعض محطات القمة (مثل التوقيع أو الحضور الرسمي) تساؤلات حول مدى التزامهما بتطبيق ما يُتفق عليه، وهو أمر ترصده المنظمات الدولية بدقة. وعليه، فإن آليات الرقابة الدولية والمراقبة المستقلة ستلعب دورًا جوهريًا في إعطاء الاتفاق شرعية فعلية.
الخلفية التاريخية والدبلوماسية
منذ توقيع اتفاق أوسلو في التسعينات، مرت القضية الفلسطينية بفترات من التفاوض والوقف المتكرر للعنف، لكن المسار السياسي غالبًا ما فشل في وقف الاعتداءات أو تحقيق تطلعات الفلسطينيين. قمة شرم الشيخ تأتي في سياق تصاعد التوترات الإقليمية، وتحمّل الدول الضامنة المسؤولية الكبرى في إعادة صياغة التوازنات بعد الحرب.
كما أن التدهور في غزة خلال سنوات الحصار المتواصل منذ أكثر من عقد، إلى جانب سياسات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، شكلت خلفية مركبة لصراع دائم. واليوم، الحرب التي اندلعت عام 2023 أدّت إلى تدمير واسع للبنية التحتية وتفاقم الكارثة الإنسانية، ما أوجد ضغطًا دوليًّا غير مسبوق لدفع أطراف النزاع إلى قبول صيغة جديدة.
القمة تُعد محطة دبلوماسية محورية: فهي تجمع الضامنين الدوليين والإقليميين في مسعى لإعادة بناء النظام السياسي والإنساني في غزة بعد الخراب، على أمل مساعدتها في التحول من حالة الطوارئ إلى إعادة استقرار تدريجية.
مخاطر الفشل ومفترقات الطريق
رغم الأمل الكبير، فإن هذا المسار ليس خاليًا من المخاطر، وأولها أن الاتفاق قد يكون هشًا إذا لم يكن ملزمًا قانونيًا، أو إذا فشلت الأطراف في الالتزام به، ثانيها، أن استمرارية التمويل الدولي لإعادة الإعمار قد تواجه عقبات سياسية، ثالثًا، أن استمرار الحصار على غزة أو تقييد المعابر سيقوض أي اتفاق إنساني.
كما أن رفض بعض الأطراف المشاركة الرسمية في التوقيع أو التنفيذ قد يضعف شرعية الاتفاق، وقد تنجم عن ذلك مواجهات جديدة في الميدان، وهناك أيضًا تحذيرات من أن دولًا إقليمية أو جماعات محلية قد تسعى للنفاذ إلى السلطة في غزة، ما قد يعيد الصراع إلى فرضيات جديدة.
قمة شرم الشيخ هي فرصة تاريخية قد تفتح صفحة جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذا تمكنت من تحويل وقف إطلاق النار المؤقت إلى تسوية سياسية دائمة، وضمان حقوق المدنيين والحكم المستدام، لكن نجاحها يعتمد على جدية القادة الدوليين والتزام الأطراف المحلية، وعلى آليات فعالة للرقابة والمساءلة، إنّ ما يُتفق عليه اليوم لن يكون ذا معنى حقيقي ما لم يترجَم إلى حياة أفضل للملايين في غزة، فالكلمات تأخذ قيمتها من التنفيذ الفعلي على الأرض.