"فورين أفيرز": تخفيف العقوبات لا يكفي لإنهاء الكارثة السورية
"فورين أفيرز": تخفيف العقوبات لا يكفي لإنهاء الكارثة السورية
اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطوة غير مسبوقة خلال جولته في الشرق الأوسط منتصف مايو، حين أعلن ترامب، في السعودية، تعليق جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، في ظل مرحلة انتقالية صعبة تعيشها الحكومة السورية بعد انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر، ثم التقى ترامب بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، وهو مقاتل سابق في تنظيم القاعدة، واصفًا إياه بـ"الشاب القوي".
ووفقًا لتحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز"، اليوم الثلاثاء، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سوريا منذ عام 1979، عندما صنفت النظام السوري كدولة راعية للإرهاب، ما أدى إلى حظر مبيعات الأسلحة وقيود على الصادرات.
وزادت هذه العقوبات بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، مع إضافة عقوبات أوروبية وأمريكية إضافية على جماعات مسلحة داخل البلاد، أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن هذه العقوبات عزّزت العزلة الاقتصادية لسوريا، ما صعّب عليها التعافي وسط حرب مدمرة.
الأزمة الإنسانية والاقتصادية
يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويحتاج 70% منهم إلى مساعدات إنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، كما قال خبراء وشهود ميدانيون، توقع محللون اقتصاديون أن يعود الناتج المحلي الإجمالي السوري إلى مستواه قبل الحرب فقط بحلول عام 2080، إذا استمر الوضع الاقتصادي على حاله.
وأشارت مصادر محلية إلى أن التوترات الطائفية والضغوط الخارجية، بما فيها الهجمات الإسرائيلية التي تجاوزت 700 غارة، عمّقت حالة عدم الاستقرار.
وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة ترخيصًا رفع معظم العقوبات، مع استثناء تصنيفات الإرهاب التي يمكن إعادة فرضها، أضاف مسؤولون بوزارة الخارجية إعفاءً لمدة 180 يومًا من عقوبات قانون قيصر لعام 2019، ما يتيح فرصًا محدودة للحكومات والشركات الأجنبية للعمل داخل سوريا، رغم ذلك، حذر خبراء من أن الإعفاءات المؤقتة لن تشجع جميع المستثمرين، خصوصًا مع حاجة موافقة الكونغرس لرفع العقوبات بشكل دائم.
ضرورة رفع التصنيفات الإرهابية
حثّ محللون سياسيون وزارة الخارجية الأمريكية على مراجعة تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، ورفع تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، ما لم تبرهن الحكومة الانتقالية السورية على تغير جذري في سياساتها.
أكد هؤلاء أن استمرار تصنيفات الإرهاب يعوق تخفيف ضوابط التصدير، ويحد من فرص الاستثمار الأجنبي الضرورية لإعادة البناء.
ووقّعت شركة إماراتية مذكرة تفاهم مع الحكومة السورية المؤقتة لتطوير ميناء طرطوس بقيمة 800 مليون دولار، كما قامت قطر والسعودية بتسديد ديون لسوريا لتسهيل حصولها على قروض من مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي.
وأوضح محللون اقتصاديون أن إعادة سوريا إلى نظام سويفت المالي سيعزز التحويلات المالية ويجعل المعاملات الدولية أكثر سهولة.
إعادة الإعمار
أشار خبراء إلى أن رفع العقوبات سيسمح ببدء مشاريع إعادة الإعمار الكبرى في قطاعات النفط والغاز والتصنيع، التي كانت تعاني من تراجع حاد.
وبلغ إنتاج سوريا من النفط نحو 400 ألف برميل يوميًا قبل الحرب، لكنه انخفض إلى 40-80 ألف برميل يوميًا بحلول انهيار نظام الأسد.
ساعد تخفيف العقوبات السوريين في الخارج على تحويل الأموال إلى الوطن، وهو أمر ضروري لتنشيط الاقتصاد الوطني.
مئات الغارات الإسرائيلية
شنّ الجيش الإسرائيلي مئات الغارات على الأراضي السورية واحتل أجزاءً من جنوبها، ما عمّق الانقسامات الطائفية، بحسب محللين سياسيين، ضغطت إسرائيل على واشنطن للحفاظ على العقوبات والسماح بوجود قواعد روسية في سوريا، مع ذلك، خففت زيارة ترامب للرئيس المؤقت الشرع من حدة الغارات، لكن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال مستمرًا.
ومن جانبها، أعلنت تركيا عن نيتها التفاوض على اتفاقية اقتصادية مع سوريا لتنظيم استغلال الموارد البحرية، ما قد يثير نزاعات إقليمية حول الحدود البحرية في شرق المتوسط.
ومع ذلك، يرى خبراء أن تركيا يمكن أن تلعب دورًا بناءً من خلال التعاون مع سوريا في مشاريع بنية تحتية للطاقة، شرط ألا يهدد ذلك استقلال سوريا أو يفاقم المخاوف الأمنية الإسرائيلية.
وأفادت مصادر أن إسرائيل وتركيا تجهزان لسيناريو تصاعد التوتر بينهما في سوريا، ما دفعهما إلى إنشاء قناة اتصال لتجنب المواجهة المباشرة، عد محللون الولايات المتحدة قد شجعت تراجع إسرائيل من خلال تعزيز قنوات التواصل مع الحكومة السورية المؤقتة والدول الإقليمية.
وتواجه الحكومة الانتقالية السورية تحديات أمنية كبيرة، إذ لم تسيطر هيئة تحرير الشام على جميع المناطق، ولا تزال الجماعات المسلحة الأخرى ناشطة، بما فيها تنظيم (داعش)، وأكد خبراء أن بناء قوات أمنية محترفة ومدربة جيدًا، تحترم حقوق المواطنين، هو أمر حيوي لتحقيق الاستقرار، مع ضرورة دعم دولي في التدريب والتمويل.