"فورين بوليسي": الكونغرس يوجه ضربة جديدة لمنظمات المجتمع المدني

"فورين بوليسي": الكونغرس يوجه ضربة جديدة لمنظمات المجتمع المدني
البيت الأبيض- أرشيف

وافق مجلس النواب الأمريكي في 21 نوفمبر 2024 على مشروع القانون رقم 9495، المعروف باسم "قانون وقف تمويل الإرهاب والعقوبات الضريبية على الرهائن الأمريكيين".

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، اليوم الأربعاء، أرجأ هذا القانون تقديم الإقرارات الضريبية للأمريكيين المحتجزين ظلماً أو كرهائن في الخارج، لكنه أضاف صلاحيات جديدة مثيرة للجدل، حيث خول لوزير الخزانة تصنيف أي منظمة غير ربحية على أنها "منظمة داعمة للإرهاب" وإلغاء إعفائها الضريبي، أدخلت هذه الأحكام ضمن حزمة الضرائب الجديدة التي أقرها مجلس النواب، ويجري الآن مناقشتها في مجلس الشيوخ.

وأدانت منظمات حقوقية بارزة -بينها منظمة العفو الدولية والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية وأوكسفام- هذه الأحكام، وأعربت عن مخاوفها من غياب الشفافية في الإجراءات وعدم وجود ضمانات تحمي المنظمات من سوء الاستخدام.

وحذرت هذه المنظمات من أن القانون يمنح السلطات صلاحيات واسعة قد تُستخدم لمضايقة أو إسكات منظمات غير ربحية متنوعة، تشمل مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان، ومؤسسات بيئية، ووسائل إعلام، فضلاً عن مؤسسات خيرية مثل مخازن الطعام والكنائس وملاجئ العنف المنزلي.

وتأتي هذه الخطوة ضمن توجه عالمي يشهد تصاعدًا في حملات قمع إدارية ضد منظمات المجتمع المدني، تعتمد هذه الحملات على قوانين تبدو تقنية وتنظيمية في ظاهرها، لكن الغرض منها منع تمويل ودعم المنظمات التي قد تنتقد الحكومات أو تتبنى قضايا حساسة.

ويستغل القادة السياسيون هذا الطابع التقني لتفادي ردود الفعل الشعبية الحادة، رغم أن تأثير هذه القوانين قد يكون مدمرًا على حرية العمل المدني.

استخدام القانون بشكل تعسفي

يمنح القانون الجديد وزارة الخزانة مهلة 90 يومًا للمنظمات غير الربحية بعد تصنيفها كـ"داعمة للإرهاب" للرد والدفاع عن نفسها، إذا رفضت الوزارة الطعون، تُسحب من المنظمة إعفاؤها الضريبي وفق المادة 501(c) (3) من قانون الضرائب، ولا يُلزم القانون وزير الخزانة بالكشف عن الأدلة التي استند إليها في اتخاذ القرار، مما يترك المنظمات في موقف دفاعي صعب للغاية.

وقال مدير الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية إن غياب الشفافية سيؤدي إلى استخدام القانون لأغراض سياسية وتمييزية، كما ينتهك مبادئ الإجراءات القانونية الواجبة. 

وأوضح أن عبء الإثبات سيتحمله المنظمات المتهمة، ما يجبرها على تخصيص موارد ثمينة للدفاع عن نفسها بدلًا من التركيز على مهامها الأساسية.

وأظهرت تجارب قوانين مكافحة الإرهاب السابقة أن إدراج منظمة على قائمة الإرهاب يكاد يكون نهائيًا، حتى مع التبرئة اللاحقة، إذ تفقد المنظمة الكثير من الدعم والشركاء.

ودافع مؤيدو مشروع القانون عنه كأداة لتعزيز جهود مكافحة تمويل الإرهاب، مؤكدين أن تمويل الإرهاب لا يجب أن يستفيد من إعفاءات ضريبية، وعُرضت نسخة مماثلة من القانون عام 2024 في ظل احتجاجات جامعية على خلفية الصراع في غزة، حيث أُشير إلى أن بعض الجماعات المنظمة للاحتجاجات قد تكون داعمة للإرهاب، كما هددت إدارة ترامب بفرض ضرائب على جامعة هارفارد بعد رفضها محاولات السيطرة على إدارتها.

وتمتلك الولايات المتحدة بالفعل قوانين صارمة لمكافحة تمويل الإرهاب، تشمل حظر الدعم المادي للجماعات الإرهابية وفق الأمر التنفيذي رقم 13224 الذي أصدره الرئيس بوش، إضافة إلى قانون باتريوت الذي شدد العقوبات الجنائية على تقديم الدعم الإرهابي، منحت هذه القوانين وزارة الخزانة صلاحيات واسعة لتعطيل البنى المالية للإرهاب العالمي.

توصيات دولية

أوصت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF)، وهي هيئة حكومية دولية، بتطبيق قوانين لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع التركيز على حماية المنظمات غير الربحية من الاستغلال.

وأكدت التوصيات ضرورة تطبيق تدابير متناسبة تراعي خصوصية كل منظمة بناءً على تقييم المخاطر، ورفضت معاملة جميع المنظمات على قدم المساواة كما يفعل مشروع القانون الجديد.

ورصد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان استخدام بعض الحكومات لقوانين مكافحة الإرهاب لتقييد حرية المجتمع المدني وتجريم النشاط السلمي.

وفي تركيا، يسمح القانون بمصادرة ممتلكات المنظمات دون حكم قضائي إذا اعتُبرت مرتبطة بالإرهاب، وفي سريلانكا تملك السلطات سلطات واسعة مماثلة، تسبب هذا النوع من القوانين في تراجع نشاط المنظمات الإنسانية وخوفها من المتابعة القانونية.

انخفاض المساعدات بنسبة 88%

أثرت هذه القوانين بشكل كبير على المنظمات الإنسانية، لا سيما في مناطق النزاع، فبعد تصنيف حركة الشباب في الصومال كمنظمة إرهابية، انخفضت المساعدات بنسبة 88% خلال عامين، ما انعكس سلبًا على السكان، كما قد تفرض الضرائب ورسوم التصاريح تعقيدات كبيرة على عمل المنظمات في مناطق تسيطر عليها جماعات مصنفة إرهابية.

ونتيجة لهذه القوانين، تضطر بعض المنظمات إلى ممارسة رقابة ذاتية لتجنب المشاكل القانونية، حيث قيدت قوانين مكافحة الإرهاب العمل المدني والدعوي، مما أدى إلى انسحاب بعض المنظمات الحقوقية الدولية وتقليص عمل أخرى محليًا.

وتؤدي قوانين القمع إلى تراجع تمويل المنظمات غير الربحية، خاصة تلك التي تتبنى قضايا سياسية أو حقوقية، خفض المانحون تمويل برامج المناصرة بنسبة تزيد على 70%، مفضلين تمويل مشاريع أقل جدلًا كالخدمات الصحية والتعليمية.

وتؤدي حملات القمع الإدارية إلى زيادة الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، مما يفتح الباب لتآكل الديمقراطية واحترام الحريات المدنية، وتشير الأبحاث إلى أن استخدام هذه القوانين يسهم في تقليل احترام الدولة لحقوق السلامة الجسدية وحرية التعبير.

وتدعو منظمات المجتمع المدني إلى أن تستند التشريعات إلى مبادئ دولية تضمن حرية تكوين الجمعيات وإمكانية الوصول إلى الموارد، مع ضرورة استشارة الهيئات الدولية المتخصصة في حقوق الإنسان قبل إقرار أي قوانين جديدة، تحذر من أن عدم الالتزام بذلك سيعزز القوانين التقييدية التي تسمح للحكومات بقمع الأصوات المعارضة تحت ستار الديمقراطية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية