لوحات تشكيلية على القماش.. مشروع فني يطور حياة النساء في ريف المغرب
لوحات تشكيلية على القماش.. مشروع فني يطور حياة النساء في ريف المغرب
في قرية صغيرة تقع على الساحل الجنوبي للمملكة المغربية، وبعيدًا عن صخب المدن الكبيرة، تجتمع عشر نساء ريفيات حول طاولات التطريز في ورشة فنية بسيطة، لكن أعمالهن تحمل قصة أعمق من مجرد فن.
هؤلاء النساء يصنعن لوحات تشكيلية رائعة باستخدام الإبرة والخيط على القماش، مستلهمات تصاميمهن من صور قديمة لعائلة الفنانة المغربية الفرنسية مارغو درعي، التي قررت العودة إلى مسقط رأس والدها لتُحيي حلمًا فنيًا يحمل في طياته أملًا في تحسين حياتهن الاجتماعية والاقتصادية.
مارغو، البالغة من العمر 39 عامًا، عادت إلى قريتها سيدي الرباط في أواخر عام 2022، مع رغبة صادقة في خلق مشروع فني يعود بالنفع على نساء القرية، تلك القرية التي لا يزيد عدد سكانها على 400 نسمة، حيث كانت فرص العمل للنساء شبه معدومة، خاصة في الريف المغربي الذي تعاني نساؤه من تفاوت اجتماعي حاد، إذ لا تمارس أكثر من 20% منهن نشاطًا مدرًا للدخل، وفقًا لإحصاءات رسمية، وفق وكالة فرانس برس.
وفي هذه الورشة الصغيرة، تحوّل النساء الخيوط إلى لوحات فنية تحاكي صورًا من عشرينيات القرن الماضي، التُقطت في مدن مثل الصويرة على الساحل الأطلسي.
حنان إشبيكلي، شابة تبلغ من العمر 28 عامًا، تشارك في العمل رغم أنها لم تسبق لها استخدام إبرة التطريز، تقول حنان بابتسامة واضحة على وجهها: "هذا المشروع غيّر حياتي، لم أكن أتخيل أنني سأتعلم هذه الحرفة، وأنا الآن أدير الورشة وأشعر بفخر كبير".
دخل ثابت للنساء الريفيات
المشروع لا يقتصر على الفن فقط، بل يمنح هؤلاء النساء دخلًا شهريًا يفوق الحد الأدنى للأجور في المغرب، حيث تتقاضى العاملات فيه رواتب ثابتة تساعدهن على تحسين أوضاعهن وأسرهن، ومن خلال هذا العمل، تمكّن المشروع من تحدي الأفكار التقليدية التي ترى في الفن نشاطًا غير مجدٍ أو غير مناسب للمرأة الريفية، فأصبح الفن هنا وسيلة للتمكين وتغيير النظرة الاجتماعية.
تقول خديجة أحويلات، المسؤولة عن الورشة، التي عادت للعيش في القرية بعد دراسة جامعية، "في البداية، كانت بعض النساء يأتين إلى الورشة خفية خوفًا من نظرة المجتمع، لكننا نجحنا في تغيير هذه الأفكار، وأنا فخورة بما نحققه".
تمر مراحل العمل بتأنٍ، تبدأ مارغو بوضع التصميم ثم يناقش الفريق أفضل الخيوط والغرز والألوان التي تناسب كل جزء من اللوحة، قد يستغرق إتمام لوحة كبيرة ما يصل إلى خمسة أشهر، ما يعكس الصبر والدقة والمهارة التي تتطلبها هذه الحرفة.
هذه اللوحات التي تباع بأسعار مرتفعة تصل إلى خمسة آلاف يورو، عرضت في مدن مثل مراكش، باريس، وبروكسل، وهناك معارض أخرى تُحضّر حاليًا في الدار البيضاء ودبي، ما يعكس نجاح المشروع واهتمام الجمهور بالفن المغربي الأصيل المعاصر.
ريفيات غيّر المشروع حياتهن
تروي عائشة جوط، أم خديجة وأرملة تبلغ من العمر 50 عامًا، كيف ساعدها المشروع على الخروج من دائرة العمل الشاق على الشاطئ وتربية الماشية، إذ تقول: "أشعر براحة كبيرة منذ بدأت العمل في التطريز، أحب هذا الفن وأفتخر بأنني أنقل مهاراتي لنساء أخريات في الفريق".
تعلمت عائشة هذه الحرفة في سن صغيرة، وهي جزء من التراث في المغرب والذي توارثته الأجيال، وقد باتت الآن من الموجهات الأساسيّات في المشروع، خصوصًا وأن الفريق يضم نساءً عازبات وأرامل يواجهن صعوبات كبيرة في إيجاد فرص عمل.
حدية نشيط، التي تبلغ من العمر 59 عامًا، تقول بابتسامة بسيطة: "لم تكن هناك فرص كثيرة للعمل هنا، لذا عندما عرضت عليّ هذه الفرصة لم أتردد لحظة"، أما فاضمة لشقر (59 عامًا أيضًا) فتصف هذه التجربة بأنها "نعمة"، خاصة بعدما عادت لممارسة الطرز بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عامًا، قائلة: "هذه الفرصة سمحت لي بمساعدة عائلتي وتحسين حياتي".
هذا المشروع ليس فقط جسرًا بين الماضي والحاضر، بل هو قصة نجاح نسائية ملهمة تبرز من عمق الريف المغربي، حيث تحوّل خيط واحد إلى رمز للتمكين والتغيير الاجتماعي، وتثبت نساء سيدي الرباط أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية للنهوض بالمجتمعات وتغيير حياة الأفراد.