اليونان في مرمى الانتقادات الدولية بسبب سياسات الهجرة واللجوء
"العفو الدولية" تدق ناقوس الخطر
تشهد اليونان، بصفتها نقطة الدخول الأولى إلى الاتحاد الأوروبي بالنسبة للاجئين والمهاجرين القادمين من مناطق النزاع والفقر، تجاوزات مستمرة في حق هؤلاء، في ظل تزايد حالات التوقيف والاحتجاز بموجب قوانين تهريب البشر.
وتشير المعطيات إلى أن المدانين بتهم تتعلق بالتهريب أصبحوا ثاني أكبر فئة من نزلاء السجون في البلاد، بعد المحكومين في قضايا المخدرات.
ويؤكد مختصون في الشأنين الحقوقي والأوروبي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، ضرورة اعتماد سياسات عاجلة في اليونان وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي ككل، للحد من الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون، الذين يُنظر إليهم على نطاق واسع باعتبارهم الفئة الأضعف ضمن مسارات الهجرة الدولية.
وتُعد اليونان، بحكم موقعها الجغرافي على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، نقطة عبور رئيسية للمهاجرين نحو أوروبا الغربية.
ووفقًا لتقرير صادر عن التلفزيون الألماني في مايو 2025، تستقبل البلاد أعدادًا متزايدة من اللاجئين والمهاجرين الساعين إلى حياة أكثر استقرارا.
ووفق بيانات وزارة الهجرة واللجوء اليونانية، تم تسجيل أكثر من 56 ألف مهاجر غير نظامي خلال عام 2024، بمتوسط 155 شخصًا يوميًا.
وفي المقابل، عاد من ألمانيا إلى اليونان 219 شخصًا فقط خلال العام نفسه، كما بلغ إجمالي العائدين من مختلف الدول الأوروبية إلى اليونان في العام ذاته 473 لاجئًا معترفًا بهم، في حين بلغ عددهم حتى 16 مايو 2025، 114 شخصًا، من بينهم 48 عادوا من ألمانيا.
ورغم هذه الأرقام، فقد شهدت حركة الوصول تراجعًا نسبيًا مع بداية عام 2025، حيث سجل حتى نهاية أبريل وصول 8.295 مهاجرًا، أي انخفاض بنسبة 30% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.
قوانين صارمة
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير حديث، عن استمرار احتجاز المئات من المهاجرين غير النظاميين بموجب قانون يجرّم تهريب البشر، دخل حيّز التنفيذ في عام 2014، وينص على عقوبات بالسجن تصل إلى 25 عامًا.
ووفق التقرير، فإن المدانين بتهم التهريب أصبحوا يمثلون ثاني أكبر فئة في السجون اليونانية، بعد مرتكبي جرائم المخدرات.
وأشار التقرير إلى أن المواطنين السودانيين أصبحوا رابع أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في اليونان، متجاوزين في أعدادهم مجموعات تقليدية مثل السوريين والفلسطينيين.
وفي السياق، أفاد التقرير بأن جزيرة كريت أصبحت مركزًا رئيسيًا لاستقبال المهاجرين غير النظاميين، حيث استقبلت أكثر من ربع الوافدين منذ يناير 2025، متجاوزة نقاط عبور معتادة مثل جزيرتي ليسبوس وساموس.
وتشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد الوافدين إلى الجزيرة خلال عام 2024 تضاعف أكثر من ست مرات مقارنة بالعام السابق.
انتقادات حقوقية
وأعربت الباحثة في شؤون الهجرة بجامعة جورج تاون، غابرييلا سانشيز، عن قلقها إزاء تعامل السلطات اليونانية مع اللاجئين السودانيين، مشيرة إلى أن تجريمهم يتعارض مع بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة تهريب المهاجرين، والذي ينص صراحة على عدم جواز ملاحقة المهاجر بسبب عبوره غير النظامي أو تسهيل تهريبه.
وأضافت أن الممارسات القضائية في بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي تشمل محاكمة المهاجرين الشباب بصفتهم مهربين، تتنافى مع المبادئ الأساسية للمعاهدات الدولية ذات الصلة.
وضمن تحقيقها، عرضت الغارديان حالة المواطن السوداني صموئيل (19 عامًا)، الذي قال إنه فر من مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور بعد تعرضها لاعتداءات من قبل قوات الدعم السريع. وبعد وصوله إلى ليبيا، ركب قاربًا لعبور البحر المتوسط في يونيو 2024، ليتم إنقاذه لاحقًا بواسطة سفينة شحن ونقله إلى جزيرة كريت من قبل خفر السواحل اليوناني.
وأفاد ركاب القارب بأن صموئيل كان يتولى قيادته، ما أدى إلى اعتقاله واتهامه بالمساعدة في تهريب مهاجرين غير نظاميين، وهي تهمة يعاقب عليها القانون اليوناني بالسجن لمدد قد تصل إلى 15 عامًا.
ويُحتجز صموئيل حاليًا في سجن أفلونا المخصص للأحداث، شمال أثينا، إلى جانب نحو 50 شابًا سودانيًا آخر، غالبيتهم من طالبي اللجوء الذين اتُّهموا بالتهريب عقب وصولهم إلى اليونان.
وينفي صموئيل أن يكون مهرّبًا، مشيرًا إلى أنه دفع مبلغ 12 ألف دينار ليبي (نحو 2226 دولارًا أميركيًا) للمهربين، الذين فرضوا عليه شرط قيادة القارب بنفسه، ويؤكد أنه لاجئ يبحث عن الأمان في أوروبا، وأنه لم يتواصل مع أسرته منذ أكثر من عام، بعدما تفرقت إثر الهجوم على مدينته.
تجريم الهجرة
بدورها، وصفت الباحثة السياسية جوليا وينكلر، المشاركة في إعداد تقرير عام 2023 حول تجريم المهاجرين في اليونان، ما يحدث في جزيرة كريت بأنه "نموذج صارخ" لتجريم الهجرة، وليس مكافحة التهريب كما يُروَّج له رسميًا.
وأكدت أن السياسات الأوروبية الراهنة تعكس نهجًا عقابيًا تجاه المهاجرين بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية.
وسلّط التقرير السنوي الصادر عن منظمة العفو الدولية في أواخر أبريل 2025 الضوء على مجموعة من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها السلطات اليونانية بحق اللاجئين والمهاجرين خلال عام 2024، في سياق تصاعد الضغوط المتعلقة بإدارة ملف الهجرة على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي.
وأشار التقرير إلى استمرار وقوع حوادث غرق مميتة لقوارب المهاجرين، فضلًا عن ورود تقارير تؤكد انتهاك حقوق الإنسان، خاصة عبر عمليات الإعادة القسرية لطالبي اللجوء على الحدود، والتي غالبًا ما تُنفّذ بطريقة تعسفية وغير قانونية من قبل مسؤولي إنفاذ القانون اليونانيين، مع تمييز عرقي واضح في التعامل.
وفي يناير 2024، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمًا يدين اليونان في قضية تعود إلى عام 2014، حيث فتح خفر السواحل اليوناني النار على قارب مهاجرين خلال محاولة اعتراضه في عرض البحر، ما أدى إلى إصابة رجل سوري تُوفي لاحقًا.
وخلصت المحكمة إلى أن اليونان انتهكت الحق في الحياة، سواء من حيث استخدام القوة المميتة أو من حيث القصور في التحقيقات اللاحقة، ورغم هذا الحكم الملزم، لم تتوقف السلطات اليونانية عن استخدام الأسلحة النارية في سياق ضبط الحدود.
ففي يوليو 2024، قُتل رجل بعد أن أطلقت قوات خفر السواحل النار على قارب مهاجرين قبالة جزيرة سيمي، كما شهد ديسمبر من نفس العام اكتمال التحقيق المحلي الأولي في حادث غرق مأساوي قبالة سواحل بيلوس في يونيو 2023، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 600 شخص، وقد أفاد ناجون بأن خفر السواحل اليوناني كان مسؤولًا عن غرق القارب، وهي ادعاءات لم تُقابل بعد بمحاسبة شفافة.
ورصد تقرير العفو الدولية أيضًا فرض "قيود على الحرية" بحق طالبي اللجوء، خاصة في المركز المغلق الخاضع للمراقبة بجزيرة ساموس، والممول من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب التقرير، فإن معظم المحتجزين يتم تصنيفهم عرقيًا، وتبلغ القيود المفروضة عليهم مستوى يشبه الاحتجاز غير القانوني، وسط نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل المياه الجارية والرعاية الصحية.
وتُظهر البيانات أن ظروف الاحتجاز، خاصة في فترات الاكتظاظ، قد ترقى إلى مستوى المعاملة اللاإنسانية والمهينة.
كما أعربت لجنة مناهضة التعذيب التابعة لمجلس أوروبا، في يوليو 2024، عن بواعث قلق مماثلة عقب زيارتها مراكز احتجاز مغلقة في العام السابق، مؤكدة وجود اختلالات ممنهجة تستدعي المعالجة العاجلة.
ضغوط تفوق الطاقة
بدوره، يرى الدكتور ديمتري بريجع، خبير الشؤون الأوروبية والدولية، أن "اليونان باتت تمثل الحلقة الأضعف في سلسلة إدارة الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي"، مشددًا على أن "المشكلة لا تتعلق بقدرات الدولة اليونانية بقدر ما ترتبط بموقعها الجغرافي الذي يضعها في خط المواجهة الأول".
واعتبر بريجع في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تفاقم أزمة الهجرة في البلاد هو "انعكاس لفشل جماعي أوروبي في وضع سياسة تضامنية متكاملة"، موضحًا أن الدول المركزية في الاتحاد تتجاهل الضغوط التي تتعرض لها دول الجنوب، وتتركها لتواجه الأعباء وحيدة.
وأضاف أن الفرص لا تزال متاحة لتعديل هذا المسار، لكنها مشروطة بوجود إرادة سياسية أوروبية موحّدة تتجاوز المصالح القطرية الضيقة.
وشدد على ضرورة التعامل مع الهجرة كمسؤولية أوروبية جماعية، قائلًا: "يجب أن تتحول أزمة الهجرة من عبء على دول الأطراف إلى مسؤولية أوروبية مشتركة، مبنية على توزيع عادل للأدوار والاعتراف بأن دول الجنوب ليست مجرد نقاط عبور، بل شركاء حقيقيون في المصير الأوروبي".
وأكد بريجع أن تشديد القيود في اليونان هو "نتاج طبيعي للضغط الداخلي والانكفاء الأوروبي"، لكنه شدد على أن هذا الاتجاه "لا يمكن أن يشكّل حلًا مستدامًا".
ودعا إلى تحرك استراتيجي شامل يتضمن دعمًا ماليًا وتقنيًا حقيقيًا لليونان، بالإضافة إلى إصلاح نظام دبلن، وتعزيز التعاون مع دول المصدر والعبور في إطار اتفاقيات عادلة تحمي الحقوق وتحد من الفوضى.
وختم بالقول: "من دون تحرك حقيقي، ستظل اليونان ساحة ضغط دائم وتوتر مزمن داخل الجغرافيا الأوروبية".
جذور الأزمة
من جانبه، يرى الحقوقي المختص في شؤون اللاجئين والنزاعات في إفريقيا، صالح عثمان، أن أزمة الهجرة إلى أوروبا، لا سيما من دول أفريقيا جنوب الصحراء، هي أزمة "قديمة متجددة" تغذيها النزاعات المسلحة، والفساد السياسي، وتدهور الظروف المعيشية.
وأوضح عثمان، في تصريح لـ"جسور بوست" أن دولًا مثل السودان، إثيوبيا، إريتريا، والصومال، تُعد من أبرز مصادر الهجرة، نتيجة لحروب طويلة الأمد، وصراعات داخلية، وتفشي المجاعات والجفاف.
وأضاف أن "الظروف القاسية تدفع المواطنين إلى المخاطرة بحياتهم في رحلات عبور محفوفة بالأخطار، هربًا من واقع ميؤوس منه".
وأشار إلى أن دول العبور الأولى مثل اليونان، إيطاليا، وإسبانيا، تعاني من أعباء متزايدة بسبب هذا الواقع، في ظل غياب رؤية أوروبية متماسكة للتعامل مع هذه التحديات.
وأكد عثمان، على أن الحل الجذري يكمن في "إيقاف الحروب، ومحاربة الفساد، ودعم برامج التنمية المستدامة التي تعالج الفقر والجهل والمرض، وتعزيز منظومات حقوق الإنسان وفق المعاهدات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
وشدد على أن الأحكام المتشددة الصادرة من قبل اليونان ضد اللاجئين، خاصة السودانيين، "تتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي"، داعيًا إلى تحرك سياسي أوروبي ودولي يعترف بمعاناة المهاجرين ويعالج أسبابها على نحو موضوعي ومنهجي.