"نيويورك تايمز": النساء لا يحتجن إلى حوافز للإنجاب بل إلى بيئة إنسانية داعمة
"نيويورك تايمز": النساء لا يحتجن إلى حوافز للإنجاب بل إلى بيئة إنسانية داعمة
طرحت حكومات عدة خلال السنوات الأخيرة سياسات متباينة بهدف زيادة معدلات المواليد في مجتمعاتها المتقدمة في السن، وقدّمت بعض الدول سلسلة من الاقتراحات التي بدت أقرب إلى الطرافة منها إلى السياسات الجادة، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الاثنين.
شجع رئيس بلدية روسي الرجال على «التسلل» إلى شريكاتهم بهدف إنجاب 10 آلاف طفل في غضون تسعة أشهر، فيما قدمت بعض المناطق مكافآت مالية لطالبات المدارس اللواتي يحملن في سن مبكر.
وأُعيد إطلاق برنامج أمريكي شهير على قناة MTV بعنوان "16 and Pregnant" تحت اسم جديد يحفّز الحمل المبكر، ودعا مسؤولون روس إلى تنظيم حفلات مدرسية لتعزيز "الرومانسية بين الأطفال"، وشجع أحدهم النساء على ارتداء التنانير القصيرة، فيما اقترح وزير صحة إقليمي أن يُمارس المواطنون الجنس خلال فترات الاستراحة في العمل.
ودفع مزيج من المحافظين الدينيين والمستقبليين التقنيين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اقتراح سياسات لزيادة الإنجاب في الولايات المتحدة، من بينها جوائز مالية للأمهات اللواتي ينجبن ستة أطفال أو أكثر، ودروس تثقيف جنسي تركز على خصوبة النساء، ومكافأة قدرها 5 آلاف دولار عند الولادة، ورغم أن هذه المقترحات تبدو متواضعة مقارنةً بنظيراتها في دول أخرى، إلا أنها تشترك في عيب جوهري: تجاهلها لتجارب النساء وهمومهن اليومية.
ولم تُفلح السياسات الحكومية التي طُبقت في دول مختلفة في تحقيق ارتفاع ملموس ودائم في معدلات المواليد، يعود ذلك، وفقًا لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى أن الناس غالبًا لا يستطيعون تكوين الأسر التي يرغبون فيها، ودعا التقرير إلى ضرورة أن يطرح صانعو السياسات سؤالًا محوريًا: "ما الذي يحتاجه الناس فعلًا؟".
تكاليف مرهقة وظروف صعبة
صعّبت الولايات المتحدة تربية الأطفال على نحو غير مبرر، ارتفعت تكاليف رعاية الأطفال والإيجارات، بينما أصبحت الرعاية الطبية عبئًا بيروقراطيًا، حتى مع وجود دعم حكومي، في المقابل، تُعد إجازات الأمومة محدودة للغاية، ومع ارتفاع معدلات الإرهاق العام لدى الآباء والأمهات، تعيش الأسر تحت ضغط متواصل.
لاحظت ناشطتان في مجال المناخ، ميغان إليزابيث كالمان وجوزفين فيروريلي، أن الولايات المتحدة تبدو كدولة "معادية للإنجاب" من حيث السياسات والواقع، ودعتا إلى التوقف عن دفع النساء لإنجاب أطفال ضمن ظروف غير إنسانية، وبدلاً من ذلك تسهيل خيار الإنجاب أمام من ترغبن بذلك، فاستجابة النساء لظروف أفضل قد تؤدي تلقائيًا إلى ارتفاع معدلات المواليد.
وأظهرت استطلاعات حديثة أن النساء والرجال في الولايات المتحدة يرغبون بإنجاب ما بين 2.1 و2.7 طفل، في حين يبلغ المتوسط الفعلي حاليًا 1.6 طفل لكل امرأة.
علقت خبيرة الاقتصاد والنوع الاجتماعي في كلية وارتون، كورين لو، بأن السياسات الفعالة لا تبدأ بمنح الحوافز، بل بطرح سؤالين أساسيين: "ما الذي يجعل الأمر صعبًا؟ وكيف نُزيل هذا العائق؟".
واقع المرأة الأمريكية
تُظهر الإحصاءات أن عدد النساء العازبات في الولايات المتحدة في ازدياد، خاصة بين النساء غير الحاصلات على تعليم جامعي، تعمل غالبية النساء في سن الإنجاب، إلا أنهن يواصلن تحمل النصيب الأكبر من الأعمال المنزلية حتى عندما يكون أزواجهن عاطلين عن العمل، ويُعد الجانب المالي من أبرز العقبات التي تمنع النساء من إنجاب مزيد من الأطفال.
وترفض النساء فكرة تقديم حوافز مالية مؤقتة مقابل الإنجاب، وتصف العديد منهن هذه السياسات بأنها مهينة، تُظهر تجارب دول مثل المجر والصين فشل محاولات إعادة النساء إلى أدوار تقليدية من خلال تقليص الحقوق الإنجابية وتقييد الإجهاض.
ففي المجر، نصحت وزيرة شؤون الأسرة النساء بعدم السعي إلى رواتب أو مناصب تنافس الرجال، فيما تمنع الصين النساء العازبات من تجميد بويضاتهن.
وردّت النساء على هذه السياسات باحتجاجات، كما في كوريا الجنوبية، حيث قوبلت "خريطة خصوبة النساء" الرسمية بإطلاق "خريطة الرجال المختلين جنسيًا"، وانتشرت هناك لاحقًا حركة "4B" الداعية إلى مقاطعة الزواج والجنس والإنجاب بين الجنسين، وانتقلت عدواها إلى الولايات المتحدة.
استثناءات محدودة
حققت الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية نتائج إيجابية من خلال تشجيع الولادة عبر تقديم الطقوس الدينية، إذ زاد معدل الولادة بين النساء الأرثوذكسيات المتزوجات بنسبة 42% بعد إطلاق برنامج تعميد الأطفال الثالث فما فوق، يعود ذلك إلى المكانة التي يحظى بها البطريرك إيليا الثاني بين الشعب، وكون 80% من سكان البلاد ينتمون إلى الكنيسة الأرثوذكسية.
في الولايات المتحدة، تشير الكاتبة كاثرين باكالوك في كتابها "أطفال هانا" إلى أن النساء اللواتي يُنجبن عددًا كبيرًا من الأطفال ينتمين في الغالب إلى مجتمعات دينية محافظة، ومع ذلك، تظهر الدراسات الحديثة أن نسبة الشابات غير المنتميات لأي دين في تزايد.
وتراجعت ثقة النساء في الاقتصاد الأمريكي منذ عودة ترامب إلى المشهد السياسي، وعلى عكس الرجال، أظهرت النساء مستوى أعلى من القلق الاقتصادي، ما يُضعف استعدادهن للإنجاب، تُظهر تجارب دول مثل إيطاليا أن الأخبار الاقتصادية السلبية تُخفض الخصوبة، بينما ترفعها الأخبار الإيجابية.
بعد قرار المحكمة العليا في قضية دوبس، الذي حدّ من حقوق الإجهاض، زاد الإقبال على وسائل منع الحمل الدائمة والإجهاض.
علّقت لين بالترو، مؤسسة منظمة "عدالة الحمل"، بأن النساء يسعين لحماية أنفسهن وعائلاتهن بالوسائل الممكنة، وأضافت: "إجبار النساء على الإنجاب لم ينجح في أي تجربة تاريخية سابقة".
نموذج مغاير
تُعد الدنمارك من الدول القليلة التي توفر دعمًا فعليًا للنساء الراغبات في الإنجاب،تشمل سياساتها رعاية أطفال مدعومة، وإجازات أبوية سخية، وتلقيح صناعي مجاني للنساء حتى سن 41 عامًا.
منذ وقت قريب، أصبحت الدولة تُغطي تكاليف إنجاب الطفل الثاني، ما أدى إلى أن تُشكل الولادات المساعدة طبيًا 12% من إجمالي الولادات، مقارنةً بـ2% فقط في الولايات المتحدة.
وأوضح الدكتور سورين زيبي، المشرف على إحدى أكبر عيادات الخصوبة العامة في الدنمارك، أن هدف السياسات الصحية هو مساعدة الأفراد على تحقيق حلم الإنجاب، سواء عبر التغلب على العقم أو توفير بيئة داعمة، وأكد أن مفهوم "السياسات الإنجابية" لا يُناقش كثيرًا في المجتمع الدنماركي، لأن القضايا تُعالَج من منطلق إنساني وليس سياسيًا.
النساء يحتجن الدعم
لم تنجح السياسات الدنماركية في رفع معدل المواليد بشكل جذري، لكنه استقر عند 1.5 طفل لكل امرأة، ومع ذلك، يشعر المواطنون بدعم حقيقي، أما في الولايات المتحدة، فإن نساء كثيرات يرزحن تحت وطأة الإنهاك النفسي والاقتصادي، ويطالبن بسياسات بسيطة مثل إجازة عائلية مدفوعة الأجر.
وقالت عالمة الاجتماع جيسيكا كالاركو إن "الولايات المتحدة لا تملك شبكة أمان اجتماعي حقيقية.. لديها نساء يقمن بكل شيء"، ورغم تعدد المقترحات الأمريكية الأخيرة، إلا أن أكثر ما قد يُشجع النساء على الإنجاب هو: الرعاية، الأمان، وربما طفل أو اثنين.