"فايننشال تايمز": أمن الطاقة يطيح بأهداف المناخ ويُعزز وجود الفحم

بعد 10 سنوات على توقيع اتفاقية باريس

"فايننشال تايمز": أمن الطاقة يطيح بأهداف المناخ ويُعزز وجود الفحم
الفحم- أرشيف

تُشير تقارير حديثة إلى أن العالم يواجه تحديات متزايدة في سعيه للحد من الاعتماد على الفحم، المصدر الأكثر تلويثًا للطاقة، وذلك بعد مرور عشر سنوات على توقيع اتفاقية باريس للمناخ.

أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير نشرته، اليوم الأربعاء، بأن الطلب العالمي على الفحم لا يزال يشهد تزايدًا ملحوظًا، مدفوعًا بشكل رئيسي بالصين والهند، ولا تلوح في الأفق أي مؤشرات على بلوغه ذروته، حيث اتفق قادة العالم على هدف الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الكوكب دون 1.5 درجة مئوية، وهو ما تطلب خفضًا سريعًا لاستخدام الفحم.

توالت التعهدات من القادة السياسيين بالابتعاد عن الفحم تمامًا، صرح الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في عام 2016، بضرورة "تسريع التحول بعيدًا عن مصادر الطاقة القديمة والأكثر تلويثًا"، وأعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، في عام 2021، أن قمة المناخ في غلاسكو "دقت ناقوس الموت لطاقة الفحم".

"أرنب إنرجايزر"

لم يقتصر هذا الشعور على الساسة فحسب، بل اعتقد خبراء اقتصاديات الطاقة أيضًا أن استخدام الفحم في تراجع هيكلي، أعلنت وكالة الطاقة الدولية في عام 2020 أن "الطلب العالمي على الفحم بلغ ذروته في عام 2013".

ويصف الباحث البارز في مركز شيشرون لأبحاث المناخ الدولية، جلين بيترز، الفحم قائلًا: "الفحم أشبه بأرنب إنرجايزر، فهو لا يتوقف عن العمل".

يحرق العالم اليوم ما يقارب ضعف كمية الفحم التي استهلكها عام 2000، وأربعة أضعاف الكمية التي استهلكها عام 1950.

الاعتماد على الفحم

تتعدد الأسباب وراء عدم قدرة العالم على التخلي عن الفحم، أبرزها كونه رخيصًا ومتوفرًا، خاصة في الاقتصادات النامية مثل الصين والهند، فيما شهدت طاقة الرياح والطاقة الشمسية نموًا قياسيًا، لكن ليس بالسرعة الكافية لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، كما أنهما لا توفران طاقة مستمرة.

ويؤكد أستاذ السياسة الاقتصادية بجامعة أكسفورد، السير ديتر هيلم، على مفارقة الفحم: "الفحم مادة ضارة من وجهة نظر بيئية، أما من وجهة نظر اقتصادية فهو رخيص للغاية، ومتوفر على نطاق واسع، ويمكن تخزينه بسهولة بالغة".

ويرى هيلم أن احتياجات العالم من الطاقة تتزايد بسرعة كبيرة لدرجة أن العالم يحتاج إلى المزيد من جميع المصادر، وليس التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري فقط.

أحداث غير متوقعة

عززت العديد من الأحداث غير المتوقعة في السنوات الأخيرة من مكانة الفحم، أطلقت جائحة كوفيد-19 حزم تحفيزية ضخمة زادت من النشاط الصناعي، خاصة في الصين.

يُوضح محلل الطاقة، ديفيد فيشمان، أن تعافي الصين من الجائحة ركز على البنية التحتية والصناعات الثقيلة، ما زاد من استخدام الفحم، دفعت فوضى الجائحة، ثم الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، بقضية المناخ إلى أسفل قائمة أولويات السياسات، ليصبح أمن الطاقة هو الأولوية.

وساعدت أزمة الطاقة التي أعقبت الغزو الفحم من خلال رفع أسعار الغاز الطبيعي، مما جعل استخدام الفحم أرخص نسبيًا.

يلقي رئيس أسواق الغاز والفحم والطاقة في وكالة الطاقة الدولية، كارلوس فرنانديز ألفاريز، باللوم على الجائحة والغزو الروسي في إفساد توقعات الوكالة بشأن ذروة الفحم، مشيرًا إلى أنهم يتحدثون الآن عن "هضبة" في استهلاك الفحم بدلاً من ذروة.

تغير الإرادة السياسية

مع تزايد ترسخ الفحم، تغيرت الإرادة السياسية للتخلي عنه، وشنت حركة البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) حملات ناجحة ضد الاستثمار في الفحم، لكن هذا الاتجاه انعكس الآن.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة جلنكور، غاري ناغل: "لم يعد الفحم كلمة بسيطة.. أصبح يُدرك أن الفحم -فحم الطاقة- ضروري اليوم في ظل التحول العالمي".

صور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه مدافعًا عن الفحم، ووقع عدة أوامر لتعزيز الصناعة، وانخفض استهلاك الفحم في معظم الدول الغنية، بما في ذلك الولايات المتحدة.

توقفت عدة دول أوروبية عن استخدام الفحم تمامًا، وتفاقمت هذه التخفيضات بفعل الزيادة الكبيرة في استخدام الفحم بين أكبر مستهلكيه؛ الصين والهند.

مستقبل الفحم

تعتمد التوقعات المستقبلية للطلب على الفحم بشكل كبير على الصين والهند، حيث تستمد الهند ثلاثة أرباع كهربائها من الفحم، رغم استثمارها في الطاقة المتجددة، لتلبية احتياجاتها المتزايدة للكهرباء.

يرغب رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي في الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2070، لكن الأولوية الأكثر إلحاحًا هي رفع مستويات المعيشة وربط الجميع بشبكة الكهرباء.

بالنسبة لشركة كول إنديا، أكبر منتج للفحم في العالم، المهمة واضحة: تلبية احتياجات الأمة، وتتوقع الحكومة الهندية ارتفاع إنتاج الفحم بنسبة 6-7% سنويًا ليصل إلى 1.5 مليار طن بحلول 2030.

يفاقم تغير المناخ اعتماد البلدان على الفحم، فالإقبال على وحدات تكييف الهواء يزيد الضغط على الشبكة، مما يدفع المشغلين لاستخدام الفحم، وأدى سعي الصين لتزويد قطاعاتها بالكهرباء إلى نمو الطلب على الطاقة بوتيرة أسرع من نمو اقتصادها منذ 2020.

التلوث كجزء من التنمية

ظل إنتاج الفحم قويًا في شانشي الصينية، التي تمثل ربع إنتاج الفحم وتسهم بنحو 30% من اقتصادها، تقبل السكان التلوث كجزء من التنمية.

تواجه شانشي اليوم تحديًا في تسريع التحول بعيدًا عن الفحم دون إثارة خسائر فادحة في الوظائف وعدم استقرار اجتماعي محتمل.

يقول الناشط المناخي، وانغ شياوجون، إن المشكلة الأكبر تكمن في أن سكان شانشي غير مستعدين لتغيير اقتصادي هيكلي، محذرًا من فقدان ملايين الوظائف.

تضاءل الضغط الدولي على الصين للتخلي عن الفحم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تدهور العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، ويُشير الخبير في مفاوضات المناخ، لي شو، إلى أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ يربط إرثه المناخي بالقدرة التنافسية الصناعية، مشددًا على ريادة الصين في الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.

توقعات المستقبل

لا يزال الجدل قائمًا حول موعد وصول العالم إلى ذروة استخدام الفحم، والفحم مسؤول عن 30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويُعد مصدرًا مهمًا لغاز الميثان.

ويقول الأستاذ بجامعة أكسفورد، هيلم: "لا توجد ذروة في استخدام الفحم.. سيتباطأ معدل النمو، لكن إذا واصلنا حرق الفحم بالمستوى الحالي، فستظل هذه كارثة".

وتُشير التقديرات الرسمية لوكالة الطاقة الدولية إلى أن استخدام الفحم سيستقر وقد يبلغ ذروته حوالي عام 2027، تُظهر نماذج أخرى زيادة طفيفة في استهلاك الفحم. يُرجح بعض المتفائلين وصول العالم لذروة الفحم قريبًا، مدفوعين بانخفاض أسعار الطاقة المتجددة وظهور تخزين البطاريات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية