أستاذ دراسات إيرانية لـ"جسور بوست": طهران تحاول تفادي الانهيار الداخلي وتلوّح برد متعدد الجبهات

الدكتور أحمد لاشين: الضربة الأمريكية أربكت الحسابات الإيرانية وأضعفت تركيزها العسكري

أستاذ دراسات إيرانية لـ"جسور بوست": طهران تحاول تفادي الانهيار الداخلي وتلوّح برد متعدد الجبهات
الدكتور أحمد لاشين، أستاذ الدراسات الإيرانية

قال الدكتور أحمد لاشين، أستاذ الدراسات الإيرانية، إن المشهد الراهن المرتبط بالضربات الإمريكية على إيران يمكن قراءته على أكثر من مسار، وهو ما يعكس تعقيد الموقف وتعدد خيارات الرد الإيراني في ظل التصعيد الإقليمي المتسارع.

وأوضح لاشين في تصريح خاص لـ"جسور بوست" أنه من المتوقع أن تواصل إيران هجماتها الصاروخية بكثافة وعشوائية زمنية، بهدف إرباك المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، إلا أن هذه الضربات قد تفتقر إلى الدقة والتأثير الفعال، خاصة بعد الضربة الأمريكية الأخيرة التي أضعفت جزءًا من تركيزها العسكري.  

طهران مضطرة إلى مواصلة الهجمات

وأضاف: "ومع ذلك، تبدو طهران مضطرة إلى مواصلة هذا النمط من الهجمات، حفاظًا على حالة التعبئة الداخلية ومنع تراجع الروح القتالية في الشارع الإيراني،  وقد بدأ ذلك فعليًا في الساعات الأولى بعد الضربة الأمريكية، حيث أطلقت إيران نحو 40 صاروخًا على العمق الإسرائيلي، دون أن تترك نفس الأثر الذي سجلته هجماتها السابقة".

ولم يستبعد لاشين أن تخطط إيران لشن ضربة قوية تستهدف العمق الإسرائيلي بشكل أكثر حساسية، وهو سيناريو قد يتطلب تفعيل أذرعها الإقليمية، وعلى رأسها "حزب الله" الذي لا يزال حتى الآن في موقع الحياد، إلى جانب القدرات الصاروخية لجماعة الحوثي، ما قد يضع إسرائيل تحت ضغط نيراني مزدوج من الشمال والجنوب، مدعومًا بهجمات مباشرة من إيران".

وتابع: "رغم تعقيدات هذا السيناريو، إلا أنه يبقى مطروحًا وممكن التنفيذ في أي لحظة، وذلك رغم أن بعض التقارير الإسرائيلية تشير إلى تراجع القوة الصاروخية الإيرانية بعد استهداف عدد من منصاتها، غير أن الحكم النهائي لا يزال مبكرًا، فالمخزون الصاروخي الإيراني كبير ومتراكم عبر سنوات، ويمنح طهران قدرة على الاستمرار في إطلاق الصواريخ لفترة طويلة".

إجراءات على الصعيد الإقليمي

وعلى الصعيد الإقليمي، لا يُرجح أحمد لاشين أن تقدم إيران على مواجهات عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، رغم إمكانية استخدام بعض أذرعها في العراق لاستهداف مصالح أمريكية كرد فعل محدود، حيث تبدو السيناريوهات الكبرى مثل إغلاق مضيق هرمز أو استهداف القواعد الأمريكية في الخليج، مستبعدة في الوقت الراهن.

وذكر لاشين أن البرلمان الإيراني صادق مؤخرًا على قرار رمزي بإغلاق المضيق، لكن تنفيذه لا يزال يتطلب موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي وتصديق المرشد الأعلى، وهو أمر يحمل تبعات دولية خطيرة، لا سيما مع دول كبرى مثل الصين التي تمر عبر المضيق بأكثر من 4 ملايين برميل نفط يوميًا.

الأوضاع الداخلية في إيران

وبشأن الأوضاع الداخلية في إيران، فإن طهران تواجه أزمات معيشية واقتصادية حادة، تفاقمت مع التصعيد العسكري الأخير، وهو أمر متوقع في أوقات الحروب، إلا أن أكثر ما يشغل النظام الإيراني الآن هو الصورة الذهنية أمام المجتمع، خاصة بعد الضربة الأمريكية التي أثارت تساؤلات حول قوة النظام وقدرته على الردع، لا سيما في ملفه النووي. 

واستشهد لاشين على ذلك بقوله: "قد ظهرت مؤخرا تظاهرات شعبية مؤيدة يقود بعضها مسؤولون في النظام، من بينهم الرئيس الإيراني ذاته، في محاولة لإظهار التماسك الشعبي، كما تنتشر أيضا دعوات لانسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهي دعوات تلقى رواجًا شعبيًا، وتدعمها أصوات داخل مجلس الشورى (البرلمان)، ورغم ذلك فإن الآلة الدعائية الإيرانية تجد نفسها في مأزق حقيقي، مع حاجتها لإعادة تثبيت صورة القوة بعد سلسلة من الخسائر العسكرية".

إسرائيل والدعم الأمريكي

بالنسبة لإسرائيل، قال أستاذ الدراسات الإيرانية: "فقد أصبح واضحًا أنها لا تستطيع خوض هذه المعركة دون الدعم الأمريكي، الذي يمنحها القوة الحقيقية، رغم تفوقها العسكري والاستخباراتي النسبي، إلا أن تمديد أمد الحرب أضعف قدرتها الدفاعية وأرهق مجتمعها داخليًا".

واختتم الدكتور أحمد لاشين حديثه موضحًا: "جاءت الضربة الأمريكية لإيران لتعيد رفع المعنويات الإسرائيلية، وتزيد من الدافعية العامة لمواصلة المعركة، وقد تجلى هذا في الغارات التي نفذتها إسرائيل في العمق الإيراني، والتي وصلت إلى مدينة يَزد، على بُعد أكثر من 2200 كيلومتر، واستهدفت كذلك بعض مصافي النفط في خوزستان، ويبدو أن هذه النجاحات فتحت شهية إسرائيل لمزيد من الهجمات، خاصة في ظل الانكشاف الجوي الإيراني، وتحول السماء إلى مجال مهدد بشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة".

وفجر الأحد، شنّت الولايات المتحدة ضربة وُصفت بأنها "الأقوى من نوعها" ضد منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية الواقعة تحت الجبال، وصرّح ترامب في خطاب مقتضب دام ثلاث دقائق، بأن العملية حققت "نجاحًا عسكريًا مذهلًا"، مؤكدًا "تدمير منشآت التخصيب الإيرانية بالكامل"، دون أن يشير إلى أي نية لنشر قوات أمريكية برية.

وجّه ترامب تحذيرًا صارمًا لإيران، قائلاً: "إما أن يسود السلام، أو ستكون هناك مأساة لإيران، أكبر بكثير مما شهدناه في الأيام الثمانية الماضية، وأضاف: "لا تزال لدينا الكثير من الأهداف، وإذا لم يتحقق السلام سريعًا، سنلاحقها بدقة وسرعة ومهارة".

وتأتي هذه الضربة في سياق تصاعد التوتر الأمريكي الإيراني منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، وفرضها عقوبات اقتصادية خانقة على طهران، منذ ذلك الحين، شهدت المنطقة سلسلة من المناوشات والهجمات المتبادلة، خصوصًا في الخليج والعراق وسوريا، وكانت المنشآت التي استهدفتها الولايات المتحدة تُعد جوهرية في تطوير قدرات إيران النووية، ما يجعل الضربة نقطة تحول قد تفتح الباب أمام مواجهة إقليمية واسعة النطاق، أو تسوية مشروطة بشروط أمريكية مشددة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية