"فايننشال تايمز": اللاجئون الأوكرانيون يكتبون قصة اندماج غير معتادة بأسواق العمل الأوروبية

"فايننشال تايمز": اللاجئون الأوكرانيون يكتبون قصة اندماج غير معتادة بأسواق العمل الأوروبية
لاجئون- أرشيف

سجّل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 واحدة من أضخم موجات النزوح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ودفع التصعيد العسكري ملايين المدنيين إلى مغادرة البلاد، معظمهم من النساء والأطفال، بحثًا عن الأمان في دول الجوار أو في عموم القارة الأوروبية.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تاليمز"، اليوم الأربعاء، رصدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذا النزوح بوصفه أزمة ممتدة، محذرة من أن "من يُجبر على الفرار لا يعود سريعًا".

وبعد ثلاث سنوات، لا يزال أكثر من 5 ملايين أوكراني يعيشون في الخارج، وسط تساؤلات حول أوضاعهم، خاصة في سوق العمل.

اندماج سريع وغير معتاد

كشف رئيس قسم الهجرة الدولية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، جان كريستوف دومون، عن أن معدلات التوظيف بين اللاجئين الأوكرانيين في بعض الدول "بلغت ضعف معدلات التوظيف المسجلة بين اللاجئين من مناطق أخرى".

أرجع دومون هذا الأداء الاستثنائي إلى عدة عوامل، منها قوة سوق العمل لحظة النزوح، والسياسات الأوروبية التي أتاحت لهم العمل فور وصولهم، لا سيما في دول الجوار مثل بولندا وجمهورية التشيك، في المقابل، انخفضت معدلات التوظيف بشكل ملحوظ في بلدان مثل النرويج، حيث تعوق اللغة الاندماج المهني.

واستفاد اللاجئون الأوكرانيون من وضع الحماية المؤقتة الذي أقره الاتحاد الأوروبي، والذي سمح لهم بالحصول على سكن وتعليم ورعاية صحية واجتماعية دون الحاجة إلى تقديم طلب لجوء فردي، حيث منحهم هذا الوضع مرونة في اختيار أماكن الاستقرار بحسب قوة السوق المحلي، وساعدهم على بدء حياة مهنية جديدة دون تأخير بيروقراطي.

وفي المقابل، منعت دول أخرى مثل المملكة المتحدة طالبي اللجوء من العمل أثناء معالجة الطلبات، ما تسبب في تعطيل الاندماج المهني وتكبيدهم مصاعب اقتصادية. 

يحصل طالبو اللجوء في بريطانيا على إعانة أسبوعية لا تتجاوز 49.18 جنيه إسترليني، بينما أثبتت دراسة ألمانية أن تأخير السماح بالعمل ينعكس سلبيًا على معدلات التوظيف، ويستغرق أحيانًا عقدًا كاملًا لسد الفجوة.

شهادات جامعية

أظهر استطلاع أوروبي أن نحو ثلثي اللاجئين الأوكرانيين حاصلون على شهادات جامعية، وأكثر من 40% يحملون درجة الماجستير أو أعلى، يُعد هذا المؤهل التعليمي مرتفعًا مقارنة بجماعات لاجئة أخرى، وحتى مقارنة ببعض سكان البلدان المضيفة.

رغم ذلك، اضطر كثير منهم لقبول وظائف دون مستوى كفاءاتهم بسبب حواجز اللغة، أو صعوبات في الاعتراف بالمؤهلات، تتركز أعمالهم غالبًا في مجالات الخدمات، مثل الضيافة، والتصنيع، والإدارة، بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وطرحت الحكومة الأوكرانية تساؤلًا محوريًا: هل يعود اللاجئون؟ فخسارة دائمة لهذا العدد الكبير من النساء المتعلمات تُهدد الاقتصاد الوطني الذي يُعاني أصلًا من آثار الحرب، كما يُفاقم النزوح وضعها الديموغرافي الهش، خاصة مع خروج عدد كبير من الأطفال.

رغم الآمال، تُظهر بيانات مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية الأوكراني أن نية العودة تراجعت بشكل ملحوظ، فقد انخفضت نسبة اللاجئين الذين قالوا إنهم "سيعودون بالتأكيد" من 50% في نوفمبر 2022 إلى 20% في ديسمبر 2024.

تشجيع العودة

يتطلب تشجيع العودة جهدًا منسقًا، تموّله مؤسسات دولية وتدعمه سياسات مرنة في الداخل الأوكراني، من أجل إعادة بناء المساكن والبنية الاقتصادية، ومن المحتمل أن تستفيد أوكرانيا من وجود جاليات كبيرة في الخارج، خاصة في ما يتعلق بتحويلات العاملين والاستثمار والربط التجاري.

ومع ذلك، تُذكّر هذه التجربة بأن الحروب لا تُخلّف دمارًا فحسب، بل تؤسس لواقع سكاني جديد يصعب تغييره، فكلما طال أمد الاستقرار النسبي في المهجر، زادت احتمالات البقاء، وانخفضت رغبة العودة.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية