"فورين أفيرز": خطة إسرائيل لتفريغ غزة من سكانها لا يمكن كبحها إلا بضغط أمريكي

"فورين أفيرز": خطة إسرائيل لتفريغ غزة من سكانها لا يمكن كبحها إلا بضغط أمريكي
تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خطابًا قصيرًا في العاشر من يناير 2024، بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر، شدد في خطابه على أن إسرائيل لا تنوي احتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين، مؤكدًا أن العمليات العسكرية تستهدف عناصر حماس وليس المدنيين الفلسطينيين، وبيّن أن الهدف الرئيسي هو "تطهير غزة من إرهابيي حماس وتحرير الرهائن".

ووفقا لتحيل قدمته مجلة "فورين أفيرز"، اليوم الخميس، أدت الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرين شهرًا إلى مقتل ما يزيد على 56 ألف شخص في قطاع غزة، وتسببت في دخول إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، ومنذ انهيار وقف إطلاق النار القصير في مارس 2025، كثفت القوات الإسرائيلية عملياتها واستولت على أجزاء كبيرة من القطاع، في حين دفعت السكان نحو مناطق ضيقة ومزدحمة.

فرضت الحكومة الإسرائيلية حصارًا كاملاً استمر أكثر من عشرة أسابيع، ومنعت خلاله دخول المساعدات الإنسانية، ما فاقم الأزمة، ورغم تجدد الهجمات، فشلت إسرائيل في تحرير أي من الرهائن الخمسين المتبقين، الذين يُعتقد أن 20 منهم فقط على قيد الحياة، وتمكنت فقط من تأمين إطلاق سراح الجندي إيدان ألكسندر في مايو، بوساطة أمريكية.

التغيير في الخطاب السياسي

أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي نادر عقد في الثاني والعشرين من مايو، أن أهداف إسرائيل قد تغيرت، وأعلن أن بلاده لم تعد تركز فقط على تحرير الرهائن والقضاء على حماس، بل تسعى إلى السيطرة الأمنية الكاملة على غزة بعد الحرب.

وأشاد بمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دعا إلى إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى وتحويل القطاع إلى وجهة سياحية عالمية، واصفًا المقترح بأنه "ثوري ورائع"، بهذا، بدا أن الحكومة الإسرائيلية تنتهج سياسة تتناقض صراحة مع ما سبق وأعلنه نتنياهو في يناير 2024.

وأنشأت الحكومة الإسرائيلية في أواخر مارس مكتبًا خاصًا للإشراف على ما وصفته بـ"الهجرة الطوعية" من قطاع غزة، وأوضح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في مطلع مايو، أن الخطة تستهدف تدمير غزة بالكامل، ودفع المدنيين إلى مناطق جنوبية مؤقتة تمهيدًا لنقلهم إلى دول ثالثة.

وفرضت الحكومة الإسرائيلية في مارس 2025 حصارًا شاملاً على دخول الغذاء والدواء والوقود إلى غزة، واستمر الحصار 80 يومًا، تسبب ذلك في اقتراب السكان من حافة المجاعة.

ومع تصاعد الضغط الدولي في منتصف مايو، سمحت الحكومة الإسرائيلية بإدخال بعض المساعدات عبر الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، لكن الكميات بقيت محدودة جدًا، لا تتجاوز 100 شاحنة يوميًا، مقابل 600 شاحنة خلال فترة التهدئة القصيرة مطلع العام.

وتعاني قوافل المساعدات من عمليات نهب متكررة في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، يُعتقد أن عصابات محلية تنفذها تحت حماية غير مباشرة.

عسكرة العمل الإنساني

طرحت الحكومة الإسرائيلية في أواخر مايو خطة جديدة تتحكم من خلالها في توزيع المساعدات، وأوكلت المهمة إلى مؤسسة خيرية خاصة حديثة التأسيس تُعرف باسم "مؤسسة غزة الإنسانية".

تدير المؤسسة عملياتها تحت إشراف إسرائيلي مباشر، ويُعتقد أنها تعمل ذراعاً لوجستية للجيش الإسرائيلي، لا توفر المؤسسة سوى الطعام الجاف بكمية لا تتجاوز 1700 سعرة حرارية للفرد يوميًا، دون أي أدوية أو مستلزمات طبية.

استقال مديرها الأمريكي قبل انطلاق البرنامج رسميًا، احتجاجًا على غياب المعايير الإنسانية، تولى رئاسة المؤسسة لاحقًا جوني مور، وهو شخصية إعلامية مسيحية إنجيلية لا تمتلك خلفية إنسانية، وكان قد أعلن دعمه لطرد الفلسطينيين من غزة.

استراتيجية الإخلاء والتدمير

نقلت إسرائيل مراكز توزيع الغذاء إلى ثمانية مواقع فقط في جنوب غزة، ما اضطر آلاف السكان إلى السير لمسافات طويلة للحصول على الغذاء، قُتل أكثر من 500 فلسطيني أثناء محاولتهم الوصول إلى المراكز، نتيجة إطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية، في أحداث وصفتها منظمات حقوقية بأنها غير مسبوقة في مناطق النزاعات.

وأكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي في تقرير بتاريخ 29 مايو أن افتتاح مركز توزيع جديد في ممر نيتساريم يهدف إلى دفع سكان شمال القطاع للتوجه جنوبًا.

وأعادت القوات الإسرائيلية تفعيل عملياتها العسكرية المكثفة في 18 مارس، ما أدى إلى نزوح نحو 660 ألف شخص خلال أسابيع، وقتل نحو 5000 فلسطيني بمعدل يفوق 50 قتيلًا يوميًا.

ركزت الهجمات على مناطق حضرية كثيفة مثل رافا وخان يونس، حيث صدرت أوامر إخلاء شاملة، بعد فرار السكان، دُمّرت البنية التحتية بالكامل، واستُبدلت مراكز المدن بمراكز توزيع الأغذية، وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 82.5% من مساحة غزة أصبحت إما خاضعة للاحتلال أو مناطق إطلاق نار حُر.

تغييب الاحتياط

نشرت إسرائيل خمس فرق عسكرية في غزة تضم ما بين 50 إلى 60 ألف جندي، مزودين بمئات الدبابات والجرافات والطائرات بدون طيار، ركزت التشكيلة على عناصر الجيش النظامي، واستبعدت وحدات الاحتياط المعروفة بتقديم القسم الأكبر من القوة البشرية، ربما لتقليل الخسائر الداخلية.

وفي ظل ارتفاع أعداد الضحايا واحتمال تكرار الاستدعاءات، أبدى بعض عناصر الاحتياط رفضهم للانخراط في الحرب التي أصبحت الأطول في تاريخ إسرائيل.

واجهت إسرائيل إدانات دولية متزايدة، خصوصًا من الاتحاد الأوروبي الذي هدد بتجميد أجزاء من اتفاقية الشراكة بسبب الانتهاكات الإنسانية في غزة، كما عبّر مسؤولون سابقون في الأمن والموساد وأكاديميون إسرائيليون عن اعتراضهم على خطة الحرب، ورغم كل ذلك، بقي الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو متماسكًا، بدعم من أحزاب يمينية متطرفة.

الضغوط الأمريكية

أبدى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انزعاجه من الأوضاع في غزة، ودعا إلى إنهاء القتال، لكنه لم يتخذ إجراءات عملية للضغط على إسرائيل، اقترح البعض العودة إلى صيغة وقف إطلاق النار السابقة (يناير–مارس 2025) التي أدت إلى إطلاق سراح 33 رهينة وهدوء نسبي، خلال تلك الفترة، بدأت مناقشات دولية حول مستقبل غزة، وانفتحت حماس على إمكانية التخلي عن السلطة.

تؤدي الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية إلى تفاقم الأوضاع، وقد تؤدي إلى اشتباكات ميدانية دامية داخل أنقاض المدن، ما قد يرفع عدد الضحايا الإسرائيليين، وبينما تزداد السيطرة الإسرائيلية على الغذاء والمساعدات، يواجه أكثر من 2.2 مليون فلسطيني خطر الحصار الكامل والاعتماد التام على المعونات المحدودة، ومن دون وجود بنية مدنية، ستتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن مصير سكان غزة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية