"واشنطن بوست": إدارة ترامب تقترح إنهاء برنامج بيئي يحمي ملايين الطيور من الانقراض
"واشنطن بوست": إدارة ترامب تقترح إنهاء برنامج بيئي يحمي ملايين الطيور من الانقراض
هدد مشروعُ موازنة البيت الأبيض لعام 2026 أحدَ أقدم برامج الحفاظ على الحياة البرية في الولايات المتحدة، ما يضع أكثر من قرن من البحث العلمي حول الطيور البرية على المحك.
ووفقا لمقال لتوف دانوفيتش، نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، اليوم الاثنين، عكف العلماء على استخدام أطواق معدنية صغيرة لتتبع الطيور البرية لأكثر من مئة عام، ساعدت هذه التقنية البسيطة، التي تعتمد على تمييز كل طائر برقم فريد، في جمع بيانات دقيقة عن مواطن الطيور، وهجراتها، وأنماط تكاثرها، فضلاً عن مساهمتها في صياغة السياسات البيئية وصيد الطيور.
وتتذكر دانوفيتش أنها انضمت إلى مشروع بحثي عن طائر "البوم" في أحد أحياء مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، رافقها الخبير الاتحادي في طوق الطيور ألكسندر لاوبر، الذي ثبّت صندوقاً خشبياً في شجرة كرز بحديقتها الخلفية ليُستخدم كعش للبوم الصراخ الغربي.
ورصد لاوبر لاحقاً أنثى بومة اتخذت الصندوق موطناً لتضع بيضها، هذا النوع من البوم يُعرف بصغر حجمه –لا يتجاوز وزنه خمس أونصات– وقدرته على التكيّف مع الحياة قرب البشر، أصواته الليلية تُعد مألوفة في الأحياء السكنية، وتتميّز بنغمات هادئة، خلافاً لما قد يوحي به اسمه.
نفّذ لاوبر عمليات الرصد باستخدام فخ بسيط لالتقاط البوم البالغة عند عودتها بالطعام لصغارها، قاس أوزانها وأطوال أجنحتها، ثم ثبّت أطواقاً معدنية صغيرة على سيقانها، تحمل كل واحدة رقماً فريداً يُمكن تتبعه لاحقاً عبر الإنترنت في حال العثور على الطائر مجدداً، تساعد هذه البيانات في رسم خرائط الهجرة، وتحديد أعمار الطيور، ومعدلات بقائها.
وصعد لاوبر مجدداً إلى الشجرة وأعاد الطيور إلى عشها، بينما بدت إحدى البوم الصغار، غاضبة وملوّحة بمخالبها، تُمسك بدودة أرض وعثة، مُظهرة جانباً جديداً من سلوكها الغذائي.
برنامج بحثي عمره قرن
سعت إدارة الرئيس دونالد ترامب، وفق مشروع ميزانية 2026، إلى إنهاء التمويل المخصص لبرنامج رصد الطيور ومختبر أطواق الطيور التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وهو ما قد يُنهي أكثر من قرن من الجهود البحثية المشتركة بين الولايات المتحدة وكندا. منذ عام 1920 وثّق البرنامج رصد أكثر من 77 مليون طائر وأُعيد رصد أكثر من 5 ملايين منها لاحقاً.
أسهم البرنامج في اكتشافات علمية بارزة، من بينها تتبّع طائر القطرس المعروف باسم "ويزدوم"، الذي تم ربطه أول مرة عام 1956، ولا يزال على قيد الحياة حتى اليوم، ويُعد أقدم طائر بري موثق في العالم، بعمر يُناهز 74 عاماً.
ساعد البرنامج أيضاً على إنقاذ أنواع مهددة مثل "بط الخشب"، الذي كاد ينقرض في منتصف القرن العشرين، قبل أن ترتفع أعداده إلى نحو أربعة ملايين طائر اليوم، بفضل تتبع الصيد وتنظيمه بناءً على بيانات موثوقة.
عرّضت المقترحات الجديدة هذه الإنجازات للخطر، فتتبّع الطيور ليس مجرد هواية أو فضول علمي، بل أداة حاسمة في تحديد المواطن الطبيعية التي يجب حمايتها من مشاريع التوسع العمراني أو السياحي.
وفي غياب هذه البيانات، ستتراجع قدرة الهيئات البيئية على إثبات أهمية المستنقعات والغابات بوصفها موائل حرجة، ما يفتح الباب أمام التعديات غير المنضبطة.
تتجاوز قيمة البرنامج رصد الطيور فقط، فقد خُصّصت ميزانية تبلغ 292.9 مليون دولار لعام 2025 لمنطقة "مهمة النظم البيئية" بهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، تشمل مراقبة الأنواع الغازية، وتتبع أمراضاً مثل إنفلونزا الطيور، ودراسة سبل التكيّف البيئي مع تغير المناخ، ومن شأن إنهاء التمويل المقرّر في 2026 أن يُجهض كل هذه المهام دفعة واحدة.
من مراقبة الطيور لحماية الأرض
أسهمت التجربة الشخصية للكاتبة مع البوم في ترسيخ أهمية برنامج الأطواق، مع نمو صغار البوم، اعتادت الكاتبة مراقبتها كل مساء، وهي تطلّ برؤوسها الزغبية من الصندوق، وتخطو خطواتها الأولى في عالم الطيران، وفي لحظة مغادرتهم العش، شعرت بأن الطيور تودّع مكاناً آمناً نحو مستقبل مجهول، تماماً كما يواجه البرنامج ذاته خطر الرحيل.
توضح هذه القصة الإنسانية –المرتكزة إلى تجربة شخصية وعمل علمي دقيق– كيف يمكن لتقنية بسيطة مثل طوق معدني صغير أن تُحدِث فرقاً في فهمنا للطبيعة، وفي قدرتنا على حمايتها.