من الهامش إلى القيادة.. حملة يمنية لتمكين النساء ذوات الإعاقة
من الهامش إلى القيادة.. حملة يمنية لتمكين النساء ذوات الإعاقة
يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة في اليمن، لا سيما النساء، من التهميش المستمر والإقصاء الاجتماعي، رغم وجود تشريعات محلية ودينية تضمن حقوقهم.
وتُشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى غياب إحصاءات دقيقة بشأن أعدادهم، في ظل الحروب والصراعات التي تعصف بالبلاد، فيما تُقدَّر أعدادهم بنحو 4.9 مليون شخص، ما يشكّل نحو 15% من إجمالي السكان، بحسب ما ذكرت صحيفة "الأيام" اليمنية، الثلاثاء.
يُفترض أن يضمن القانون اليمني رقم 61 لعام 1999، والدين الإسلامي، الحقوق الكاملة لهذه الفئة، بما يشمل التعليم والرعاية الصحية والعمل، إلا أن الواقع الميداني يعكس صورة مغايرة، حيث ما زال الكثير من ذوي الإعاقة يطرقون أبواب مؤسسات الدولة بحثًا عن أبسط حقوقهم.
انطلاقة الحملة
أطلقت مجموعة من النساء اليمنيات حملة وطنية لتمكين ودمج النساء ذوات الإعاقة تحت شعار: "نحو مجتمع شامل لتحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والفرص"، في يونيو الماضي، استجابة لمطالب نابعة من مشاورات شاركت فيها أكثر من 40 امرأة من مختلف المحافظات.
ترأس د. الرميصاء حسين يعقوب، وهي ناشطة حقوقية تقود مؤسسة "رووم" والشبكة الوطنية لمناصرة ذوي الإعاقة، الحملة التي تعد صوتًا مهمًا للنساء ذوات الإعاقة، خصوصًا في ظل ضعف التمثيل السياسي والاجتماعي. تُحضّر الرميصاء حالياً رسالة الدكتوراه في القانون الدولي الإنساني، وتُعَدّ نموذجًا لتجاوز الإعاقة من أجل مستقبل عادل وشامل.
وتسعى الحملة إلى تحقيق تسع توصيات جوهرية أبرزها: الضغط لتعديل السياسات العامة لمصلحة النساء ذوات الإعاقة، وضمان شمول التعليم الجامعي لهن دون تمييز، وتعزيز تمثيلهن في مواقع صنع القرار، إلى جانب تمكينهن اقتصاديًا عبر منح وقروض وفرص تدريب ومشاريع ريادية.
وتطالب الرميصاء الجهات الرسمية والدولية بالاعتراف بدور النساء ذوات الإعاقة ليس كمستفيدات فقط، بل كقائدات في التنمية وصناعة القرار. تؤكد أن التمكين ليس رفاهية، بل استحقاق حقوقي يحمي كرامة هذه الفئة من المجتمع.
نساء تجاوزن القيود
تشارك أروى الحاج، من محافظة إب، في الحملة بصفتها مسؤولة التدريب في جمعية المعاقين حركيًا، وتعاني من ضمور عضلي إثر خطأ طبي منذ الطفولة، لكنها امتلكت خبرة تنموية من خلال العمل مع منظمات كـ GIZ و"رعاية الأطفال".
وتؤكد أروى أن الحملة جاءت لتكسر القيود المفروضة على النساء ذوات الإعاقة اللواتي يعشن في بيئة غير مهيأة، وتعاني من البنية التحتية غير الصديقة.
وتشدد على ضرورة تفعيل القوانين وإيقاع العقوبات بحق كل من يحرم هذه الفئة من حقوقها، مشيرة إلى عراقيل تمويلية وسياسية تعوق تنفيذ خطط الحملة.
تجارب في التحدي والتمكين
تبرز إيمان بامخرمة من حضرموت، كشخصية فاعلة في الحملة، حيث تمتلك خبرة إعلامية وريادية، وأسست مشروعًا للعناية بالبشرة. تُسلط الضوء على التمييز المجتمعي، وتقصير الإعلام والمؤسسات، وتراخي العنصر النسائي ذاته أحيانًا. تُعدّ الحملة منصة للتعبير عن التحديات الحقيقية في التعليم والعمل والسياسة.
وتُشارك تقية سعيد قاسم من عدن، وهي من ذوي الإعاقة السمعية، في الحملة كقيادية في جمعية الصم ومبادرة "هُن".
وتصف الحملة بأنها خطوة نحو تمثيل ذوي الإعاقة في لجان الدولة والانتخابات، وتشدد على أن إدماج هذه الفئة في المواقع العليا يصنع فرقًا في باقي القطاعات كالتعليم والعمل.
الحرب أضعفت الحقوق
تتحدث داليا محمد عبدالله من تعز عن أثر الحرب في النساء ذوات الإعاقة. فقدت إحدى عينيها نتيجة انفجار لغم، وتُحمّل الانقسام السياسي مسؤولية غياب الخدمات وتدمير البنية التحتية.
وتُبرز داليا عوائق التخطيط الاستراتيجي الغائب، وتندد بانعدام الإرادة السياسية، مشيرة إلى أن قانون صندوق رعاية المعاقين أصبح حجة لمنع الدعم بدلاً من تفعيله لأجل المستحقين.
تُطالب داليا بتنفيذ القوانين القائمة وتوفير الخدمات كحق لا كمنّة.
نماذج من الضوء
تُلهم مروى عبدالحليم الحباري من صنعاء، وهي من الكفيفات وعضوة في جمعية الأمان، العديد من النساء بذات التجربة. تُعدّ حاليًا رسالتها للماجستير حول التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة ذات الإعاقة.
وترى في الحملة صوتًا مفقودًا يُستعاد، وفرصة لتغيير الصور النمطية. لكنها تحذّر من خطر الاكتفاء بالشعارات دون ترجمة فعلية على الأرض.
وتُوصي بضرورة إشراك النساء ذوات الإعاقة في قيادة الحملة، وتفعيل البرامج الريفية والميدانية التي تصل لأشد الفئات تهميشًا.
وتُعبّر نسيم أحمد سالم، رئيسة مؤسسة "أرمان" وناشطة من عدن، عن شعورها بالانتماء من خلال الحملة. تقول: "من هذه الحملة أستطيع أن أقول: أنا هنا، ولي حق كفله لي القانون اليمني والدولي".
وتُسلّط الضوء على التحديات المتكررة من تمييز ونظرة دونية، وتُطالب بتغيير نظرة المجتمع نحو قدرات النساء ذوات الإعاقة.
صوت لا يُمكن تجاهله
تُجسّد الحملة الوطنية لتمكين النساء ذوات الإعاقة في اليمن تحوّلًا مهمًا في مسار النضال الحقوقي، إذ لم تعد المرأة ذات الإعاقة مجرد مستفيدة، بل أصبحت شريكة فاعلة في بناء مجتمع أكثر عدلًا وإنصافًا.
وتُطالب النساء المشاركات بتفعيل القوانين، وخلق بيئات آمنة وشاملة، وتوفير الدعم الحقيقي لا الرمزي، مشددات على أن الإعاقة لا تعني الضعف، بل دافع للمشاركة والتغيير.