"احتجوا على تجويع غزة".. اعتقال عشرات الحاخامات اليهود في واشنطن ونيويورك
"احتجوا على تجويع غزة".. اعتقال عشرات الحاخامات اليهود في واشنطن ونيويورك
في تصعيد لافت للمواقف الأخلاقية داخل أوساط دينية يهودية تقدمية، اعتُقل العشرات من الحاخامات الأمريكيين المنتمين إلى تيارات يسارية خلال احتجاجات سلمية نظموها في واشنطن ونيويورك للمطالبة بإنهاء المجاعة في غزة ورفع الحصار عنها، في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية في القطاع مع استمرار الحرب الدائرة منذ أشهر.
الاحتجاجات، التي قادتها منظمات دينية يهودية مثل "الحاخامات من أجل وقف إطلاق النار" و"يهود من أجل المساعدات الغذائية لشعب غزة"، تعكس تنامياً غير مسبوق في صوت يهودي ناقد لسياسات الحكومة الإسرائيلية ومطالب بالتدخل الإنساني العاجل.
وعدّ المحتجون مسؤوليتهم الروحية تتطلب منهم وقفة ضمير مع معاناة المدنيين في قطاع غزة، من الجميع: والفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
احموا الحياة وأوقفوا الحصار
في العاصمة الأمريكية واشنطن، دخل 27 حاخاماً إلى مكتب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثيون، ورفعوا لافتات كتب عليها "الحاخامات يقولون: احموا الحياة!" و"أوقفوا الحصار"، مرددين نصوصاً من التقاليد الدينية اليهودية تحاكي الحصار والمجاعة.
وتلوا مقتطفات من "مراثي إرميا"، في حين أنشدوا المزمور 23 بنغمة جنائزية، تعبيراً عن الحداد على أرواح المدنيين.
وقامت شرطة الكابيتول باعتقال المشاركين بعد دقائق من بدء الاعتصام، وسط هتافات تطالب بإنهاء المجاعة وإنقاذ الأرواح.
وفي نيويورك، تم اعتقال ثمانية حاخامات آخرين خلال وقفة أمام القنصلية الإسرائيلية، نظمتها منظمتا "T’ruah" و"New York Jewish Agenda"، حيث طالب المشاركون، ومعهم مئات المتظاهرين، بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وإعادة جميع الرهائن ووقف الحرب فوراً.
وكتب الحاخام إيفان تريلور على إنستغرام بعد إطلاق سراحه من سجن مانهاتن: "أنا بخير، وسأواصل التحدث والعمل من أجل إنهاء المجاعة في غزة، وإعادة الرهائن، وإنهاء الحرب، وتحقيق العدالة والسلام الحقيقي لكل الناس في إسرائيل وفلسطين".
صوت ديني يواجه الحرب
الحاخامة أليسا وايز، المؤسسة لمنظمة "الحاخامات من أجل وقف إطلاق النار"، قالت في بيان، إن "كل حياة مقدسة، لكن الأرواح الفلسطينية لا يُنظر إليها كذلك، وهذا وصمة على ضميرنا الإنساني الجمعي".
وأضافت: "نحن هنا لتأكيد قدسية حياة كل فلسطيني، وكل إسرائيلي، وكل واحد منا".
وتعكس هذه التصريحات تحولًا بارزًا في الخطاب داخل قطاعات من الجاليات اليهودية الأمريكية، وتطرح تساؤلات أخلاقية حول مسؤولية الإيمان تجاه القضايا العادلة والعدالة الإنسانية، خاصة في سياق نزاع طويل الأمد.
تضامن وموقف متنامٍ
خلال الشهرين الماضيين، وقّع أكثر من 23,500 يهودي أمريكي على بيان بعنوان "يهود من أجل المساعدات الغذائية لشعب غزة".
ومن بين الموقعين أكثر من 750 حاخاماً، وأكثر من 100 كنيس ومنظمة يهودية في أنحاء الولايات المتحدة.
ووقع أكثر من 1000 حاخام حول العالم رسالة مفتوحة تطالب إسرائيل بوقف "استخدام المجاعة سلاحاً في الحرب"، وهو الاتهام الذي تنفيه إسرائيل بشدة.
تحركات غير مسبوقة
تُعد هذه التحركات الدينية غير المسبوقة مؤشراً على ارتفاع الأصوات الأخلاقية التي تدين تجويع المدنيين باعتباره وسيلة ضغط عسكري أو سياسي، وتندرج في إطار ما قد يعتبره مراقبون "إعادة تعريف لدور الدين في زمن الأزمات"، خاصة حين يتقاطع مع قضايا حقوق الإنسان.
الاحتجاجات، رغم سلميتها، وُوجِهت بالاعتقال، ما يسلط الضوء على التوتر بين الحق في التعبير والاحتجاج، وبين السلطة السياسية التي تقف غالباً في خندق الدفاع عن الحليف الإسرائيلي، بغض النظر عن الأبعاد الحقوقية للأزمة الإنسانية في غزة.
هذه المواقف لا تمثل فقط فعل احتجاج، بل نداء روحاني وأخلاقي لإنقاذ الحياة حيث تُزهق بلا حساب، وهي تضع تحدياً مباشراً أمام الضمير العالمي الذي ما زال عاجزًا عن التحرك الحاسم لإنهاء الكارثة المستمرة في القطاع المحاصر.