"المرافق الطبي".. مهنة جديدة تزدهر في الصين لمواجهة تعقيدات المستشفيات

"المرافق الطبي".. مهنة جديدة تزدهر في الصين لمواجهة تعقيدات المستشفيات
المرافق الطبي في الصين

تشهد الصين ظاهرة غير مألوفة عالميًا تتمثل في ضعف الاعتماد على العيادات الطبية الخاصة، ما يدفع الغالبية العظمى من المواطنين إلى التوجه مباشرة إلى المستشفيات، حتى في حالات المرض البسيط.

ويفضل الصينيون هذا الخيار رغم ما تعانيه المستشفيات، خاصة في المدن الكبرى، من اكتظاظ وضوضاء وإرهاق، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، الثلاثاء. 

ويدفع غياب التوازن في جودة الخدمات الصحية بين الأقاليم، لا سيما في المناطق الريفية، المرضى إلى تكبّد عناء التنقل نحو مستشفيات متقدمة في بكين وشنغهاي وغيرها من الحواضر، ما يؤدي إلى استنزاف هذه المنشآت الضخمة.

المرافقون.. مهنة جديدة 

أدى هذا الواقع إلى بروز مهنة "المرافق الطبي"، وهي وظيفة تشهد ازدهارًا واسعًا في الصين خلال السنوات الأخيرة. يُعدّ هذا القطاع جزءًا من اقتصاد الخدمات الصحية القابلة للحجز عبر الإنترنت، وهو قطاع أكثر تطورًا في الصين مقارنة بالدول الغربية، وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس.

يقول تيان ييغوي، أحد كبار السن المترددين على المستشفيات، إن "المستشفيات في بكين معقدة للغاية، حيث تتطلب تنقلًا متواصلاً بين الطوابق وطوابير انتظار طويلة"، ما يجعل التجربة مرهقة جدًا، خصوصًا لكبار السن.

ترافق منغ جيا، إحدى المرافقات الطبيات، السيد تيان وزوجته غاو في رحلتهم العلاجية، حيث تُنجز إجراءات التسجيل، وتنتقل معهم بين أقسام المستشفى، وتشرح كيفية تسلّم الأدوية. تُكلّف هذه الخدمة نحو 300 يوان (42 دولارًا) لأربع ساعات من الدعم الطبي، وهو مبلغ تعدّه غاو (78 عامًا) استثمارًا ضروريًا للتعامل مع مضاعفات ما بعد جراحة في الحلق.

وتوضح منغ أنها لم تتلقَّ أي تدريب طبي سابق، لكنها التحقت بدورة أسبوعية نظمتها منصة "تشنغي هيلث"، وهي منصة إلكترونية تربط المرضى بمقدّمي رعاية صحية متخصصين.

دخل لائق ومهارات مطلوبة

يؤكد شياو شو (اسم مستعار، 36 عامًا)، وهو مرافق طبي يعمل بشكل حر، أنه يجني قرابة 10 آلاف يوان (1400 دولار) شهريًا، وهو ما يعادل متوسط دخل الفرد في العاصمة الصينية. يشير إلى أن طبيعة عمله، رغم محدوديتها من حيث التخصص، توفر له دخلاً مجزيًا.

ويعزو مؤسس منصة "تشنغي هيلث"، لي غانغ، وهو طبيب تخدير سابق، سبب الحاجة للمرافقين إلى تعقيد النظام الصحي، إذ تضم بعض المستشفيات الكبرى أكثر من 50 قسمًا، ولا يعرف كثيرون كيفية حجز استشارة طبية أو التنقل بين الأقسام المختلفة.

وينضم العديد من الشباب إلى هذا القطاع الجديد، بينهم تاو يوان (24 عامًا) الذي ترك عمله في شركة تكنولوجيا، بعدما اكتشف أن مهنة المرافقة الطبية توفّر له دخلاً أعلى وفرصًا مستقبلية واعدة.

وتُشكل السياسة السكانية في الصين أحد العوامل الدافعة نحو اتساع نطاق هذه المهنة، خصوصًا بعد عقود من سياسة الطفل الواحد (حتى عام 2015)، والتي تركت جيلًا كاملًا من الأفراد دون إخوة أو أخوات يتقاسمون مسؤولية رعاية الوالدين المسنين.

نظام صحي تحت الضغط 

يُواجه النظام الصحي الصيني صعوبات جمة في تقليص الفجوات الإقليمية في جودة الخدمات، كما يُعاني من تفاوتات صارخة في فرص الوصول إلى الرعاية، ولا سيما لكبار السن في القرى النائية.

ويُشير وانغ فنغ، أستاذ الديموغرافيا بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، إلى أن الصين تُقبل على موجة متزايدة من الطلب على الرعاية الصحية، مع تزايد نسبة كبار السن ضمن التكوين السكاني.

وتعتمد السلطات الصينية على ما يُعرف بـ"اقتصاد الشيب" لتعويض الضغط على النظام الصحي، ويشمل ذلك المنتجات والخدمات الموجهة إلى كبار السن. تبلغ قيمة هذا القطاع حاليًا نحو 7 تريليونات يوان (993 مليار دولار)، بحسب الجمعية الصينية للرعاية الاجتماعية وخدمات المسنين.

رعاية مستقبليّة أم حلول مؤقتة؟

تُثير هذه الظاهرة تساؤلات حول ما إذا كانت مهنة "المرافق الطبي" تُشكّل بديلاً واقعيًا ومتكاملاً للرعاية الصحية الرسمية، أو أنها حل مؤقت لثغرات هيكلية أعمق في البنية الصحية للبلاد.

تُعَدّ هذه الوظيفة مثالًا على كيفية استجابة المجتمعات الحديثة لتحديات الشيخوخة وتزايد الأمراض المزمنة في ظل تحولات ديموغرافية واقتصادية متسارعة، قد تفرض على الدول الأخرى تبنّي تجارب مشابهة مستقبلًا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية