العطش يضرب دمشق.. أزمة مياه غير مسبوقة تعصف بالعاصمة السورية
العطش يضرب دمشق.. أزمة مياه غير مسبوقة تعصف بالعاصمة السورية
اشتدت أزمة المياه في العاصمة السورية دمشق وضواحيها خلال الأسابيع الماضية، لتبلغ ذروتها في واحدة من أسوأ الأزمات التي تعيشها المدينة منذ عقود، وفق ما أكده مصدر رسمي في المؤسسة العامة لمياه الشرب، اليوم الأربعاء، في تصريحات لقناة "روسيا اليوم".
ورغم الجهود التي تبذلها السلطات، فإن العطش بات يهدد السكان في كل حي وزقاق، مع تزايد أصوات الغضب الشعبي وشكاوى المواطنين من التمييز في التوزيع، وانهيار الثقة في قدرة الدولة على الاستجابة العادلة لحاجاتهم الأساسية.
وأوضح المصدر أن شح الأمطار خلال الشتاء المنصرم كان العامل الأول في تراجع منسوب المياه، حيث اقتصرت الهطولات على أيام معدودة وبكميات زهيدة، مشيراً إلى أن حوض نبع الفيجة، المصدر الرئيسي لمياه الشرب في دمشق، سجّل انخفاضًا حادًا غير مسبوق.
شيخوخة البنية التحتية
وأكد أن مخرجات الحرب الطويلة أسهمت بدورها في تفاقم الأزمة، إذ دمرت أعمال القصف والاشتباكات المسلحة العديد من عنفات الضخ الحيوية وأخرجت عددًا كبيرًا من الآبار من الخدمة، ما أدى إلى شيخوخة البنية التحتية المائية في المدينة.
وأفاد بأن الضغط السكاني المتزايد نتيجة نزوح آلاف العائلات من مناطق أخرى إلى دمشق فاقم الوضع، حيث قفزت الاحتياجات اليومية من المياه إلى أكثر من 560 ألف متر مكعب، في حين لا يتجاوز معدل الضخ الحالي 400 ألف متر مكعب، في حين يُتوقَّع أن ينخفض إلى 200 ألف فقط في أغسطس القادم، مع اشتداد موجات الحر.
واشتعلت الخلافات بين الجيران في بعض الأحياء المكتظة بالمواطنين، حيث اضطر مفيد (اسم مستعار) إلى إشهار السكين في وجه جاره أسعد، الذي استخدم مضخة كهربائية سُميت شعبيًا بـ"السراق" لشفط الماء بالكامل إلى شقته في الطابق الأول، ما حرم مفيد القاطن في الطابق الخامس من أي نقطة ماء.
وشهدت أحياء مثل المزة والباردة والميدان تراجعًا كبيرًا في أوقات الضخ، إذ باتت المياه تصل مرة واحدة كل يومين أو أسبوع، ما يدفع المواطنين إلى شراء صهاريج مياه بتكلفة تصل إلى 100 ألف ليرة سورية للصهريج الواحد، وهو مبلغ يعادل ربع أو نصف الراتب الشهري لمواطن من الطبقة المتوسطة.
مفاضلة بين الأحياء الغنية والفقيرة
اتهم مواطنون، مثل أبو صالح من حي الباردة جنوبي دمشق، المؤسسة العامة للمياه بسوء التوزيع، مشيرين إلى أن الأحياء الراقية كالمزة وأبو رمانة تنال حصصًا أكبر من المياه مقارنة بالمناطق الشعبية.
وقال أبو صالح إن المياه تصل إلى حيه مرة في الأسبوع فقط، وفي ساعات يصعب التنبؤ بها، ما يدفعه وأولاده إلى ترقبها كمن ينتظر "ضيفًا لا يأتي".
في المقابل، نفى غسان، مهندس من سكان أوتوستراد المزة، هذه الاتهامات، موضحًا أنهم أيضًا يدفعون يوميًا مبالغ كبيرة لشراء المياه من الصهاريج الخاصة، قائلاً: "كلنا في العطش سواء، الفارق فقط أن البعض يعطش بصوت أعلى".
حلول محفوفة بالأخطار
اضطر مواطن من دير الزور يُدعى خلف، ويعيش في المعضمية غرب دمشق، إلى حفر بئر تقليدي داخل حرم البناء الذي يقطنه، لكن محاولته لحل الأزمة كانت مليئة بالتحديات، إذ تطلّب استخراج المياه استخدام مضخة تستهلك المازوت المكلف، وكانت كمية المياه ضعيفة جدًا ولا تكفي حاجات المبنى.
ودخل في نزاع مع جيرانه الذين اتهموه بسحب المياه الجوفية لحسابه الخاص، ما اضطره لتوزيع المياه القليلة التي يستخرجها على الجميع بالتساوي.
تحذيرات من الأسوأ
دعت المؤسسة العامة لمياه الشرب المواطنين إلى تفهم الوضع الاستثنائي، مؤكدة أنها تعمل على تنفيذ خطة طوارئ تشمل إعادة تأهيل الآبار، وتحسين عدالة التوزيع، ومكافحة استخدام المضخات غير القانونية.
وأفادت بأن الأرقام تدق ناقوس الخطر، حيث قد تصل دورة الضخ إلى مرة كل 5 أيام في الأسابيع القادمة، ما ينذر بكارثة إنسانية حقيقية ما لم يتحلَّ المواطنون بالوعي والمسؤولية في استخدام المياه.
تفتح الأزمة الباب مجددًا أمام جدل كبير حول الأولويات الحكومية، إذ يرى مراقبون أن استمرار إهمال البنية التحتية للمياه، رغم تحذيرات سابقة، يعكس فشلاً في إدارة الموارد الأساسية للسكان، في حين ترى جهات رسمية أن الحل لا يمكن أن يكون في يد الدولة وحدها، بل يتطلب تعاونًا شعبيًا، وترشيدًا جماعيًا، وانتظارًا طويلًا لهطول الأمطار.