الأمم المتحدة: احتجاجات جورجيا تكشف عن تحديات حقوقية خطيرة وسط قيود على الحريات

خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان

الأمم المتحدة: احتجاجات جورجيا تكشف عن تحديات حقوقية خطيرة وسط قيود على الحريات
احتجاجات في جورجيا

في تقرير جديد أثار ردود فعل واسعة، استعرضت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان سلسلة من التطورات الحقوقية المثيرة للقلق في جورجيا، مؤكدة أن الفترة الممتدة من يونيو 2023 وحتى ديسمبر 2024 شهدت تصاعدا مقلقا في انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما في سياق الاحتجاجات العامة والقيود المفروضة على الحريات السياسية والإعلامية.

جاء هذا التقييم ضمن تقرير شامل قدمته المفوضية إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان، المنعقدة حتى 9  يوليو الجاري، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه.

وأشار التقرير إلى أن المفوضية كثفت من مساعداتها التقنية خلال الفترة المذكورة لدعم مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في جورجيا، إلا أن الوضع الحقوقي لا يزال هشا، خاصة مع التوترات السياسية المتكررة وتزايد الادعاءات بشأن استخدام مفرط للقوة من قبل قوات إنفاذ القانون ضد المتظاهرين، بالإضافة إلى تمرير تشريعات تقيد حرية التعبير والتنظيم.

وسلط التقرير الضوء على الاحتجاجات التي اندلعت في نوفمبر وديسمبر 2024، اعتراضا على قرارات حكومية مثيرة للجدل، حيث وثقت المفوضية استخداما غير متناسب للقوة من قبل الشرطة، تضمن الضرب والاعتقال التعسفي لعشرات المتظاهرين، من بينهم نساء وقاصرون. ووفقا للتقارير، فإن بعض المعتقلين تعرضوا لسوء معاملة وصلت في بعض الحالات إلى مستوى يرقى إلى التعذيب.

وأوضحت المفوضية أن السلطات الجورجية لم توفر ضمانات كافية للمحاكمات العادلة، وأن الإجراءات القانونية المتخذة ضد أكثر من 400 شخص تمت في ظل ظروف تشوبها انتهاكات للإجراءات القضائية، كما أثيرت مخاوف بشأن حياد القضاء وتجاهله للأدلة التي قدمها المتهمون.

ومن أبرز التطورات التشريعية التي ندد بها التقرير، تمرير قانون «النفوذ الأجنبي» الذي صنف على نطاق واسع بأنه يقيد منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة من خلال فرض تصنيفات قسرية وتمييزية على الجهات الممولة من الخارج. وقد نُظر إلى هذا القانون باعتباره محاولة لتقييد حرية التنظيم والتعبير، حيث تسببت إعادته للمناقشة في أبريل 2024 في موجة احتجاجات جديدة، واجهتها قوات الأمن بالقوة.

وعبرت المفوضية عن قلقها من تعديلات على قانون المخالفات الإدارية التي من شأنها فرض غرامات باهظة على سلوكيات ذات طابع احتجاجي مثل استخدام مكبرات الصوت أو التجمهر السلمي، ما يشير إلى اتجاه تصاعدي نحو تقييد الفضاء المدني.

وأبرز التقرير التقدم المحدود في تمثيل النساء في الحياة السياسية، مشيرا إلى أن إصلاحات جزئية أُقرت لضمان تمثيل نسائي في البرلمان، لكن التنفيذ جاء بشكل متسرع وافتقر للمشاركة المجتمعية، ما أثار تحفظات واسعة. كما رصد التقرير استمرار التمييز ضد مجتمع الميم في ظل تشريعات تحظر المحتوى المتعلق بالهوية الجنسية، وحرمان الأزواج من نفس الجنس من الحقوق الاجتماعية.

ووثقت المفوضية حالات تمييز ضد المسلمين، خاصة في مدينة باتومي، حيث رُفض منح تصاريح بناء لمسجد جديد رغم الموافقة على بناء كنيسة في الموقع ذاته، ما يشير إلى انتقائية واضحة في تطبيق القوانين.

وتناول التقرير حالة حقوق الإنسان في منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الخاضعتين لسيطرة فعلية مختلفة عن الحكومة المركزية، مشيرا إلى استمرار القيود على حرية التنقل، وحرمان السكان من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. وأكدت المفوضية أن السكان في تلك المناطق يعانون من العزلة الاجتماعية والاقتصادية، ومن انتهاكات تشمل التعذيب والاحتجاز التعسفي والتمييز العرقي، وسط غياب تام لآليات المساءلة الفعالة.

وأشار التقرير أيضا إلى عدم إحراز أي تقدم يُذكر في قضايا سابقة تتعلق بقتل أو اختفاء مواطنين جورجيين في هذه المناطق، ما يعكس غيابا كاملا للعدالة وبيئة من الإفلات من العقاب.

ودعت المفوضية السامية الحكومة الجورجية إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان حرية التعبير والتجمع، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ومراجعة التشريعات التقييدية، وتطبيق المعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة. 

كما أوصت بضرورة إجراء إصلاحات قضائية تعزز استقلالية القضاء وحياديته، إلى جانب إعادة النظر في القوانين التي تقيد المجتمع المدني، واتخاذ تدابير عاجلة لحماية الأقليات والمجتمعات المهمشة.

وشدد التقرير على أهمية تسهيل وصول المنظمات الدولية إلى مناطق النزاع لضمان تقديم المساعدات الإنسانية ومراقبة الوضع الحقوقي، داعيا مجلس حقوق الإنسان إلى الاستمرار في مراقبة الوضع عن كثب.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية