في مواجهة التغيير المناخي.. فقراء باكستان ضحايا فيضانات تتكرر كل عام

في مواجهة التغيير المناخي.. فقراء باكستان ضحايا فيضانات تتكرر كل عام
الفيضانات في باكستان - أرشيف

لم يكن صباح الاثنين يومًا عاديًا في قرية بشوناي الصغيرة، التي تقع في قلب إقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان، فبينما كانت السماء تمطر بغزارة دون توقف، كان الأهالي منشغلين بدفن موتاهم الذين لم يتوقفوا عن السقوط منذ يوم الجمعة.. ستة قبور جديدة في يوم واحد، جميعها مغطى بأغطية بلاستيكية لدرء المطر المتواصل، في مشهد لم تشهده القرية من قبل.

وفي تصريحات نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز"، عبر عبدالحليم، شخصية دينية محلية، عبّر عن المأساة بكلمات قليلة لكنها تختصر الألم: "كان الأمر كما لو أن الموت حلّ بكل بيت".

أرقام مفزعة

بحسب الأرقام الرسمية، لقي ما لا يقل عن 660 شخصًا مصرعهم منذ بدء موسم الرياح الموسمية في أواخر يونيو، وأصيب نحو 935 آخرين في أنحاء البلاد، لكن شمال باكستان كان الأكثر تضررًا، إذ سقط نحو 350 قتيلًا خلال أيام قليلة فقط بعد أن أغرقت الفيضانات المفاجئة قرى ومناطق جبلية بأكملها.

حذر المسؤولون أن الحصيلة مرشحة للارتفاع؛ نظرًا لوجود مئات المباني المنهارة التي لم يتمكن عمال الإنقاذ من الوصول إليها بعد، مع توقع استمرار الأمطار في الأيام المقبلة.

بدت قرية بشوناي التي يسكنها نحو 4000 شخص وكأنها مسرح لمأساة غير مسبوقة، حيث تحول النهر الذي يشقها نصفين إلى سيل هادر جرف كل ما صادفه في طريقه، ومن أصل 400 منزل في القرية، لم يبق سوى 25 منزلًا سليمًا وفقًا للمسؤولين المحليين، أما البقية فقد انهارت أو جرفتها المياه، تاركة عائلات بأكملها دون مأوى، واستمرت الجنازات لساعات طويلة دون انقطاع، وتحولت إلى مشهد يومي يعكس حجم الكارثة.

سُجّل معظم الضحايا في مقاطعة بونر شمال غرب البلاد، القريبة من الحدود مع أفغانستان، هذه المنطقة الجبلية لم تكن مستعدة لهطول أمطار بهذه الغزارة والقوة، بحسب الشهادات، لم يمنح السيل المفاجئ الأهالي أي فرصة للهرب، فانهارت المنازل خلال دقائق، وغرقت العائلات في الوحل والطين.

مأساة تتكرر

هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها باكستان مثل هذه الكوارث، ففي عام 2022 أغرقت فيضانات تاريخية ثلث مساحة البلاد وأدت إلى نزوح الملايين، حينها تركزت الأمطار في سهول إقليم السند، لكن في هذا العام كان المشهد مختلفًا، إذ حلت الكارثة على المناطق الجبلية في الشمال، حيث انحدرت مياه الأمطار عبر الوديان والجداول مسببة انهيارات ودمارًا واسعًا.

ورغم أن الحكومة استثمرت خلال السنوات الماضية عشرات الملايين من الدولارات في أنظمة الرصد والإنذار المبكر، فإن الأهالي والسلطات على حد سواء فوجئوا بالعاصفة.

أقر المسؤولون بأن الأمطار الغزيرة المفاجئة تجاوزت قدرات الدولة على الاستعداد والاستجابة، هذا الأمر سلّط الضوء مجددًا على هشاشة البنية التحتية في مواجهة الكوارث الطبيعية المتكررة.

يعمل عمال الإنقاذ في بشوناي والقرى المجاورة، دون توقف منذ أيام، لكن الطرق المغلقة بسبب الطين والصخور والأشجار وأعمدة الكهرباء المنهارة تعرقل تقدمهم، ووفقًا للمسؤول المحلي، وسيم أختر، فلا يزال أكثر من 100 شخص في عداد المفقودين في بشوناي وحدها حتى يوم الاثنين.

وفي تصريحات لـ"نيويورك تايمز" قال سيد علم، وهو معلم محلي تطوع لمساعدة فرق الإنقاذ، وهو يلهث من التعب: "لا يزال هناك أشخاص في عداد المفقودين، كل دقيقة مهمة، لكن الطرق مزدحمة".

أموال الإغاثة

أعلنت حكومة إقليم خيبر بختونخوا عن تخصيص نحو 4.6 مليون دولار لإغاثة عاجلة، من بينها 1.8 مليون دولار لمقاطعة بونر الأكثر تضررًا، هذه المساعدات شملت توفير مأوى مؤقت للنازحين، وإرسال مواد غذائية أساسية، إلى جانب دعم عمليات البحث والإنقاذ، إلا أن آلاف العائلات ما زالت عالقة بين فقدان منازلها والبحث عن أقاربها المفقودين.

وتذكّر الفيضانات الحالية الملايين بكارثة 2022 التي لم تلتئم جراحها بعد، آنذاك، استغرق الأمر شهورًا لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة، في حين بقي كثير من النازحين دون مأوى دائم، واليوم، يجد سكان بشوناي ومقاطعة بونر أنفسهم أمام مأساة جديدة، أشد وطأة بسبب تكرارها في فترة زمنية قصيرة.

ومع استمرار هطول الأمطار وتحذيرات الأرصاد الجوية من موجات جديدة من الفيضانات، يزداد قلق السكان من تدهور الوضع أكثر، فكثير من العائلات لم تتمكن من الوصول إلى مناطق آمنة، في حين تعيش أخرى في العراء، متشبثة بأمل العثور على مفقوديها أو بقايا منازلها.

بين أرقام القتلى والمفقودين، وبين مشاهد الدفن الجماعي والدمار الواسع، يجد سكان هذه القرى أنفسهم أمام كارثة تفوق طاقتهم، وعلى الرغم من المساعدات المعلنة، تبقى الحقيقة أن الأهالي يواجهون المجهول.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية