بين التكيّف والحنين.. حياة جديدة للطبقة الوسطى الروسية تحت العقوبات الغربية
بين التكيّف والحنين.. حياة جديدة للطبقة الوسطى الروسية تحت العقوبات الغربية
في أحد أحياء ضواحي موسكو، يحرص سيرغي وماريا، زوجان في الثلاثينات والأربعينات من عمرهما، على منح أطفالهما حياة مستقرة قدر الإمكان، رغم التحولات الجذرية التي فرضتها العقوبات الغربية على روسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
يقودان سيارة صينية، ويملآن برّادهما بأطعمة روسية، ويتجنبان الحديث في السياسة، بدلًا من السفر إلى أوروبا، اختاروا فنزويلا لقضاء عطلتهم – بلد يعاني، مثل روسيا، من عزلة دولية وعقوبات اقتصادية وفق فرانس برس.
في شقتهما المتواضعة ذات الغرفتين، التي يتشاركانها مع أولادهم الثلاثة وقطتين وكلب، يقول سيرغي بابتسامة ساخرة: "ليست نهاية العالم أن تختفي العلامات التجارية الغربية من حياتنا. نحن نعرف كيف نتكيّف".
تكيّف أكثر من اعتراض
ماريا، التي تعمل في شركة لمستحضرات التجميل، تعترف أنها بالكاد تتابع الأخبار السياسية، وتساءلت مازحة إن كانت العقوبات بدأت في فترة جائحة كوفيد. وبالنسبة إليها، فإن غياب بعض المنتجات لا يغيّر كثيرًا من نمط حياتها، بل تدعو إلى التركيز على البدائل المحلية، مشيرة إلى نوع روسي من جبنة "كاممبير" تراه "لذيذًا بما فيه الكفاية".
زوجها سيرغي، الذي يعمل بدخل جيد نسبيًا، واجه صعوبات بعد حادث بسيارته الكورية، إذ انتظر ثلاثة أشهر لتصليحها بسبب نقص قطع الغيار. بعد ذلك، قرر اقتناء سيارة صينية: "أدركت أن زمن السيارات الغربية انتهى بالنسبة لنا".
تحولات الحياة اليومية
لم يعد "ماكدونالدز" موجودًا، لكن الأطفال يفرحون بوجبات سلسلة "فكوسنو إي توتشكا"، التي حلت مكانه، كذلك، اختفت علامات تجارية مثل "دانون"، ليحل مكانها زبادي روسي جديد، رغم أن ملكيته الآن تعود -بحسب التقارير- لأحد المقربين من الزعيم الشيشاني رمضان قديروف.
الرحلات إلى أوروبا باتت شبه مستحيلة، فتوجه الزوجان إلى أميركا اللاتينية. عن فنزويلا تقول ماريا: "شعبها ودود للغاية ويحب الروس". رغم نسبة التضخم التي تقترب من 10%، لا تبدي قلقًا بالغًا، مشيرة إلى أن الأجور ارتفعت بدورها، وتضيف: "العالم كله يعاني من التضخم، عمتي في ألمانيا تقول الشيء نفسه".
الحنين والواقع
فيما تبقى العقوبات مصدر توتر سياسي واقتصادي، يواصل كثير من الروس -مثل سيرغي وماريا- حياتهم اليومية بتكيّف لافت، تتخلله أحيانًا نبرة حنين إلى ما كان.
ومع اختفاء السلع الأوروبية من الأرفف، وشركات غربية من الأسواق، وتغير خارطة السفر، لا يعبّر هؤلاء عن احتجاج أو سخط، بل عن قبولٍ لواقع جديد – واقع يعاد تشكيله كل يوم، بالجبنة الروسية، والعطلات في كاراكاس، والسيارات الصينية.
الحرب الروسية الأوكرانية
اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، عندما شنّت روسيا هجومًا عسكريًا واسع النطاق على أوكرانيا، بعد شهور من التوترات المتصاعدة وحشد القوات على الحدود. وبرّرت موسكو تدخلها بأنه "عملية عسكرية خاصة" تهدف إلى "نزع السلاح واجتثاث النازية" في أوكرانيا، وهي مزاعم رفضتها كييف والمجتمع الدولي بشدة.
سرعان ما تحوّلت العملية إلى صراع مفتوح، تصفه أوكرانيا والدول الغربية بأنه غزو غير مبرر وانتهاك صارخ للقانون الدولي. وشهدت الأشهر الأولى من الحرب قتالًا عنيفًا للسيطرة على العاصمة كييف، إلا أن القوات الأوكرانية تمكنت من صدّ الهجوم وإجبار الروس على الانسحاب من شمال البلاد.
في المقابل، عززت موسكو وجودها في جنوب وشرق أوكرانيا، خصوصًا في مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، حيث أعلنت ضمّها رسميًا إلى روسيا في خريف 2022، في خطوة لم تحظَ باعتراف دولي.
التداعيات الأوسع
أدت الحرب إلى أزمة إنسانية حادة، خلّفت عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين داخليًا واللاجئين في أوروبا. كما تسببت بتداعيات اقتصادية عالمية، شملت ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وأطلقت موجة جديدة من العقوبات الغربية القاسية ضد روسيا، طالت قطاعات المال، والطاقة، والصناعة، والنقل.
ردّت روسيا بتعزيز علاقاتها مع قوى دولية مثل الصين، إيران، والهند، في محاولة لكسر العزلة الاقتصادية، فيما قدم الغرب دعمًا عسكريًا واقتصاديًا واسعًا لأوكرانيا، بما في ذلك أسلحة متطورة وتدريب استخباراتي.
الوضع الميداني والسياسي حتى 2025
مع دخول الحرب عامها الرابع في 2025، تحوّلت إلى نزاع طويل الأمد يستنزف الطرفين، وسط جمود في الجبهات الرئيسية، خاصة في الشرق والجنوب. وتواجه أوكرانيا تحديات متزايدة في ظل تباطؤ الدعم الغربي، في حين تعتمد روسيا على اقتصادها المعسكر وتحالفاتها الجديدة لمواصلة القتال.
على الصعيد الدبلوماسي، فشلت حتى الآن جميع المبادرات الدولية في التوصل إلى تسوية دائمة، رغم دعوات دولية متزايدة لوقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سلام شاملة.