وزارة الأسرة التونسية: 70% من إشعارات العنف ضد المرأة تتعلق بالعنف الزوجي

وزارة الأسرة التونسية: 70% من إشعارات العنف ضد المرأة تتعلق بالعنف الزوجي
وقفة للمرأة التونسية - أرشيف

تتواصل التحذيراتُ من تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات في تونس، حيث كشفت إحصائيات رسمية حديثة صادرة عن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن أن 70% من إشعارات العنف المسجلة ضد المرأة تتعلق بالعنف الزوجي، ما يعكس عمق الأزمة وتغلغلها في النسيج الأسري والمجتمعي رغم الترسانة القانونية المتوفرة.

وأكدت الناشطة والباحثة في علم الاجتماع إكرام عضاضي، في دراسة أنجزتها بإشراف جمعية “أدو” (ADO+)، الأحد، أن العنف اللفظي والجسدي والتحرش الجنسي ضد النساء والفتيات لم يعد مجرد سلوك فردي معزول، بل هو نتاج بيئة اجتماعية تغذيه وتبرره أحيانًا عبر خطاب إعلامي وديني وأُسَري سائد.

وقالت عضاضي: "ظاهرة التحرش والعنف ضد النساء معقدة ومتشعبة، ويصعب فصلها عن تراكمات ثقافية واجتماعية وأخطاء قانونية وتربوية، فالمجتمع يميل إلى تحميل الضحية جزءًا من المسؤولية، ما يخلق جدارًا من الصمت والخوف لدى المعنفات".

ورغم إصدار القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017، والذي يعتبر من أكثر القوانين تقدمًا في المنطقة العربية في مكافحة العنف ضد النساء، فإن تنفيذه على الأرض يواجه تحديات حقيقية، على غرار ضعف التكوين لدى الأجهزة المعنية، ونقص الموارد البشرية واللوجستية، الأمر الذي يصعّب على الضحايا الوصول إلى العدالة.

وأضافت عضاضي أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانتشار البطالة والتهميش، خاصة في المناطق الداخلية والريفية، تزيد من هشاشة النساء وتدفع البعض إلى القبول بالعنف كواقع اجتماعي مفروض، في ظل غياب شبكات دعم فعالة.

دور المجتمع المدني

من جانبها، أبرزت أحلام غرايفية، نائبة رئيس فرع الهلال الأحمر التونسي في منطقة دوار هيشر (ولاية منوبة)، أهمية دور المجتمع المدني في توعية النساء وتقديم الدعم لضحايا العنف. 

وأكدت أن الهلال الأحمر التونسي شارك في قوافل طبية توعوية ركّزت على الصحة الجنسية والإنجابية وأثر العنف على السلامة الجسدية والنفسية للنساء.

وفي السياق، قام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بإطلاق مجموعة من المبادرات الميدانية والمراكز المختصة، من بينها مركز للرعاية النفسية بولاية بن عروس يُعنى بضحايا العنف من النساء، ويوفّر دعمًا نفسيًا واجتماعيًا وتوجيهًا قانونيًا ضمن بيئة آمنة وخصوصية تامة.

ونظّم الديوان دورات تدريبية موجهة للأطباء والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، بهدف تعزيز قدراتهم على كشف وتقييم حالات العنف والتعامل معها بفعالية واحترافية.

تعاون وطني ودولي

أكّد الدكتور عبد الدائم خليفي، رئيس البرامج التقنية في الديوان الوطني للأسرة، أن تونس تبنّت مقاربة تشاركية متعددة الأبعاد لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، من خلال شبكة شراكات وطنية تضم الوزارات والمؤسسات المدنية، بالإضافة إلى تعاون دولي مثمر.

وأوضح أن الديوان يعمل بالشراكة مع منظمات دولية، منها، صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية (AECID).

وتمخّض هذا التعاون عن مشاريع مشتركة، ودورات تدريبية، ودراسات ميدانية وحملات توعوية ساعدت على تطوير الاستجابة للعنف وتعزيز الخدمات الصحية والاجتماعية.

وفي إطار دعم ذوي وذوات الاحتياجات الخاصة، أطلق الديوان مشروعًا لتسهيل وصول هذه الفئات إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، تم خلاله إصدار دليل بلغة برايل موجّه للفئات البصرية، بهدف تعزيز التوجيه والتثقيف.

الصحة الإنجابية والإعلام

يولي الديوان أهمية خاصة للوقاية والتثقيف كركيزة أساسية في النهوض بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، ويرى الدكتور خليفي أن تغيير العقليات لا يقل أهمية عن تقديم الخدمات الطبية، إذ يتطلب جهودًا إعلامية وتوعوية مستمرة لمواجهة الصور النمطية والأفكار السلبية.

وتمتد خدمات الديوان إلى تنظيم الأسرة، ومراقبة الحمل وما بعد الولادة، والتثقيف الجنسي للمراهقين، والتقصي المبكر عن السرطانات النسائية، والوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا والدعم النفسي والقانوني لضحايا العنف.

وتصل هذه الخدمات إلى المناطق النائية عبر الفرق الصحية المتنقلة التي تتكامل مع الهياكل الطبية المحلية، بما يضمن العدالة الصحية وتقليص الفوارق الجغرافية.

حملات توعوية ومقاربات

في مواجهة الصمت المجتمعي، يركّز الديوان على حملات التوعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، مستخدمًا الإعلام والاتصال لتفكيك الصور النمطية وتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل داخل الأسرة والمجتمع.

وتشمل هذه الحملات: توعية الأسر والمراهقين، وحلقات تثقيف مجتمعية، وتدريب الكوادر الصحية والاجتماعية، والتنسيق مع وزارات الداخلية والعدل لتكفل شامل بالضحايا.

وبين المسح الوطني حول العنف ضد المرأة أن أكثر حالات العنف تقع داخل الفضاء الزوجي، وهو ما يجعل التدخل الوقائي المبكر داخل الأسرة ضرورة قصوى للحفاظ على التماسك الاجتماعي.

دعم البحث والتوعية

أسهمت منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" في دفع النقاش العام حول الحقوق الجنسية والإنجابية، وذلك عبر دعم الباحثين الشباب وتنظيم حلقات دراسية حول العنف والتمييز، إلى جانب إطلاق حملات توعية بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، ركزت على أهمية إشراك الشباب في الوقاية من العنف وتغيير السلوكيات السائدة.

ورغم التقدم التشريعي الذي أحرزته تونس، فإن الأرقام والإحصائيات تكشف عن فجوة حقيقية بين القانون والممارسة، إذ لا تزال النساء والفتيات في كثير من المناطق محرومات من العدالة والحماية الفعلية، بسبب خلل ثقافي، وقصور إداري، ونقص في الموارد.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية