ولاء جاد الكريم لـ«جسور بوست»: مصر اتخذت خطوات جادة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان

رغم الجهود المبذولة لا تزال التحديات والإشكالات كبيرة

ولاء جاد الكريم لـ«جسور بوست»: مصر اتخذت خطوات جادة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان
الدكتور ولاء جاد الكريم، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر

في تقييم مباشر لوضعية حقوق الإنسان في مصر، كشف الدكتور ولاء جاد الكريم، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، عن أن ثورتَي 2011 و2013 كان لهما تأثير قوي لا يمكن قراءته بمعزل عن السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي خلفتهما، مشيرًا إلى أن القوى الثورية فشلت في تقديم بديل سياسي موثوق قادر على تحويل شعارات الثورة إلى برنامج عمل واقعي.

وقال جاد الكريم في حوار مع «جسور بوست»، إن الدولة بدأت خلال السنوات الخمس الأخيرة في اتخاذ خطوات جادة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، من خلال تبني استراتيجية وطنية وتنظيم حوار وطني، والتوسع في استخدام سلطات العفو الرئاسي، مؤكدًا أن التحديات المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية لا تزال كبيرة.

وفي حديثه عن الإقليم المحيط بمصر، أوضح أن البلاد تعيش وسط إقليم شبه مدمر، حيث الحروب الأهلية والانقسامات السياسية في السودان وليبيا، والجرائم المروعة التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين، فضلاً على تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، ما أدى إلى ارتفاع التضخم، وانخفاض القوة الشرائية، وزيادة أعباء الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية... وإلى الحوار.

ما تقييمك لوضعية حقوق الإنسان في مصر بعد ثورتين شعبيتين طالبتا بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟

ثورتا 2011 و2013 كان لهما تأثير قوي في حقوق الإنسان بمصر، وهذا التأثير لا يمكن قراءته بمعزل عن السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي خلفتها الثورتان. فنحن بعد 14 عاماً من ثورة يناير و12 عامًا من ثورة يونيو، يجب أن نعترف أن القوى الثورية التي صنعت الحراك الشعبي فشلت في تنظيم نفسها وتقديم بديل سياسي موثوق وقادر على ملء الفراغ الذي تركه نظام مبارك، ومن ثم تحويل شعارات الثورة إلى برنامج عمل وطني وواقعي قادر على مجابهة التحديات.

ومن زاوية أخرى دخلت الدولة في حرب وجود مع التنظيمات الإرهابية التي لم تقبل قرار الشعب في 30 يونيو، وكان لهذه الحرب تداعياتها على مناخ الحقوق والحريات.

ورغم أن الدولة في السنوات الخمس الأخيرة بدأت في اتخاذ خطوات معقولة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، من خلال تبني استراتيجية وطنية، وتنظيم حوار وطني، والتوسع في استخدام سلطات الرئيس المتعلقة بالعفو عن السجناء، وتبني مشروعات كبيرة لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن التحديات والإشكالات، خاصة المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، لا تزال كبيرة وواضحة، ولا يزال ضعف القوى المنوط بها حماية الحقوق والحريات والدفاع عنها والمطالبة بها يساعد على استمرار حالة الجمود.

وكيف أثرت الحروب بدول جوار مصر في إعمال حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية؟

مصر تعيش وسط إقليم شبه مدمر، ففي الجنوب والغرب لا زالت الحروب الأهلية والانقسام السياسي سيد الموقف في السودان وليبيا، وفي الشرق لا زالت إسرائيل ترتكب جرائم مروعة في حق الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم، فضلاً على الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإيرانية الإسرائيلية التي كان لها تداعياتها المريرة على التجارة العالمية وسلاسل الإمداد.

كل هذه الأوضاع أثرت بالسلب في الأوضاع الاقتصادية بمصر، ودفعت بالتضخم لمستويات كبيرة، وخفضت من القوة الشرائية للمواطنين، وضاعفت من تكاليف مبادرات الدولة لتوفير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، وأثقلت كاهلها بالديون.

البنك الدولي قال إن 66% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر.. ما دلالة هذه النسبة الكبيرة؟

قبل الحرب الروسية الأوكرانية كانت مصر تحقق معدلات جيدة في تخفيض نسب الفقر، إلا أن الظروف الإقليمية والدولية كان لها تأثيرات سلبية دفعت معدل الفقر للارتفاع مرة أخرى، لكن ليس بالنسبة المشار إليها، خاصة أنه لم تُعلن نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك حتى الآن، وهو الوثيقة الرسمية والموثوقة فيما يتعلق بمؤشرات الفقر، وما حدث هو أن البنك الدولي قام بتحديث خط الفقر العالمي الذي كان يعتبر مَن يعيشون بأقل من 2.15 دولار في اليوم فقراء، ليصبح من يعيشون بأقل من 3 دولارات في اليوم فقراء.

اتصالاً بالحديث عن الفقر المدقع.. كيف تابعتم مصرع 19 طفلة وفتاة كن عائدات من العمل الزراعي؟

هذا الحادث يكشف عن أن بيئة العمل في مصر تحتاج لمراجعة جذرية، خاصة بالنسبة للعمالة اليومية في القطاع الخاص؛ فهي عمالة بلا حقوق تقريبًا، وهناك استغلال واضح لحاجة الفتيات والشابات للمال، ومن ثم تشغيلهن في ظروف غير لائقة وبأجور متدنية، ومن دون اعتبار لإجراءات السلامة والصحة المهنية في بيئة العمل أو في وسائل الانتقال من مكان العمل وإليه، وهو أمر يتناقض تمامًا مع أحكام قوانين العمل في مصر، ومع الالتزامات الدولية المتعلقة بالعمل اللائق.

وما ضمانات حقوق العاملات الزراعيات في مصر؟

قانون العمل الجديد في مصر، الذي سيبدأ تطبيقه سبتمبر المقبل، يوفر ضمانات جيدة للعاملين والعاملات، ولكن العبرة بالتطبيق والرقابة من جانب، وبممارسات أصحاب الأعمال من جانب آخر. ولا أعتقد أنه يجوز التسامح في استمرار العاملات الزراعيات من دون غطاء تأميني وظروف عمل جيدة وأجور عادلة، وهو ما يستلزم جهودًا على المستوى الوطني متعلقة بالتوعية وتوفير الدعم القانوني، والتعامل الحاسم مع المخالفات والانتهاكات.

في تقديرك هل عبّر برلمان 2020 عن رغبات المصريين وقضاياهم الحقيقية؟

البرلمان لم يستخدم أدواته الرقابية بشكل فعال في مساءلة الحكومة، ولم يتحرك بشكل مؤثر في إصلاح التشريعات المنظمة للحقوق والحريات. وفي تقديري، كانت هناك فجوة كبيرة بين أولويات الناس ومشكلاتهم وأوجاعهم من ناحية، والأداء البرلماني من ناحية أخرى.

وهل الوقت مناسب لإقرار قانون الإيجار القديم وسط التحديات الاقتصادية التي طالت معظم المصريين؟

قضية الإيجار القديم قضية معقدة ومتشابكة للغاية، والطرفان المتأثران لديهما حقوق يجب الحفاظ عليها والموازنة بينها. وإحقاقًا للحق فإن تحرك البرلمان جاء مدفوعاً بحكم المحكمة الدستورية العليا، فضلًا عن أنه كان يتعامل مع قضية تلكأت كل البرلمانات السابقة في معالجتها. لكن لسوء الحظ أن التدخل جاء في وقت حساس للغاية، وكان من الأفضل التعامل مع المشكلة بصورة مرحلية، أي معالجة قضية ثبات وتدني الأجرة الشهرية أولاً، ثم تنظيم عملية إخلاء السكن في وقت لاحق وفي ظروف أفضل من الحالية.

ولماذا غابت استحقاقات دستورية مثل قانون العدالة الانتقالية عن الأجندة التشريعية لبرلمانَي 2015 و2020؟

ليس فقط العدالة الانتقالية، ولكن قوانين أخرى مرتبطة باستحقاقات دستورية، كالإدارة المحلية، ومفوضية مكافحة التمييز، وتنظيم تداول المعلومات، وحماية المبلغين والشهود.. وهذا يؤكد أن الرؤية التشريعية للبرلمان في مصر تحتاج لمراجعة وإعادة ضبط لأولوياتها.

وما شكل البرلمان الذي ينتظره المصريون في 2025؟

أتمنى أن يكون برلمان 2025 برلماناً يميل لاستخدام أدواته الرقابية بشكل أكبر، ويعطي أولوية للقوانين الداعمة للحقوق والحريات، ويسهم في استكمال البنية المؤسسية المتعلقة بممارسة الحقوق وحمايتها، وأن يكون برلماناُ يستمد أولوياته من أولويات الناس وأوجاعها، ويدعم الدولة بطريقة إيجابية من خلال التحرك لمواجهة السلبيات والقصور.

هل نجحت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تنتهي العام المقبل في تحقيق أهدافها؟

الاستراتيجية كانت خطوة مهمة ويمكن البناء عليها، والمسؤولون عن تنفيذها ومتابعتها بذلوا جهدًا مقدرًا خلال السنوات الأربعة الماضية، لكن الواقع يشير إلى أن الكثير من نتائجها لم تتحقق بعد، ولا أتصور أن الفترة المتبقية تسمح بتدارك هذا الأمر.

وأعتقد أن المنطق يقتضي تحديث الاستراتيجية لتمتد حتى 2030، مع الاهتمام بوضع مؤشرات محددة للقياس والمتابعة، ومسؤوليات واضحة على الوزارات والجهات المسؤولة عن كل مؤشر، ويمكن انتهاز فرصة توصيات الاستعراض الدوري الشامل التي قبلتها مصر لتكون مرشدًا وموجهًا للاستراتيجية المُحدّثة.

وما تقييمك لحرية الصحافة والعمل الإعلامي في مصر؟

هناك تشريعات غائبة قد يسهم وجودها في تحسين مناخ العمل الإعلامي في مصر، أبرزها قانون تنظيم تداول المعلومات، فضلاً عن مراجعة قانون تنظيم الصحافة وتبني ميثاق شرف إعلامي محدث. لكن في نفس الوقت نحتاج لمعالجة جذرية وشفافة للشكاوى المتعلقة بحجب بعض الصحف والمواقع، وشكاوى بعض المنصات من عدم قدرتها على الحصول على التراخيص المطلوبة.

ولا يمكن أن نغفل التحديات المتعلقة بالمؤسسات الإعلامية ذاتها، والعلاقات المرتبكة بين الإدارة والملاك من جانب، والصحفيين -سواء النقابيون أو غيرهم من جانب آخر.

وما الدور الذي قام به المجلس القومي لحقوق الإنسان للإفراج عن 23 صحفياً قيد الحبس؟

المجلس يتبنى قضايا كل المحبوسين على خلفية قضايا مرتبطة بممارسة الحقوق السياسية أو ممارسة الحق في التعبير. لذا فإننا نطالب بشكل متكرر بإجرائين متكاملين:

الأول هو مراجعة القوانين التي أدت لحبس هؤلاء، والعمل على تعديلها، خاصة بعد انتفاء الظرف الموضوعي الذي وُضعت وطُبقت فيه، وهو ظرف مواجهة الإرهاب.

والثاني هو استخدام سلطة الرئيس الدستورية في العفو عن كل من حُبس نتيجة مخالفته تلك القوانين، ولم يتورط في أعمال قتل أو عنف أو التحريض عليها.

وماذا عن قضية الناشط علاء عبد الفتاح في ظل استمرار إضراب والدته عن الطعام؟

المجلس القومي لحقوق الإنسان بادر منذ فترة طويلة بدعم مطلب علاء عبد الفتاح وأسرته في نقله إلى مركز تأهيل وادي النطرون، وأُدرج اسم علاء في القوائم التي اقترحنا شمولها بالعفو الرئاسي، وبالقطع نحن نتمنى السلامة للدكتورة ليلى سويف، ونتمنى أن يتم معالجة هذه القضية بحكمة وبصورة لا تسبب أذى لأي طرف، وفي حدود الدستور والقانون.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية