الأمم المتحدة تشيد بالسجل الحقوقي للدول الأوروبية بعد انتقادات واشنطن
الأمم المتحدة تشيد بالسجل الحقوقي للدول الأوروبية بعد انتقادات واشنطن
دافع المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، اليوم الأربعاء، عن التجربة الأوروبية في مجال حقوق الإنسان، مؤكداً أن القارة العجوز حققت عبر تاريخها الطويل نجاحات هائلة تستوجب التذكير والاعتراف، وذلك رداً على الانتقادات التي وجهتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إطار وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" التي نشرتها واشنطن مؤخراً.
واعتبرت واشنطن في استراتيجيتها الجديدة أن أوروبا تواجه مساراً متدهوراً يهدد حضارتها، متهمة سياساتها الخاصة بالهجرة وحرية التعبير بأنها "تقوّض الحرية السياسية" وتخلق توتراً اجتماعياً، إضافة إلى اتهامات بوجود "رقابة على حرية التعبير" و"قمع للمعارضة السياسية"، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وأثار هذا الخطاب ردود فعل غاضبة داخل أوروبا، في حين حاولت الأمم المتحدة خفض حدة المواجهة بالتذكير بأن القارة الأوروبية كانت سبّاقة في بناء منظومة حماية حقوق الإنسان، وأن تقييم دورها لا يجب أن يُختزل في لحظة توتر سياسي.
إرث قانوني صلب
أوضح تورك، في مؤتمر صحفي بجنيف، أن أوروبا استفادت "على مدى تاريخها" من تكريس حماية حقوق الإنسان عبر مؤسساتها، مؤكداً أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والشرعة الأوروبية لحقوق الإنسان شكّلتا أساساً قوياً لواحدة من أكثر المنظومات الحقوقية صلابة في العالم.
وأشار إلى أن هذه الأدوات القانونية مكنت الأوروبيين من معالجة الخلافات التي ظهرت بين ضفتي الأطلسي في قضايا حرية التعبير والهجرة واللجوء، مؤكداً أن المسار الأوروبي، رغم مشكلاته، قدّم نموذجاً دولياً مهماً.
وشهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا توتراً متصاعداً منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، إذ عارضت العواصم الأوروبية مجمل السياسات الأمريكية القائمة على التقارب مع روسيا، ودعم الأحزاب اليمينية المتطرفة، والانسحاب من بعض الاتفاقيات الدولية.
وأوحى الخطاب الأخير لواشنطن بأن أوروبا باتت عاجزة عن حماية قيمها الديمقراطية، الأمر الذي رآه الأوروبيون تشويهاً سياسياً متعمداً يخلط بين التحديات الداخلية وبين السجل الحقوقي طويل الأمد للقارة.
رفض اتهامات واشنطن
اعتبر المستشار الألماني فريدريش ميرتس، أن أقساماً واسعة من الاستراتيجية الأمريكية "غير مقبولة"، مؤكداً أن أوروبا ليست بحاجة لمحاضرات في الديمقراطية من أي جهة، وأن الانتقادات الأمريكية تُستخدم غالباً كورقة سياسية داخلية.
ورأت دول أوروبية أخرى أن واشنطن تتجاهل التزام الاتحاد الأوروبي المستمر بملفات حقوق الإنسان، من مكافحة العنصرية إلى حماية اللاجئين، رغم صعود اليمين المتطرف وتزايد الأزمات الاقتصادية.
دعا تورك جميع من يقيّمون الاستراتيجية الأمريكية إلى قراءة منصفة تأخذ في الاعتبار المسار "المذهل" الذي قطعته أوروبا خلال العقدين الأخيرين في بناء قارة تقوم على السلام والكرامة الإنسانية، مذكّراً بأن الإنجازات لا تعني اختفاء المشكلات، لكنها تستحق الإشادة بوصفها خطوة متقدمة على المستوى العالمي.
وأكد أن الأمم المتحدة لا تنحاز لطرف سياسي، لكنها تذكّر الدول دوماً بأن حقوق الإنسان ليست أداة للمكايدة بل التزاماً دولياً يجب احترامه.
خلافات بين أمريكا وأوروبا
يعكس هذا السجال بين واشنطن وأوروبا عمق الانقسام السياسي بين الجانبين، لكنه يكشف أيضاً تمسك الأمم المتحدة بالدفاع عن التجارب الحقوقية التي تستند إلى مؤسسات مستقرة وأطر قانونية صلبة.
ومع تزايد التحديات العالمية -من الهجرة إلى الحريات الرقمية- تبقى القارة العجوز أمام اختبار جديد يتمثل في حماية إرثها الحقوقي وسط عالم يميل أكثر إلى الاستقطاب والصراع.











