التهجير القسري في غزة.. مشروع إبادة خلف ستار "المنطقة الإنسانية"

التهجير القسري في غزة.. مشروع إبادة خلف ستار "المنطقة الإنسانية"
النزوح القسري في غزة

تعيش غزة فصلاً جديداً من فصول النكبة المستمرة، مع كشف إسرائيل عن خطة لإجبار سكان القطاع على الانتقال إلى ما تُسمى "منطقة إنسانية" تُقام فوق أنقاض مدينة رفح المدمّرة.

وتمثّل الخطة التي أعلن عنها وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، خطوة نوعية في مسار التهجير القسري والإبادة الجماعية، وتهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه الأصليين وفرض واقع ديموغرافي جديد يخدم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.

سياسات التطهير العرقي

في بيان شديد اللهجة، وصف المرصد، الأربعاء، هذه الخطة بأنها "إعادة إنتاج لسياسات التطهير العرقي التي بدأت منذ نكبة عام 1948"، مشيرًا إلى أن ما يُروَّج له كمنطقة إنسانية، ما هو إلا غلاف لغرض استراتيجي يتمثّل في تحويل السكان إلى لاجئين دائمين، محاصرين داخل معسكرات احتجاز جماعية تفتقر إلى أدنى شروط الحياة والكرامة.

وأضاف المرصد أن هذه الخطوة تمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، خصوصًا في ظل الحظر المطلق على النقل القسري والاحتجاز الجماعي في اتفاقية جنيف الرابعة.

وبحسب تفاصيل الخطة الإسرائيلية، فإن السكان سيُنقلون قسرًا إلى منطقة خاضعة لإجراءات أمنية مشددة، يُمنع الخروج منها، وتُدار بالكامل من قبل السلطات الإسرائيلية.

ويرى المرصد أن هذه الممارسات تنطوي على جريمة ضد الإنسانية، لا سيما مع إشارات "كاتس" إلى ما سماه "الهجرة الطوعية"، والتي وصفها المرصد بأنها خدعة تهدف إلى تسويق مشروع تطهير عرقي طويل الأمد.

مصائد موت جماعية

المرصد حذّر كذلك من أن خطة إنشاء "المنطقة الإنسانية" تترافق مع سياسات قتل وتجويع ممنهجة، واستهداف للبنية التحتية ومراكز الإيواء، ما يجعل نقل السكان إلى هذه المناطق بمنزلة مصائد موت جماعية، وقد وثّق استشهاد 758 فلسطينيًا وجرح أكثر من 5,000 آخرين في محيط نقاط توزيع المساعدات في هذه "المناطق الإنسانية"، ما يفضح الطابع القسري والقاتل لهذا المخطط.

وفي الوقت الذي يحاول فيه الجيش الإسرائيلي إنكار نيته تهجير السكان، يرى المرصد الأورومتوسطي أن تصريحات وزير الدفاع تعكس السياسة الحقيقية، وأن ما يجري على الأرض هو تنفيذ ممنهج لخطة تهجير جماعي، تحت غطاء إنساني كاذب، وأشار إلى أن التناقض الصارخ بين تصريحات كاتس ورئيس الأركان الإسرائيلي يكشف محاولة تضليل متعمدة للمجتمع الدولي، عبر استخدام لغة مزدوجة تتناقض مع الحقائق الميدانية في قطاع غزة.

ودعا المرصد إلى فتح تحقيقات دولية عاجلة في الدور الذي تؤديه جهات مثل "مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تشارك في تنفيذ مخطط التهجير عبر إنشاء ما يسمى "مناطق عبور"، والتي قد تُستخدم مستقبلاً لترحيل السكان خارج القطاع، وأكد أن استخدام مصطلحات مثل "الاندماج" و"التأهيل" و"النقل الطوعي" لا يعدو كونه تلاعبًا سياسيًا بالمصطلحات لتبرير جريمة تطهير عرقي.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أن ما يتعرض له سكان غزة لا يمكن وصفه بعمليات إخلاء أو حماية، بل هو مخطط ممنهج لمحو شعب بأكمله، داعيًا المجتمع الدولي إلى التوقف عن الصمت والتواطؤ، والتحرك فورًا لحماية أكثر من مليونَي فلسطيني يواجهون خطر الفناء، تحت غطاء "إنساني" زائف يخفي واحدة من أفظع الجرائم في العصر الحديث.

رؤية القانون الدولي

من منظور القانون الدولي، تُصنّف الخطة الإسرائيلية المقترحة لنقل سكان قطاع غزة إلى "منطقة إنسانية" مغلقة ضمن الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، لا سيما المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر النقل القسري أو الجماعي للسكان المدنيين المحميين من الأراضي المحتلة تحت أي ذريعة، بما في ذلك الضرورات العسكرية.

ويرى خبراء في القانون الدولي الإنساني أن فرض ظروف معيشية قاتلة، ونقل السكان إلى مناطق محاصرة تفتقر إلى مقومات الحياة، وحرمانهم من حرية التنقل، يرقى إلى جريمة الإبادة الجماعية وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وتحديدًا البند الذي يشير إلى "فرض ظروف معيشية على جماعة بقصد تدميرها كليًا أو جزئيًا".

وتُعد هذه السياسات شكلًا من أشكال الاضطهاد والفصل العنصري، وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يجرّم كل من "التهجير القسري"، و"الاحتجاز غير القانوني"، و"التمييز المنهجي ضد جماعة قومية أو عرقية محددة".

في ضوء ذلك، فإن صمت المجتمع الدولي، وعدم اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الممارسات، قد يُعدّ شكلًا من أشكال التمكين غير المباشر للجريمة، ما يفرض على الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، والهيئات الأممية، مسؤولية قانونية وأخلاقية عاجلة للتحرّك.

العدوان الإسرائيلي على غزة

منذ السابع من أكتوبر 2023، يشنّ الجيش الإسرائيلي حربًا غير مسبوقة على قطاع غزة، أسفرت حتى مطلع يوليو 2025 عن استشهاد أكثر من 57 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة عشرات الآلاف، وسط دمار واسع للبنية التحتية، واستهداف مباشر للمنازل والمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء.

ويأتي العدوان الأخير امتدادًا لسنوات من الحصار الخانق المفروض على القطاع منذ عام 2007، والذي حوّل غزة إلى ما يشبه أكبر سجن مفتوح في العالم، مع معدلات فقر وبطالة مرتفعة، وانهيار شبه كامل في المنظومة الصحية والخدماتية.

ما يميّز هذه المرحلة من الحرب هو الانتقال إلى سياسة التهجير الجماعي، حيث أصدرت إسرائيل منذ بداية العدوان مئات أوامر الإخلاء القسري، شملت معظم مناطق قطاع غزة، ما أدّى إلى نقل أكثر من 80% من السكان قسرًا من منازلهم، في واحدة من كبريات موجات النزوح الداخلي في العصر الحديث.

إلى جانب الهجمات العسكرية، تعتمد إسرائيل تكتيكات التجويع، ومنع دخول المساعدات، وقطع الكهرباء والماء، ما أدى إلى أوضاع إنسانية كارثية باتت توصف من قبل منظمات دولية كالأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بأنها "غير صالحة لحياة البشر".

وفي هذا السياق، تتصاعد التحذيرات من مخططات منهجية للتهجير القسري تهدف إلى إفراغ القطاع من سكانه الأصليين، تمهيدًا لتغيير ديموغرافي دائم، وهو ما يشكّل، وفق خبراء القانون الدولي، جريمة تطهير عرقي وإبادة جماعية، يجب على المجتمع الدولي الوقوف أمامها بحزم قبل فوات الأوان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية