فيتو على "الفيتو"
فيتو على "الفيتو"
مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تصاعدت الآمال في وضع حدٍّ للمأساة الإنسانية في قطاع غزة، ووقف آلة القتل الإسرائيلية التي خلّفت آلاف القتلى والجرحى، وحوّلت القطاع إلى "مدينة ميتة" محطّمة، غير قابلة للحياة، ولا سيما أن ترامب نفسه كان قد تعهّد، خلال حملته الانتخابية، بالعمل على إنهاء تلك المأساة فور توليه الرئاسة، إلى جانب سعيه لوقف عدد من النزاعات والحروب في العالم.
لم ينكر الرئيس الأمريكي، ولا أي مسؤول في إدارته الجديدة، حقيقة الوضع الكارثي في غزة، بل إن ترامب نفسه أقرّ مؤخرًا بأن سكان القطاع "مرّوا بالجحيم"، وقد نجحت الإدارة الأمريكية حينها في التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار "المؤقت"، لكن إسرائيل سرعان ما انقلبت عليه، ورفضت استكمال مراحله التالية، رغم الإفراج عن عدد من الرهائن، والسماح بدخول مساعدات إنسانية كانت دون المستوى المطلوب، وخلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شدد ترامب على كون إنهاء الحرب على غزة "أولوية قصوى" بالنسبة له.
لكن كل تلك التصريحات والمساعي تتناقض تمامًا مع ما ظهر خلال الأشهر الماضية في جلسات مجلس الأمن الدولي، حيث استخدمت الولايات المتحدة -مرارًا- حق النقض (الفيتو) ضد مشاريع قرارات تهدف إلى وقف الحرب على غزة، كان آخرها الشهر الماضي حينما عرقلت مشروع قرار يطالب بوقفٍ فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، رغم تصويت 14 عضوًا لصالحه، وهو مشروع قدّمته الدول العشر غير دائمة العضوية في المجلس، حيث برّرت دوروثي شيا، المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، استخدام الفيتو بموقف بلادها الرافض لأي تحرك لا يدين حركة حماس، لكن الحقيقة تجلّت في تصريحها لاحقًا، عندما قالت بوضوح إن أي قرار "يقوّض أمن حليفتنا الوثيقة، إسرائيل، هو قرار مرفوض تمامًا".
لم يكن متوقعًا على الإطلاق أن تسمح الولايات المتحدة بتمرير قرار من أعلى مؤسسة أممية يدين إسرائيل، ولو حدث لكان سابقة تاريخية فريدة من نوعها، الأمر الذي يجدد ما طالبت به دول عربية عدة؛ منها الإمارات ومصر، بضرورة إصلاح المجلس، ليؤدي دوره بشكل فعّال، بعدما أصبح الفيتو أداة لتعطيل قراراته كلما كانت الأزمة تمسّ طرفًا من الأطراف الخمسة، أو أحد حلفائهم، كما هي الحال بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
لا توجد دولة في العالم -باستثناء الأعضاء الخمسة الدائمين، وإسرائيل التي باتت تمتلك "مقعدًا أمريكيًا" داخل المجلس- تقتنع بعدم ضرورة اتخاذ خطوات جادّة لإصلاح مجلس الأمن الدولي، حتى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نفسه يكرّر دومًا الدعوة إلى إصلاح شامل وفعّال للمجلس، ناهيك عن غياب مقعد دائم للقارة الإفريقية، وبقاء آسيا -القارة الكبرى- بمقعد دائم وحيد تشغله الصين!
تغير العالم كثيرًا منذ عام 1945، حين أُقر شكل مجلس الأمن الحالي، وبات من الضروري اليوم الشروع في تحركات جدّية تؤدي إلى تغييرات جذرية تُعزّز دور المجلس، وتُعيد له الهدف الرئيس الذي أُنشئ من أجله؛ وهو وضع حدٍّ للنزاعات والحروب في العالم.
الحالة التي يعيشها مجلس الأمن تتلخص في موقف حدث خلال اللقاء الأخير بين ترامب ونتنياهو الذي سلّمه خلال اللقاء خطاب ترشيح لجائزة نوبل للسلام!