المحكمة الأوروبية ترفض إنقاذ لوبان من الحظر الانتخابي.. حماية للديمقراطية أم تقييد؟
المحكمة الأوروبية ترفض إنقاذ لوبان من الحظر الانتخابي.. حماية للديمقراطية أم تقييد؟
رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في التاسع من يوليو 2025، طلب المحامية والسياسية الفرنسية مارين لوبان العاجل بوقف تنفيذ حكم حظر الترشح الصادر بحقها، وأفادت المحكمة، ومقرها ستراسبورغ، بأن لوبان لم تقدّم ما يثبت وجود "خطر حقيقي ولا يمكن إصلاحه" بحق حقوقها أو حق الناخبين الفرنسيين المضمنة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وفقا لتقرير نشرته صحيفة بوليتيكو، الخميس.
وأدانت محكمة فرنسية لوبان في مارس 2025، باختلاس أكثر من 4 ملايين يورو من ميزانية البرلمان الأوروبي، لصالح حملة حزبها "التجمع الوطني"، وصدر بحقها قرار قضائي يقضي بالسجن أربع سنوات (اثنتان مع وقف التنفيذ)، إضافة إلى غرامة مالية وقيد بالحظر عن الترشح أو شغل أي منصب عام لمدة خمس سنوات، ما يمنعها من المشاركة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة عام 2027.
وبحسب ما أوردته رويترز، تم استئناف الحكم أمام محكمة التمييز، وما زالت لوبان تحاول تغيير مسار قضيتها حتى الصيف المقبل لضمان إمكانية الممارسة السياسية، ولم تقتصر المواجهة القانونية على فرنسا، بل اتسعت إلى المحاكم الأوروبية.
سعي مؤقت للخروج من الحظر
في 8 يوليو 2025، طلبت لوبان من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التدخل الفوري وإيقاف تنفيذ قرار منعها من الترشح، مستندة إلى حقها وحق الجمهور الفرنسي في المنافسة الانتخابية بموجب الانتخابات الحرة والنزيهة.
لكن المحكمة، وفق بيانها الرسمي الذي نشرته وكالات الأنباء، رفضت الطلب، وبرّرت ذلك بأن لوبان لم تثبت "وجود خطر وشيك وغير قابل للإصلاح" بحقوقها السياسية أو حقوق الناخبين، وهو ما يمثل معيارًا صارمًا لقبول التدابير المستعجلة.
يعكس قرار المحكمة الأوروبية موقفًا موازنًا بين احترام الإجراءات القضائية الوطنية والحفاظ على الحقوق السياسية، فلوبان كانت قد طلبت تعليق الحظر قبل انتهاء المحاكمة بشكل نهائي، أمر يُعدّ خارج الأصول القانونية المعتمدة لدى المحكمة، التي لا تلجأ عادة إلى التدخل الاستعجالي إلا في الحالات القصوى.
رفضت المحكمة الطلب بالإجماع، مؤكدة أن فرض حصانة مؤقتة يستوجب وجود خطر فوري على الحقوق المضمونة، لكن المحكمة أيضًا أكدت أنها ستنظر في الطلب لاحقًا من حيث جوهر القضية، دون الإعلان عن موقف مسبق.
أصداء التحقيقات في فرنسا
في اليوم ذاته الذي صدر فيه القرار، شهد مقر حزب "التجمع الوطني" في باريس عمليات تفتيش من قبل الشرطة المالية، بحسب تقرير رويترز، جاءت هذه التحركات ضمن تحقيقات متعلقة بتمويل الحملات السياسية، وصفها رئيس الحزب، جوردان بارديلّا، بأنها "حملة مضايقة جديدة"، متهمًا القضاء بـ"استهداف شعبوي".
تثبت هذه التطورات أن حزب لوبان يواجه تحقيقات قانونية متعددة الجبهات، وهو ما تؤكده عمليات الاعتقال والتحقيقات المستمرة.
وليس من المألوف أن تُمنع شخصيات سياسية من الترشّح قبل صدور حكم نهائي، ففي قضية ساشا باكا بحقّ المجر، رفضت المحكمة الأوروبية تدخل الحكومة لتفادي فصل رئيس القضاء، مصرة على استقلالية القضاء رغم الضغط السياسي.
و القاسم المشترك في هذه الحالات هو أن المحكمة تعتبر القواعد الوطنية صالحة طالما تحدّ من الحقوق بشكل متناسب ولا تطعن في الأسس الديمقراطية.
تباين المواقف العامة
انقسمت ردود الفعل في فرنسا، حيث وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية القرار بأنه "دفعة قوية لنزاهة القانون الفرنسي"، بينما أبرزت صحيفة"الغارديان"البريطانية الخلاف السياسي حول ما إذا كان منع لوبان إساءة للديمقراطية أو ضمانًا لاستقلال القضاء.
أما في الولايات المتحدة، فقد ربط أنصار لوبان قضيتها بشخصية الرئيس دونالد ترامب، معتبرين أنها مثال على "الحرب السياسية" أو ما يُسمى "Lawfare"، وهو شبه تهمة نفاها الخبير الفرنسي ماتيو كاربانتييه بقوله: "القضاء الفرنسي يعمل ضمن إطار دستوري ومحاكمة عادلة، وليست مطاردة انتخابية ".
ويبدو أن الحظر القضائي على لوبان، وإن كان يستند إلى قوانين مكافحة الفساد التي صدرت عام 2016، فإنه أثار الانقسام في الشارع، 60% من الفرنسيين رأوا أن قرار محكمة باريس كان مسألة عدالة، مقابل 42% اعتبروه تهديدًا للديمقراطية، بحسب استطلاع أُجري لصالح القناة التلفزيونية BFM.
وقد علق نائب من حزب الرئيس ماكرون بأن "إقصاء المرشحين بسبب جرائم مالية لن يكون أداة انتخابية"، بينما حليف الديمقراطية ألغى مصطلح "القضاء الشعبي" واقترح تعديل القانون إن كانت تدابير مكافحة الفساد تُستخدم كوسيلة ضغط سياسي.
ورغم رفض الطلب العاجل، ستواصل المحكمة الأوروبية دراسة القضية الجوهرية لاحقًا، وسيكون لها رأي مؤثر قد يحدد إن كان منع لوبان مؤقتًا يعادل انتهاكًا للقانون أو يعزز نزاهة الانتخابات، ويبقى البرلمان الفرنسي، والقضاء الفرنسي، والرأي العام الأوروبي كله يراقبون هذه المحاكمة كاختبار لمعنى الديمقراطية 2025.