بعد معاقبة "ألبانيز".. هل تسعى الولايات المتحدة لإسكات الأصوات الحقوقية الدولية؟

بعد معاقبة "ألبانيز".. هل تسعى الولايات المتحدة لإسكات الأصوات الحقوقية الدولية؟
المقررة الأممية، فرانشيسكا ألبانيز

فجّرت الولايات المتحدة موجة واسعة من الجدل السياسي والحقوقي، بإعلانها فرض عقوبات غير مسبوقة على فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في خطوة وصفتها أوساط أممية بأنها "انتهاك سافر لحياد واستقلالية الآليات الدولية".

وجاءت هذه العقوبات في توقيت بالغ الحساسية، وسط تصاعد المطالبات بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بعد حرب دموية خلّفت عشرات آلاف الضحايا من المدنيين. 

وبينما برّرت واشنطن قرارها باتهامات تتعلق بـ"التحريض السياسي ودعم الإرهاب"، رأى مراقبون أن العقوبات تعكس محاولة مباشرة لإسكات الأصوات الحقوقية الدولية التي تكشف عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، سواء من قبل إسرائيل أو داعميها.

وفرضت الولايات المتحدة في 9 يوليو الجاري عقوبات، بينها عقوبات مالية وتجميد أصول على فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لمتابعة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، بموجب القرار التنفيذي 14203 الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك قبل زيارة نتنياهو لواشنطن. 

وشملت الإجراءات منع المقررة الأممية من دخول الأراضي الأمريكية وتقييد الأرشيف المالي ضمن صلاحيات وزارة الخزانة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الخميس.

دوافع واشنطن

أرجع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو العقوبات إلى جهود وصفها بأنها "غير مشروعة ومخزية" من قِبل ألبانيز، التي دعت المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات توقيف ضد مسؤولين وشركات أمريكية وإسرائيلية بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في قطاع غزة. 

واتهمت الخارجية الأمريكية المسؤولة الأممية بـ"معاداة السامية"، ووصمتها بأنها تمارس "حربًا سياسية واقتصادية" تعرقل مصالح واشنطن وسيادتها.

وحظيت ألبانيز باختلاف واسع بسبب تقريرها الأخير الذي كشف عن تورط أكثر من 60 شركة غربية في دعم الاحتلال الإسرائيلي، ودعت لفرض حظر على تصدير الأسلحة، وفرض عقوبات على إسرائيل، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز". 

وجاءت جهود ألبانيز أيضًا في إطار دعمها للتحقيقات القضائية ضد قادة إسرائيليين وأمريكيين أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومنها النيابة على نتنياهو.

منظمات حقوقية تنتفض

أعربت منظمات بارزة مثل مراسلون بلا حدود وهيومن رايتس ووتش عن استنكارها للعقوبات، ووصفتها بأنها محاولة لتقويض حرية التعبير وشرعنة إفلات المسؤولين من المساءلة القانونية.

وتحدثت منظمة العفو الدولية "أمنستي" عبر أمينتها العامة أغنيس كالامار عن "هجوم علي مبادئ العدالة الدولية"، وطالبت المجتمع الدولي بـ"حماية استقلالية المقررين الخاصين".

وأشار مفوض حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة فولكر تورك إلى أن العقوبات تشكّل "انتهاكًا للأعراف الدولية"، ودعا إلى "إلغاء فوري وغير مشروط لها"، وانتقد السفراء الأوروبيون القرار معتبرينه "تهديدًا لاستقلالية وآلية عمل المؤسسات القضائية الدولية".

صدى سياسي واقتصادي

جاءت العقوبات في فترة حساسة تتصاعد فيها التوترات بشأن هدنة محتملة بين إسرائيل وحماس، وتزامنها مع زيارات دبلوماسية مكثفة لإسرائيل في واشنطن. 

ووصفت صحف يمينية القرار بأنه "استعادة للسيادة الأمريكية"، لكنّ منتقدين رأوا أنه يكرر نهج ترامب الذي يستهدف المنظمات الدولية.

وتأتي العقوبات ضمن حملة أوسع لمنع تحميل الولايات المتحدة أو إسرائيل مسؤوليات أمام المحكمة الجنائية الدولية، بدءًا من العقوبات على قضاتها وجاءتها الأخيرة ضد المقرّرة.

ويعكس القرار رغبة الحكومة الأمريكية في استخدام أدوات ضغط لمنع التحديات الدولية، وتأكيد على أنها "لن تتسامح مع هجوم على مصالحها".

وتُعد ألبانيز أحد الأصوات القليلة التي تحمل لقب رسمي أممي وتطالب بمحاكمة جنائية ضد إسرائيل، ما دفع واشنطن لإسقاط العقاب كوسيلة لردع الآخرين.

دعم أممي لـ"ألبانيز"

أبدت ممثلية الأمم المتحدة والعديد من الدول والأطراف دعمها للمقرّرة الخاصة، وأعلنت استعدادها لتقديم الحماية ضد "الإرهاب السياسي" .

وقد تؤدي هذه الخطوة إلى تصدع العلاقة الأمريكية - الأممية، ودفع الدول الصغرى إلى إعادة تقييم دعمها منظومة الحقوق الدولية.

وإذا تمسك البيت الأبيض بسياساته، فإن العقوبات قد تتحوّل إلى "سابق خطِر" يعطّل عمل خبراء مستقلين ويعوق مهمتهم في مراقبة الانتهاكات في مناطق الصراع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية