تقارير: سياسات ترامب تجاه المهاجرين تقود أمريكا إلى ركود اقتصادي
تقارير: سياسات ترامب تجاه المهاجرين تقود أمريكا إلى ركود اقتصادي
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وسط وعود اقتصادية كبيرة، أبرزها تحقيق نمو بنسبة 3%، وزيادة الأجور، وخفض العجز الفيدرالي، لكن تقارير وتحليلات اقتصادية حديثة، صادرة من أبرز الصحف الأمريكية والبريطانية، تُجمع على أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب توسيع قاعدة الهجرة القانونية، وليس تقييدها كما تروج خطاباته الشعبوية.
ففي مقال رأي نُشر في "واشنطن بوست" أخيرًا، كتب كل من ستيفن مور، مستشار ترامب، وريتشارد فيدر، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوهايو، أن "الاقتصاد الأمريكي لم يعد قادرًا على النمو دون مساهمة المهاجرين"، موضحَين أن القوى العاملة بدأت فعلًا بالانكماش بسبب التقاعد الجماعي وتراجع معدلات الخصوبة.
ويتقاعد يوميًا أكثر من 10 آلاف شخص من جيل "طفرة المواليد"، وفق بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، وبينما كانت الهجرة تُعوّض هذا النزيف سابقًا، فإن السياسات المتشددة التي تبنّاها ترامب في ولايته الأولى، والتي بدأ في تعزيزها خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية، تهدد بتسريع الأزمة.
وبحسب تحليل أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" فإن نسبة النمو في القوى العاملة الأمريكية باتت "تعتمد بنسبة شبه كاملة على المهاجرين"، مشيرة إلى أن توقف الهجرة القانونية سيؤدي إلى تقلص عدد العاملين خلال العقدين المقبلين.
من جانبه، نشر معهد بروكينغز في تقرير له تحذيرًا من أن "الاقتصاد الأمريكي بات يواجه مأزقًا وجوديًا: فإما التوسع في الهجرة القانونية، أو مواجهة تباطؤ طويل الأمد في الإنتاجية والنمو".
الاعتماد على المهاجرين
وفقًا لدراسة أجراها منظمة "أطلق العنان للرخاء"، وهي منظمة أمريكية محافظة، استخدم فيها بيانات التعداد السكاني حتى عام 2023، فإن قرابة نصف العمال الجدد في العقد الماضي كانوا مهاجرين، معظمهم دخلوا البلاد بشكل قانوني، والأهم أن الغالبية الساحقة من هؤلاء المهاجرين في سن العمل الفعلي (18–64 عامًا)، أي إنهم يدخلون السوق مباشرة دون فترات إعالة طويلة.
وتعد المفارقة هي أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل متزايد على المهاجرين ليس فقط كقوة عمل، بل كعوامل دافعة للابتكار والتفوق الاقتصادي، حيث ذكر مور وفيدر في "واشنطن بوست" أن ما يقرب من 50% من شركات فورتشن 500، الرائدة في السوق الأمريكية، أسسها مهاجرون أو أبناء مهاجرين، من بينهم شركات ضخمة مثل تسلا (إيلون ماسك من جنوب إفريقيا)، وإنفيديا (جينسن هوانغ من تايوان)، وألفابت/غوغل (سوندار بيتشاي من الهند).
وأكدت صحيفة "بوليتِيكو" الأمريكية في 8 يوليو 2025 أن العديد من القطاعات -مثل الزراعة، وتعليب اللحوم، والتجزئة- بدأت تشعر بتأثير نقص العمالة الأجنبية نتيجة تشديد تأشيرات العمل ووقف تصاريح إقامة مؤقتة.
واستدل التقرير على أن التمهيد بسياسات مشددة لم يكن مصاحبًا بأي تحوّل هيكلي في الموقف الحكومي، رغم ظهور حالات تشريد لمهاجرين قانونيين فجأة.
من جانبه، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، عبر تقرير نقلته "دالاس نيوز" في 27 يونيو 2025، إلى أن تشديد الهجرة قد يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالتوقعات.
وفي تحليل نشرته حينها مجلة "إكسبرس نيوز" عن نتائج البنك، تحذير من أن سيناريوهات الترحيل الجماعي يمكن أن تخفض النمو إلى 0.8 نقطة خلال عام 2025، وحتى 1.5 نقطة بحلول 2027.
هروب العقول يهدد الابتكار
نقل "بزنس إنسايدر" في 10 يوليو 2025 عن مسؤولين في القطاع المالي والتكنولوجي قلقهم من أن القيود على تأشيرات الكفاءات تضعف القدرة التنافسية: "وول ستريت بدأت تشعر بالقلق من أثر سياسات الهجرة... وسياسات الركود تدفع الكفاءات إلى وجهات أكثر ترحيبًا".
وأضافت "وول ستريت جورنال" في تقرير بعنوان "نزيف العقول الأمريكي قد يتحوّل إلى مكاسب للعالم أن: "ثلاثة أرباع العلماء في الولايات المتحدة يناقشون مغادرة البلاد نتيجة السياسات الحالية".
وفي مذكرة أصدرها جولدمان ساكس ونشرها موقع "إنفستنغ" في 11 فبراير 2025، أشارت إلى أن التراجع الحاد في الهجرة القانونية سيقلل معدل النمو المحتمل للناتج الإجمالي بـ0.3–0.4 نقطة، ويمكن أن يعيد التحيز التضخّمي إلى السوق.
المنظمات الحقوقية تحذّر
من منظور حقوق الإنسان، تُعد سياسات تقييد الهجرة، خصوصًا عندما تشمل فصل العائلات والاحتجاز لفترات طويلة، انتهاكًا صارخًا للكرامة الإنسانية.
قالت هيومن رايتس ووتش: "لا يمكن تحقيق العدالة الاقتصادية دون عدالة في سياسات الهجرة، منع الهجرة القانونية بذريعة الأمن أو الحماية الوظيفية، يؤدي غالبًا إلى تعزيز الهجرة غير النظامية، ويضع المهاجرين في ظروف خطرة وغير إنسانية".
أما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فقد شددت في تقريرها السنوي (يونيو 2025) على أن "أي تراجع في سياسات الحماية والهجرة النظامية في الولايات المتحدة ستكون له تداعيات سلبية ليس فقط داخل البلاد، بل على المستوى العالمي، حيث تحتذي دول أخرى بالنموذج الأمريكي".
وأصدرت "هيومن رايتس ووتش" خلال 20 فبراير 2025 تقريرًا يسلط الضوء على عشر سياسات صدمت حقوق المهاجرين، من ضمنها: تجميد برامج اللجوء، فترات احتجاز طويلة لبعض المهاجرين، وترحيل الأطفال بلا ضمانات إنسانية.
ولم يعد بإمكان الاقتصاد الأمريكي أن يعول على نفسه فقط، تحاول الإدارة فرض عزلة هجرة، لكنها تُهمل حقيقة أن الهجرة القانونية تشكل ربع القوة العاملة، وتدفع نموًّا سريعًا، وتغذي الكفاءة الوطنية والابتكار.
وإذا أرادت الإدارة تحقيق أهدافها الاقتصادية فلا بد من: فتح مسارات الهجرة القانونية وترتيبها بشكل عادل وفعّال، استقطاب الكفاءات وتسهيل اندماجهم في سوق العمل، ضمان حقوق المهاجرين ضمن النظام القانوني الدولي، لا الركون إلى التوقيف الجماعي.