"معاناة لا تهدأ".. الكونغو الديمقراطية تحت رحمة عنف التطرف ومآسي النزوح
"معاناة لا تهدأ".. الكونغو الديمقراطية تحت رحمة عنف التطرف ومآسي النزوح
تعزّزت مشاهد الرعب في شرق الكونغو الديمقراطية مجددًا، بعدما هزّت مذبحة جديدة ضمير العالم، راح ضحيتها 66 مدنيًا على يد متمردين تابعين لتنظيم داعش، في واحدة من أبشع حلقات العنف التي باتت تتكرّر بوتيرة صادمة منذ سنوات في بلدٍ يعاني هشاشة أمنية وانهيارًا إنسانيًا مزمنًا.
في منطقة إيرومو الواقعة بإقليم إيتوري شرق البلاد، وعلى مقربة من الحدود الأوغندية، نفذ مسلحون ينتمون إلى ما يُعرف بـ"القوات الديمقراطية المتحالفة"، مجزرة دموية مساء الخميس والجمعة، 11 و12 يوليو الجاري، استهدفت مدنيين عزّل، في هجوم وصفته بعثة الأمم المتحدة بأنه "حمام دم"، مؤكدة أن حصيلة القتلى ارتفعت من 30 إلى 66 شخصًا في غضون ساعات، بحسب ما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".
لا يُعد هذا الهجوم سابقة في سجل التنظيمات المتطرفة الناشطة في الكونغو، حيث تنشط "القوات الديمقراطية المتحالفة" (ADF) التابعة لتنظيم داعش، منذ نحو عقد، خاصة في مناطق حدودية بين الكونغو وأوغندا.
ووثّقت تقارير أممية ومنظمات حقوقية عشرات المجازر التي ارتكبها هذا التنظيم بحق مدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، مستخدمين أساليب قتل وحشية أبرزها الذبح الجماعي والحرق والاختطاف، وفق بيان لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية.
في يناير 2023، نفذ التنظيم مجزرة في بلدة ماكوجوي قُتل فيها 23 مدنيًا، وفي مارس من نفس العام قتل أكثر من 40 شخصًا في بلدة موكوندي، فيما تكررت الهجمات في عام 2024 بوتيرة مرتفعة، تزامنًا مع إعلان التنظيم عن "تمدد عملياتي" في إقليم كيفو الشمالي.
سجل دموي وتحذيرات حقوقية
وُجهت "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها اتهامات صريحة لمتمردي حركة "M23" المدعومة من رواندا، بممارسة الإعدامات الميدانية ضد المدنيين في بلدتي كاسيكا وكاسيشي شرق البلاد.
وأدانت المنظمة ارتكاب جرائم حرب من قِبل القوات الديمقراطية المتحالفة، أبرزها قتل أئمة مساجد ومدنيين خلال احتفالات دينية، واستخدام الألغام لاستهداف الأطفال.
وفق الأمم المتحدة، ارتُكبت أكثر من 150 مذبحة بين عامي 2021 و2025 على يد جماعات مسلحة، أغلبها تحمل توجهًا متشددًا أو طائفيًا.
وتسببت تلك الهجمات في مقتل أكثر من 7 آلاف مدني، وتشريد ما يزيد على 7.3 ملايين شخص داخل البلاد، ليصبح هذا النزوح الأكبر في القارة الإفريقية.
موارد تُغذّي الدم
تعيش الجماعات المسلحة، بما فيها "م23" و"داعش-الكونغو"، على اقتصاد التهريب والسيطرة على مناجم الذهب والكولتان، حيث تسيطر على ما يُقدَّر بـ60% من مناجم شرق البلاد.
وتُقدَّر أرباح هذه الجماعات من التهريب غير المشروع بنحو 800 ألف دولار شهريًا، تُستخدم في شراء السلاح وتمويل العمليات، وفق تقرير لـ"مركز التحليل الأمني الإفريقي".
ويمرّ أكثر من 17 مليون كونغولي بأزمة إنسانية خانقة، فيما تعاني منظمات الإغاثة من صعوبات الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب خطورة الأوضاع الأمنية.
وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد علقت عمل فرقها في مناطق عدة شمال شرق البلاد مطلع هذا العام، بعدما تعرّض أحد مقارها لهجوم مسلح.
وتُحذر منظمات أممية من أن استمرار تدهور الأوضاع سيقود إلى "انهيار تام للنظام الصحي"، في وقت يتفشى فيه الكوليرا والحصبة وحالات سوء التغذية الحاد، خصوصًا في مخيمات النازحين التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
السلام.. في نفق مظلم
على الرغم من إطلاق مفاوضات في العاصمة الأنغولية لواندا مطلع 2025 بين الحكومة الكونغولية ومتمردي "M23"، بدعم دولي وإقليمي، إلا أن التعنّت السياسي وتصاعد الهجمات يهددان بانهيار العملية السلمية برمتها.
وفي المقابل، تبذل بعثة "مونوسكو" الأممية جهودًا محدودة للحفاظ على الهدوء، وسط مطالبات بانسحابها بسبب فشلها في حماية المدنيين.
ما الذي ينتظر الكونغو؟
بين عنف داعش، وتوسع الجماعات المسلحة الأخرى، واستمرار التدخلات الإقليمية، يبدو أن شرق الكونغو على حافة هاوية طويلة الأمد.
وتتزايد المخاوف من تحوّل المنطقة إلى قاعدة عمليات دائمة للتنظيمات المتطرفة العابرة للحدود، تهدد ليس فقط أمن الكونغو، بل استقرار إفريقيا الوسطى والقرن الإفريقي بأكمله.