الكوليرا تفتك بأبيي.. المعاناة تتفاقم وسط انهيار الخدمات وتكدس النازحين السودانيين
الكوليرا تفتك بأبيي.. المعاناة تتفاقم وسط انهيار الخدمات وتكدس النازحين السودانيين
تشهد منطقة أبيي الإدارية الخاصة بين السودان وجنوب السودان موجة تفشٍّ وُصفت بأنها الأشد منذ سنوات لوباء الكوليرا، أسفرت حتى 12 يوليو الجاري عن وفاة 24 شخصًا وإصابة نحو 1241 آخرين، وسط تحذيرات متزايدة من تدهور الوضع الصحي نتيجة انهيار البنية التحتية وتكدس آلاف النازحين الفارين من النزاع الدائر في السودان.
وبحسب تقرير نشره راديو "دبنقا" اليوم الاثنين، أعلنت وزارة الصحة في أبيي رسميًا عن تفشي المرض أواخر مايو الماضي بعد تسجيل أولى حالات الإسهال الحاد وإرسال عينات للفحص في جوبا، حيث أكدت النتائج إصابتين إيجابيتين من أصل ثلاث.
وقال الدكتور أيوم كرشيك، وزير الصحة ورئيس اللجنة العليا لمكافحة الكوليرا في أبيي، إن الإصابات تركزت في مناطق "الميادية" و"كولي" و"الدفرة"، وهي مناطق تستضيف أعدادًا كبيرة من العائدين والنازحين من السودان، وأكد أن البيئة المتدهورة، وضعف شبكات الصرف الصحي، وركود المياه شكلت بيئة خصبة لانتشار الوباء.
وأشار الوزير إلى أن السلطات المحلية استحدثت لجنة عليا للاستجابة، برئاسة نائب رئيس الإدارية العميد أروب دينق كول، وبدأت في إنشاء مراكز علاج، وتنفيذ حملات توعية ونظافة، ومعالجة مصادر المياه بالكلور، إلى جانب التحضير لحملة تطعيم جماعية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وشركاء محليين.
ورغم هذه الجهود، عبّر كرشيك عن مخاوفه من وجود وفيات مجتمعية لم تُسجَّل داخل المرافق الصحية، مؤكدًا استمرار المراقبة الميدانية بهدف الحد من انتشار المرض وتقليل الخسائر البشرية.
أزمة إنسانية تتسع
في السياق، سجلت ولاية جنوب دارفور 8 إصابات جديدة بالكوليرا بينها حالة وفاة، ليصل إجمالي الإصابات المسجلة منذ أواخر مايو إلى 374 إصابة و29 وفاة. وفي شمال كردفان، أُعلن عن حالة وفاة و45 إصابة جديدة، أما في ولاية سنار، فقد نجحت السلطات الصحية في تطعيم 146 ألف شخص خلال أول يومين من حملة تستهدف أكثر من نصف مليون مواطن.
ويأتي تفشي الكوليرا في ظل وضع إنساني بالغ التعقيد على الحدود السودانية – الجنوبية، حيث نزح آلاف المدنيين هربًا من الصراع المسلح الذي اندلع في السودان في أبريل 2023، ما أدى إلى زيادة الضغط على الخدمات الصحية الشحيحة أصلًا.
ويُخشى أن يؤدي موسم الأمطار إلى مزيد من انتشار الوباء، في وقت تعاني فيه المنطقة ضعف الاستجابة الدولية، ونقص التمويل، وغياب البنية الصحية الكفيلة باحتواء مثل هذه الأزمات.
نداء عاجل
خبراء الصحة العامة والمنظمات الحقوقية يؤكدون أن تفشي الكوليرا في أبيي وغيرها من المناطق الحدودية ليس مجرد أزمة صحية عابرة، بل يسلط الضوء على الحاجة الملحة لدعم النظام الصحي المحلي، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي، وتقديم استجابة إنسانية عاجلة ومتواصلة لتقليل الخسائر البشرية وحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
يذكر أن الكوليرا مرض بكتيري حاد تُسببه بكتيريا Vibrio cholerae، ينتقل عادةً عبر المياه أو الطعام الملوثين، يؤدي إلى إسهال حاد وجفاف شديد، وقد يُسبب الوفاة في غضون ساعات إذا لم يُعالج بشكل سريع وفعّال.
وتنتشر الكوليرا غالبًا في المناطق التي تعاني ضعف البنية التحتية للصرف الصحي، ونقص المياه النظيفة، وظروف النزوح الجماعي أو الأزمات الإنسانية، وهو ما يجعل مناطق النزاعات أو المناطق الحدودية مثل أبيي أكثر عرضة لتفشي الوباء.
وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن الوقاية الفعالة من الكوليرا تعتمد على تحسين إمدادات المياه النظيفة، والصرف الصحي، والتطعيم الوقائي، إضافةً إلى التوعية المجتمعية والتدخلات السريعة لاحتواء التفشي في بداياته.