"محكمة ديلاوير" تفتح ملف مسؤولية الشركات الكبرى حول الخصوصية وحماية البيانات
دعوى قضائية ضد مجلس إدارة ميتا
بدأت محكمة ديلاوير هذا الأسبوع جلسات محاكمة غير مسبوقة تُعد أول اختبار فعلي لمعايير "كيرمارك" في سياق التهرب من الرقابة المؤسسية داخل شركة تكنولوجية كبرى.
تأتي الدعوى بعد أن رفع ثلاثة مساهمين من الأقلية شكوى ضد مجلس إدارة ميتا -الشركة الأم لفيسبوك -مدعين أن إخلالاته بالإشراف على ممارسات الخصوصية كانت السبب المباشر في دفع غرامة قياسية قدرها 5 مليارات دولار بموجب اتفاق مع لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) عام 2019.
ويحضر أمام المحكمة كبار مسؤولي ميتا، بمن في ذلك الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج والرئيسة التنفيذية السابقة للعمليات شيريل ساندبرغ، إلى جانب أعضاء مجلس إدارة بارزين مثل مارك أندريسن وبيتر ثيل وريد هاستينغز وجيف زينتس.
وتأتي المحاكمة، التي يستمر جلساتها ثمانية أيام أمام القاضية كاثالين ماكورميك، بعد رفض المحكمة طلب الدفاع بإسقاط الدعوى، ما رفع سقف المسؤولية القانونية لما يُعرف بـ"الإشراف المتهاون".
وتركز الدعوى على عدم إلزام المجلس باتفاق الـ2012 مع لجنة التجارة الفيدرالية، وهو ما مكن الشركة من انتهاك شروط حماية بيانات المستخدمين، خاصة بعد فضيحة كامبريدج أناليتيكا عام 2018، إضافة إلى ذلك، يتهم المدعي زوكربيرج ببيع أسهمه على أساس معلومات جوهرية غير مُعلنة، محققًا أرباحًا تجاوزت مليار دولار.
تأثير القضية على الحوكمة
تُعد المحاكمة "اختبارًا صارمًا لمعايير الحكم الأخلاقي والإداري" بحسب تعبير فايننشال تايمز في عددها الصادر اليوم، وتتناول هذه القضية لأول مرة ما إذا كانت مسؤولية الإشراف المنهجي لمجلس الإدارة يمكن أن تُترجم إلى مساءلة قانونية فعالة.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى صرامة المحكمة في ديلاوير، ما دفع كبرى شركات التكنولوجيا إلى التفكير في نقل مقراتها القانونية إلى ولايات أكثر تسامحًا مثل نيفادا أو تكساس.
وأثارت هذه القضية تحوّلًا محوريًا في قانون الشركات الأميركية، إذ يكشف أن مستويات إنفاذ المعايير المؤسسية في مجالات الخصوصية بدأت تصبح واقعية وليست فقط إطارًا شكليًا.
معيار كيرمارك
يعتمد المدّعون في هذه الدعوى على "معيار كيرمارك" Caremark، الذي يُلزم بإثبات أن مجلس الإدارة إما لم يضع نظام رقابي فعال، أو تجاوز عن علامات تحذيرية واضحة بخصوص الانتهاكات القانونية، وتُعد هذه أحد أصعب الأسس القانونية لإثبات المسؤولية، لكن القضاء في ديلاوير قبِل التقدم الدعوى، ما أعطى القضية زخماً واستثنائية.
وقالت آن ليبتون، أستاذة قانون في جامعة كولورادو، إن "المسألة هي أن ناقص الرقابة القضائية تجعل من القانون وحده المنقذ الوحيد للضحايا"، ويبدو أن النتيجة قد تواجه النقاش القائم حول ما إذا كانت المحاكم يمكن أن تُصبح أداة فعالة لمحاسبة مجالس الإدارة في عصر الخصوصية الرقمية.
وفي النهاية وضعت هذه القضية أول مجلس إدارة لتكنولوجيا ضخمة أمام القضاء في محاكمة حقيقية لبسط حدود المساءلة القانونية على حماية البيانات الرقمية، وبغض النظر عن النتيجة القضائية، فإن الرسالة واضحة: شركات التكنولوجيا لم تعد بمنأى عن مساءلة حقيقية، والمستخدمون والمساهمون باتوا على قدر من التأثير على معايير الحوكمة في العصر الرقمي.