كينيا تحت النار.. احتجاجات غاضبة وقمع أمني يزيد الجراح عمقاً

كينيا تحت النار.. احتجاجات غاضبة وقمع أمني يزيد الجراح عمقاً
احتجاجات كينيا

بين أصوات الهتافات المطالبة بالعدالة وصدى الرصاص في الشوارع، تقف كينيا اليوم عند مفترق طرق خطِر حيث تتحول مطالب الإصلاح والغضب الشعبي من ارتفاع الأسعار وتردي الأوضاع المعيشية إلى مواجهات دامية تهدد بنسف السلم المجتمعي الهش.

ففي مشهد صادم يعكس اتساع الفجوة بين السلطة والمحتجين، أثارت دعوة الرئيس الكيني وليام روتو لقوات الأمن بإطلاق النار على أرجل المتظاهرين المشاركين في أعمال العنف موجة استنكار واسعة، منظمة العفو الدولية وصفت هذه التصريحات بأنها "غير قانونية وخطِرة"، محذرة من أنها ستؤدي إلى تأجيج العنف بدلًا من إخماده.

لماذا خرج الكينيون إلى الشوارع؟

لم تأتِ موجة الغضب الشعبي التي تشهدها كينيا فجأة، بل تعكس تراكم سنوات من الإحباط والضغوط الاقتصادية والاجتماعية على فئات واسعة من المجتمع، خصوصًا الشباب.

في قلب هذه الأزمة تأتي حزمة الإصلاحات الضريبية التي أعلنتها حكومة الرئيس وليام روتو، والتي رأى فيها الكينيون عبئًا إضافيًا يُضاف إلى معاناتهم اليومية مع ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والخدمات.

بالنسبة لكثيرين، لم تعد المسألة مجرد أرقام في الموازنة، بل صارت تمسّ مباشرة حقهم في الحياة الكريمة.

لكن جذور الأزمة أعمق من ذلك، فمعدلات البطالة المرتفعة بين الشباب خلقت جيلًا يشعر بأن مستقبله مسدود، في حين تتزايد فجوة اللامساواة في بلدٍ يعاني أصلًا من تفاوت اقتصادي صارخ.

وفي الخلفية، يقف شبح الفساد وسوء الإدارة الذي أفقد قطاعات واسعة من المواطنين ثقتها في أن الحكومة ستستخدم أموال الضرائب لتطوير التعليم أو تحسين الرعاية الصحية والبنية التحتية.

استخدام القوة المفرطة

زاد الوضع سوءًا تعامل قوات الأمن مع الاحتجاجات، حيث اتُّهمت باستخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين أغلبهم من الشباب، ما حوّل مطالب اقتصادية إلى غضب سياسي وإنساني أوسع ضد السلطة ومؤسساتها.

تصريحات الرئيس روتو الأخيرة بدعوة الشرطة إلى إطلاق النار على المتظاهرين لم تهدئ الشارع، بل عمّقت الشعور بأن الدولة لا ترى في هؤلاء المحتجين سوى تهديد أمني، لا أصواتًا تطالب بحياة أكثر عدلًا وكرامة.

اليوم، أصبحت الاحتجاجات في كينيا ليست مجرد رفض لقرار ضريبي، بل تعبير عن أزمة ثقة بين المواطنين والدولة، وعن تطلعات جيل يريد مستقبلًا مختلفًا، لا تتحكم فيه الضرائب والديون والقمع.

وجاء الواقع على الأرض أكثر مأساوية، فقد كشفت جماعات حقوقية عن مقتل 38 شخصًا على الأقل الأسبوع الماضي فقط، في أكثر الأسابيع دموية منذ بدء المظاهرات التي يقودها الشباب ضد السياسات الحكومية، إلى جانب ذلك، أصيب أكثر من 500 مدني وضابط شرطة بجروح متفاوتة، وسط اتهامات متبادلة حول المسؤولية.

ورغم نداءات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة ضبط النفس وحماية الحق في التظاهر السلمي، لا تزال قوات الأمن متهمة باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي.

حقائق عن تجاوزات الشرطة

تقرير حديث صادر عن مجموعة عمل إصلاحات الشرطة -وهو تحالف يضم العفو الدولية وعددًا من المنظمات المحلية- كشف عن ممارسات مروّعة منها استخدام ذخيرة حية ضد مدنيين عزل، عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، اختفاءات قسرية واعتقالات تعسفية.

التقرير سلّط الضوء أيضًا على شبهات بضلوع عناصر أمنية مباشرة في بعض أعمال العنف، في حين نفت الشرطة الكينية هذه الاتهامات ووصفتها بأنها "رواية كاذبة".

وفيما تقول السلطات إن تدخل الشرطة كان ضروريًا بعد أن خرجت التظاهرات عن إطارها السلمي وتحوّلت إلى أعمال تخريب ونهب، ترى المنظمات الحقوقية أن الأسلوب الأمني القمعي يُفاقم الغضب الشعبي، ويقود إلى دائرة جديدة من العنف.

وزير الداخلية كيبتشومبا موركومين وعد بفتح تحقيق في التجاوزات المرتكبة، مؤكدًا أنه "لا يوجد قانون يبرر لشرطي ارتكاب جرائم أو قتل أشخاص". كما أعلن عزمه إصدار توجيه سياسي جديد حول ضوابط استخدام القوة.

لكن في ظل غياب ثقة الشارع بالحكومة، يتساءل كثيرون إن كانت هذه التحقيقات ستترجم فعلًا إلى مساءلة حقيقية.

فاتورة إنسانية باهظة

وراء الأرقام الجافة، تختبئ قصص عائلات فقدت أبناءها في ريعان الشباب، وآباء ينتظرون عودة أبنائهم المعتقلين دون تهم واضحة، أما المدن، فقد تحولت بعض شوارعها إلى مشاهد خراب مع محال محطمة وسيارات محترقة.

الخسائر الاقتصادية لم تكن أقل فداحة؛ إذ قدّرت جماعات حقوقية الأضرار بنحو 1.1 مليار شلن كيني (14 مليون دولار)، في بلد يئن أصلًا تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة وبطالة مرتفعة خاصة بين الشباب.

المخاوف لا تتعلق فقط بالخسائر المادية والبشرية المباشرة، بل بعمق الشرخ المتزايد بين المواطنين والسلطة، ويرى مراقبون أن تصريحات الرئيس روتو قد تصب الزيت على النار، ما ينذر بمزيد من الانقسامات في نسيج المجتمع الكيني.

وتطالب الحركة الاحتجاجية في جوهرها بتراجع الحكومة عن خطط الإصلاحات الاقتصادية والضرائب الجديدة، معتبرةً إياها عبئًا إضافيًا على كاهل الفقراء، في المقابل، تؤكد الحكومة أن هذه الإجراءات ضرورية لإنقاذ الاقتصاد.

لكن استخدام العنف ضد المحتجين -كما يقول المدافعون عن حقوق الإنسان- لن يحل الأزمة، بل سيزيدها تعقيدًا ويعمّق مشاعر الظلم وفقدان الأمل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية