خرجت ولم تعد.. فريدة محمدي لاجئة أفغانية ابتلعها المجهول في طهران
خرجت ولم تعد.. فريدة محمدي لاجئة أفغانية ابتلعها المجهول في طهران
في ظهيرة الثامن من يوليو الجاري، غادرت فريدة محمدي، ذات الخمسة عشر ربيعًا، ورشة الخياطة حيث تعمل في منطقة صالح آباد بمدينة إسلام شهر، جنوب غرب طهران، ولم تكن تلك المرة الأولى التي تعود فيها فريدة إلى بيتها في ساعة كهذه، لكنها كانت الأخيرة التي تُرى فيها.
منذ تلك اللحظة، سقطت فريدة في صمتٍ كثيف، صمت تُشارك في نسجه سلطات أمنية، ومجتمع غير آمن، وعجزٌ ممتد تعاني منه آلاف الأسر الأفغانية المقيمة في إيران، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء "المرأة"، الأربعاء.
كانت فريدة تعمل لمساعدة عائلتها على مواجهة أعباء المعيشة الثقيلة، والدها عبد الله محمدي، لاجئ أفغاني يعيش منذ سنوات في طهران، قدّم شكوى رسمية إلى سفارة طالبان في طهران، يطالب فيها بالمساعدة في العثور على ابنته، لكنّ الأيام تمر، ولا يطرق أحد باب العائلة بأي خبر.
"لم تكن تحمل شيئاً معها سوى هاتفها الذي لا يجيب، ولم تتأخر عن البيت من قبل.. نشعر أن أحداً لا يهتم"، تقول والدتها في حديث مقتضب لمقربين، بعد أن رفضت التحدث إلى وسائل الإعلام خوفاً من العواقب.
مفقودة في وطن مؤقت
قضية فريدة ليست مجرد حالة اختفاء؛ بل هي رواية عن هشاشة حياة اللاجئ في وطن مؤقت، في إيران، يُقدّر عدد اللاجئين الأفغان بالملايين، لكن أغلبهم يفتقر إلى الإقامة القانونية، ويعيشون في بيئة يملؤها الشك، والخوف، والتمييز.
في ظل هذا الواقع، لا تملك العائلات وسائل حقيقية للبحث عن بناتها المختفيات، ولا تجرؤ حتى على التوجه إلى مراكز الشرطة.. الخوف من الاعتقال، والترحيل، أو الانتقام، يجعل الأب يتردد قبل أن يسأل، والأم تهمس بدلاً من أن تصرخ.
خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت التقارير الحقوقية التي ترصد الانتهاكات الجسيمة بحق اللاجئين الأفغان في إيران، خصوصاً النساء والأطفال: عمليات ترحيل قسرية، اعتقالات جماعية، اختطاف، عنف جسدي، وجرائم قتل، كلها تتكرر بصمت لا تُجيد وسائل الإعلام الرسمية سوى تجاهله.
وفي إحدى أبشع هذه الوقائع، قُتل شاب أفغاني يبلغ من العمر 18 عاماً في دماوند، فقط لأنه أفغاني، وفق ما نقلته مصادر حقوقية. يُقتل لأنه لاجئ، ويُدفن اسمه في سطور لم تُكتب.
وتقول منظمة فرونت لاين ديفندرز في تقرير لها حول تصاعد العنف ضد اللاجئين في إيران: "اللاجئون الأفغان، خاصة النساء والمراهقين، معرضون لخطر دائم في بيئة لا توفر الحماية ولا العدالة، بل تتعامل معهم كخطر أمني".
المجهول.. كل يوم
"كل صباح نذهب إلى العمل ولا نعلم من منا لن يعود"، يقول سعيد، شقيق فريدة، ذو الـ17 عامًا، والذي يعمل هو الآخر في ورشة للنجارة في أطراف طهران.
يضيف: "نشعر أننا غرباء، حتى بعد كل هذه السنوات. عندما تُفقد فتاة مثل فريدة، لا أحد يتحرك. لو كانت من جنسية أخرى، هل كان أحد سيسكت؟".
تتردد قصص مشابهة في أحياء شهريار، ورامين، وباقر شهر. تختفي فتيات، ويُعتقل شباب، وتُرحل عائلات بأكملها، فيما تتعثر جهود المجتمع المدني في تقديم الحماية، في ظل التشريعات المعقدة والملاحقة الأمنية.
لا أثر ولا إجابة
رغم أن السفارة الأفغانية في طهران أكدت رسمياً تلقيها بلاغ اختفاء فريدة، فإنها لم تصدر بيانًا تفصيليًا حول التحقيق، كما لم تعلن عن أي تعاون رسمي مع السلطات الإيرانية.
وفي المقابل، رفضت الأجهزة الأمنية التعليق، ولم يُعلن عن فتح تحقيق جنائي، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية "دليلًا على الإهمال المتعمد في قضايا اللاجئين".
"أصبحنا نعيش في خوف دائم، ليس فقط من الترحيل أو الفقر، بل من أن يفقد أحدنا أثر أخته، أمه، أو ابنته.. وتغيب كأنها لم تكن"، يقول أحد أفراد الجالية الأفغانية.
مرآة لانهيار الأمان
اختفاء فريدة محمدي لم يعد مجرد خبر، إنه مرآة لانهيار الأمان الإنساني والقانوني للاجئين في إيران، فتاة غادرت العمل ولم تعد، لا كاميرات، لا شهود، لا عدالة.
كل ما تبقى هو صورة لها، على هاتف والدها، وصوت والدتها الخافت وهي تهمس في صلاتها: "يا رب، رجّعلي بنتي، بس ترجع.. لو مرة أخيرة أشوفها".