بين الموت جوعاً و"قلة" المساعدات.. نساء غزة يلجأن للملح والماء لمواجهة المجاعة
بين الموت جوعاً و"قلة" المساعدات.. نساء غزة يلجأن للملح والماء لمواجهة المجاعة
في قطاع غزة المحاصر، لم تعد المجاعة مجرّد مصطلح يُتداول في نشرات الأخبار أو تقارير المنظمات الإنسانية، بل تحوّلت إلى واقع يومي تعيشه آلاف النساء الفلسطينيات اللاتي وجدن أنفسهن في مواجهة حرب إبادة بطيئة، تُمارَس بصمت السلاح، وبحصار الطعام، وبتواطؤ التجاهل الدولي.
فرغم الأحاديث المتكررة عن قوافل المساعدات وبيانات وقف إطلاق النار "المؤقتة"، يبقى الجوع سيد الموقف، وتبقى المرأة الغزّية هي الحلقة الأضعف في معادلة البقاء، تتحايل على الموت بكأس ماء وملعقة ملح، وتربّي أبناءها على أمل مؤجل وخبز مفقود، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الثلاثاء.
بين مطرقة الاحتلال الذي يحكم الحصار ويمنع دخول الغذاء والدواء، وسندان التجار الذين يضاعفون الأسعار في السوق السوداء، تواصل المرأة الفلسطينية نضالها اليومي بصمت مرير، إن ما يحدث في غزة اليوم ليس أزمة طارئة، بل جريمة مستمرة بحق الإنسانية، جريمة تُقترف على مرأى ومسمع العالم.
بين مطرقة الاحتلال وسندان السوق
تؤكد ديانا صيام، وهي أم فلسطينية من غزة، أن المجاعة في القطاع ليست جديدة، بل مستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر، تتفاوت حدتها مع الأخبار القادمة من المفاوضات المتعثرة، ففي كل مرة تُعلن فيها هدنة محتملة، تنخفض الأسعار قليلاً، لكن سرعان ما تعود للارتفاع الجنوني مع انهيار أي تفاهم، هكذا وجد الشعب نفسه عالقاً بين مطرقة الاحتلال الإسرائيلي وسندان تجار الأزمات.
تروي ديانا أنها غالباً ما تنام على شعور وهمي بالشبع، ليس لأنه توافر لها ولأطفالها طعام، بل لأن الأخبار المعلنة عن دخول مساعدات تعيد لها شيئاً من الأمل، لكن سرعان ما يتبدد ذلك الأمل حين تستيقظ لتجد كيلو الطحين لا يزال بسعر 30 دولاراً، والخضراوات والحليب والفاكهة وحتى معلبات اللحوم اختفت من السوق، أو تُباع بأسعار خيالية تفوق قدرتها كأم ومواطنة مسحوقة.
تشير ديانا إلى أنها تضطر أحياناً للصيام أكثر من 18 إلى 24 ساعة، لا تعبداً وإنما قسراً، إذ لا يتوافر في بيتها سوى الماء، وربما أحياناً يُضاف إليه بعض الملح كي يحافظ على ضغط جسدها، ويمنع المعدة من التعفن بسبب الجوع المتواصل.
لا بيض، لا سكر، لا لحوم، حتى العدس الذي بات الغذاء "الوحيد" صار يسبب لها وعائلتها أوجاعاً في المعدة، وحالات إمساك متكررة، بعدما أصبح هو الوجبة المتكررة على مدار أشهر.
وتضيف: "ابنتي الكبرى أُغمي عليها بالأمس وهي تمشي، ليس لمرض، بل لأن جسدها لم يعد يقوى على مقاومة الجوع. زوجي كذلك سقط وهو في طابور المياه، وناداني الناس كي أعطيه كوب ماء وملح ليفيق. حتى الإغماء بات مألوفاً، وصرنا نعتبره تفصيلاً عادياً في يومنا الغزّي".
النساء أول الضحايا
تكشف ديانا أن المعاناة مضاعفة على النساء، خصوصاً الحوامل والمرضعات، اللاتي لا يجدن الغذاء الكافي لتغذية أنفسهن أو أطفالهن.
وتستنكر الآلية التي تعتمدها بعض الجمعيات الإنسانية لتوزيع المكملات الغذائية بناءً على قياسات محددة، تقول: "هل يجب أن يتحول جسد المرأة أو الطفل إلى هيكل عظمي كي يحصل على كيس غذاء؟ وهل الانتظار حتى الانهيار الكامل هو المعيار الوحيد لتقديم المساعدة؟".
وتلفت إلى أنها تشعر بألم مستمر في المفاصل والقدمين منذ شهور، وتخشى أن تكون هناك أمراض كامنة لا تُشخّص لأن المستشفيات لم تعد تستقبل سوى الحالات البالغة الخطورة، كالمصابين من تحت الأنقاض أو ضحايا الغارات.
كرامة تُقاوم الجوع
تشدد ديانا على أن ما يجري هو "حرب تجويع" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حرب تفتك بالضعفاء في ظل انهيار المنظومة الأخلاقية العالمية.
وتضيف أن المرأة في غزة أصبحت تواجه هذا الجوع بصلابة، رغم أنها تُحرم من أبسط حقوقها في الطعام والدواء.
في ذات الوقت، تعتبر أن توزيع المساعدات بالطريقة الحالية، والتي تعتمد على "التوزيع الذاتي"، ما هو إلا هندسة ممنهجة لمزيد من الجوع، إذ لا توجد آلية عادلة تضمن وصول الغذاء إلى كل بيت.
وتختم حديثها بألم: "كل يوم أقول لنفسي هل هذا كابوس؟ هل سأستفيق وأجد أنني ما زلت أملك الحق في إطعام أطفالي؟ لا أطلب سوى العدالة، وسقف يحمي بناتي، ووجبة ساخنة تحفظ لهن أجسادهن من الانهيار... لكن العالم مشغول بصمته".