صرخات بلا صدى.. صمت العالم يزيد محنة النساء والأطفال في السودان
صرخات بلا صدى.. صمت العالم يزيد محنة النساء والأطفال في السودان
في الوقت الذي تتصدر فيه أزمات إقليمية وعالمية عناوين الأخبار، تمضي الحرب في السودان في عامها الثالث دون بريق أمل، تلتهم المدن والقرى، وتفكك المجتمعات، وتحاصر النساء والأطفال في مشهد إنساني مفزع.
فمنذ اندلاع النزاع الدموي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، يعيش ملايين السودانيين، خاصة النساء والأطفال، تحت وطأة المجاعة، والنزوح، والعنف الجنسي، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وسط عجز دولي قاتل عن التدخل الفاعل.
وفي زيارة ميدانية إلى مدينة بورتسودان، وصف رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان، في بيان له، أمس الثلاثاء، الوضع الإنساني بأنه "انهيار يومي لحياة المدنيين"، محذرًا من أن استمرار النزاع يعني مزيدًا من الأرواح المهدورة، والعائلات المشرّدة، والصدمات النفسية المتوارثة عبر الأجيال.
وأشار نويصر إلى تجاوزات واسعة النطاق تشمل القتل خارج نطاق القانون، والعنف الجنسي، والاحتجاز التعسفي، والنزوح القسري، محذرًا من أن الوضع يزداد سوءًا بوتيرة مقلقة.
نساء يحملن عبء النجاة
في أحدث تقارير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يتجلى البعد الجندري العميق للأزمة السودانية، فالنساء والفتيات، وفق التقرير، يتعرضن لانعدام الأمن الغذائي بمعدل ثلاثة أضعاف الأسر التي يرأسها رجال، 75% من الأسر التي تعولها نساء غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية، نحو 3.2 مليون امرأة وفتاة معرضة لخطر العنف الجنسي أو القائم على النوع الاجتماعي.
وفي ظل غياب المعيل الذكوري، بسبب الوفاة أو الاختفاء القسري، تتحول النساء إلى معيلات قسريات، لكن دون أي دعم، وفي بيئة تنعدم فيها سبل الحماية أو التمكين.
وتقول سالفاتور نكورونزيزا، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في السودان:"هذه ليست أزمة غذاء فقط، بل حالة طوارئ جنسانية ناجمة عن فشل استجابة النوع الاجتماعي."
نازحات بلا مأوى
في مختلف ولايات السودان، تقود النساء مبادرات محلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث يدرن مطابخ مجتمعية لإطعام الأسر النازحة، ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن نصف هذه المطابخ أُغلقت أخيرًا بسبب نقص التمويل، ما عمّق الأزمة وزاد من ضعف الفئات الأكثر هشاشة.
كما تؤكد شهادات نساء نازحات أن الخروج من مناطق القتال يمثل كفاحًا مضاعفًا، خاصة لمن لديهن أطفال أو يعانين الإعاقة، في وقت تتدهور فيه أوضاع المراكز الصحية ومناطق الإيواء.
وبحسب اليونيسف، فإن السودان اليوم يمثل أكبر أزمة إنسانية للأطفال في العالم، يقول شيلدون يت، ممثل المنظمة في السودان، إن الأطفال "يموتون الآن بسبب الجوع والمرض والعنف"، ويضيف:
"هذه ليست أزمة مستقبلية. إنها كارثة تحدث الآن، جيل كامل مهدد بالضياع، ليس لغياب الحلول، بل لغياب الإرادة الجماعية للتدخل".
ووفق المنظمة الأممية يوجد نحو 19 مليون طفل سوداني محرومون من التعليم، وما يزيد على 7 ملايين طفل معرضون لخطر المجاعة، وأكثر من 70٪ من المرافق الصحية إما مدمرة أو معطلة.
وخلال زيارته الأخيرة إلى ولاية الخرطوم، رأى يت بعينه مراكز التغذية مكتظة بالأطفال المهزولين، والمراكز الصحية شبه منهارة، والمستودعات الإنسانية منهوبة ومدمرة.
أزمة نزوح مرعبة
وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تجاوز عدد النازحين داخليًا 8.6 مليون شخص، 70% منهم نساء وأطفال، مع تضاؤل إمكانية وصولهم إلى الغذاء والماء والتعليم والخدمات الطبية.
وتحدث نازحون عن استهداف مباشر للمخيمات بالهجمات، مما أدى إلى تحول "مناطق الإيواء" إلى مصائد موت، وسط تقاعس دولي عن تأمين الحماية الإنسانية أو فتح ممرات آمنة.
بدأت الحرب الحالية في السودان في أبريل 2023، صراعاً على السلطة والنفوذ بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وسرعان ما تحولت المعركة إلى جحيم مفتوح على المدنيين، خاصة في الخرطوم، ودارفور، وكردفان، والنيل الأزرق.
ويأتي هذا الصراع في سياق هشاشة سياسية مزمنة، منذ سقوط نظام البشير في 2019، وفشل كل المحاولات الانتقالية في تثبيت استقرار حقيقي في البلاد.