أطباء غزة.. حراس الحياة الذين يعملون على معدة فارغة

أطباء غزة.. حراس الحياة الذين يعملون على معدة فارغة
أطباء في غزة - أرشيف

في أروقة "مستشفى العيون" بمدينة غزة تختلط أصوات أجهزة المراقبة وصفير الإنذارات الطبية مع أنفاس أطباء يواصلون العمل في سباق مع الزمن لإنقاذ الأرواح، رغم أن أجسادهم نفسها تترنح تحت وطأة الجوع والإرهاق.

على وجوههم، علامات سهر طويل وإرهاق ممتد، ليس فقط بسبب ضغط العمل، بل بفعل الحصار والتجويع الممنهج الذي حوّل رغيف الخبز إلى سلعة نادرة، وجعل السكر والبروتينات ترفًا بعيد المنال، بحسب ما ذكرت وكالة "الأناضول"، الاثنين. 

في أجنحة المستشفى، يواصل الأطباء إجراء العمليات لساعات متواصلة، مدفوعين بواجبهم الإنساني، في حين تتسلل إلى عيونهم ملامح التعب الذي لا تخطئه نظرة.

جوع في غرفة العمليات

محمد الطيب، أخصائي طب وجراحة العيون، فقد 10 كيلوجرامات من وزنه منذ مارس الماضي. يعمل اليوم على ثلاث عمليات جراحية يوميًا، بعدما كانت عملياته قبل الحرب لا تتجاوز واحدة في الشهر. 

يذهب إلى المستشفى سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة، ويؤكد أن "رواتبنا لا تكاد تكفي لشراء الطحين، ولا نجد سكراً أو بروتينات".

أما الطبيبة مها ضبان، فقد خسرت 8 كيلوجرامات من وزنها، وتقول إن نقص الفيتامينات والبروتينات جعلها تشعر بـ"دوخة وصداع وتسارع ضربات القلب" أثناء العمل، مؤكدة أن "الجسد يحتاج تغذية حتى يستطيع إنقاذ الآخرين".

مدير المستشفى عبدالسلام صبّاح يكشف أن بعض الأطباء ينهارون في غرف العمليات من شدة الإرهاق، ما يضطر الطواقم لإعطائهم محاليل وريدية ليستعيدوا قدرتهم على مواصلة العمل.

حصار يقتل مرتين

بحسب الأمم المتحدة، ثلث سكان غزة لم يتناولوا الطعام منذ أيام، والمجاعة بلغت مستويات "كارثية" منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر أمام المساعدات في 2 مارس الماضي. 

عشرات الشاحنات التي تحمل الغذاء والدواء متوقفة على الحدود، في حين يموت الفلسطينيون جوعًا أو برصاص الجيش أثناء انتظارهم حصة من المساعدات.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن مستشفيات القطاع استقبلت منذ 27 مايو أكثر من 1,778 شهيدًا و12,894 جريحًا من بين منتظري المساعدات، وهو رقم يلخص مأساة التجويع بصفته سلاح حرب.

الطب مقاومة

في ظل هذه الظروف، يتحول العمل الطبي في غزة إلى شكل من أشكال المقاومة الإنسانية. فالأطباء، رغم الجوع والإرهاق، يواصلون حماية الأرواح وإنقاذ البصر، كأنهم يكتبون بجهدهم رسالة واضحة: حتى على معدة فارغة، سنبقى نحرس الحياة.

هذه المأساة، التي تتواصل منذ ما يقارب العامين، لا تنفصل عن سياق الحرب والحصار والاحتلال، وهي تضع المجتمع الدولي أمام سؤال أخلاقي.. إلى متى يمكن للعالم أن يكتفي بالمشاهدة، في حين يموت الأطباء والمرضى معًا، بعضهم بالقصف، والآخرون جوعًا؟



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية