من نيويورك إلى جنيف.. إدانات أممية وحقوقية لقصف أودى بحياة 6 صحفيين في غزة

من نيويورك إلى جنيف.. إدانات أممية وحقوقية لقصف أودى بحياة 6 صحفيين في غزة
تشييع جثامين صحفيين في غزة

في صباح يلفه الغضب والحزن، شيّع الفلسطينيون في مدينة غزة ستة من الصحفيين، بينهم خمسة من طاقم قناة الجزيرة القطرية، إلى مثواهم الأخير، بعد أن قضوا في غارة إسرائيلية قرب مستشفى الشفاء. 

بين الأزقة الضيقة لمخيمات المدينة، سارت الجنازات وسط هتافات تندد بالقتل وتطالب بوقف الحرب، في حين كان المشيعون يحملون الجثامين الملفوفة بالأكفان البيضاء، ووجوه الشهداء مكشوفة أمام دموع الناس وكاميرات الناجين من المهنة.

وأقر الجيش الإسرائيلي باستهداف أنس الشريف، مراسل الجزيرة البارز، واصفاً إياه بأنه "إرهابي" ينتمي لحركة حماس، ومتهماً إياه بقيادة خلية مسؤولة عن هجمات صاروخية، وهذه الرواية قوبلت برفض واسع من مؤسسات إعلامية ومنظمات حقوقية، رأت في الحادثة جريمة متعمدة بحق الصحفيين وحرية الإعلام.

قناة الجزيرة وصفت الضربة بأنها "اغتيال مدبر" لطواقمها، مؤكدة أن ثلاثة من مصوريها، هم إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل ومؤمن عليوة، إضافة إلى المراسل محمد قريقع، سقطوا في الهجوم ذاته. كما أعلن الدفاع المدني عن وفاة المصور محمد الخالدي متأثراً بجراحه.

إدانات أممية وحقوقية

المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك قال، إن ما جرى يمثل "خرقاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي"، مؤكداً وجوب حماية جميع المدنيين، ومنهم الصحفيون.

وأعربت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن غضبها الشديد، ووصفت الشريف بأنه "صوت المعاناة في غزة"، داعية مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع عاجل استناداً إلى قراره رقم 2222 الصادر عام 2015 بشأن حماية الصحفيين في مناطق النزاع.

أما منظمة العفو الدولية، فعدّت ما حدث يمثل "القتل المتعمد لعيون وأصوات غزة"، مشيرة إلى أن النزاع الحالي هو الأكثر دموية ضد الصحفيين في التاريخ الحديث.

وصية أنس الشريف

عقب إعلان استشهاد المراسل أنس الشريف نشرت صفحته على منصة "إكس" رسالة مؤرخة في السادس من أبريل 2025، جاء فيها: "إن وصلتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي.. عشت الألم بكل تفاصيله وذقت الفقد مراراً، ورغم ذلك لم أتوقف يوماً عن نقل الحقيقة كما هي". كانت كلماته الأخيرة بمنزلة شهادة حية على صلابة إرادته وإيمانه برسالته حتى اللحظة الأخيرة.

حادثة استهداف طاقم الجزيرة تأتي في سياق حرب مستمرة منذ أكثر من 22 شهراً، أسفرت عن مقتل نحو 200 صحفي في غزة، بحسب منظمات غير حكومية. 

وفي ظل منع إسرائيل دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع، اعتمدت وسائل الإعلام العالمية على المراسلين المحليين لتوثيق الأوضاع الميدانية، وهو ما جعلهم في مواجهة مباشرة مع خطر الموت اليومي.

الموقف الأوروبي

الاتحاد الأوروبي، وعلى لسان مسؤولة سياسته الخارجية كايا كالاس، دان مقتل الصحفيين، لكنه أشار إلى ضرورة تقديم "أدلة واضحة" على الاتهامات الإسرائيلية. ومع انقسام المواقف بين الدول الأعضاء، بقي تأثير الاتحاد محدوداً في الضغط لوقف الحرب، رغم إعلانه عن زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، وهي مساعدات قال مسؤولون إنها لم تصل بالكامل بعد.

منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، بعد هجوم حماس الذي أسفر عن مقتل 1219 شخصاً في إسرائيل، شن الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية خلفت أكثر من 61 ألف قتيل في غزة، معظمهم من المدنيين، بحسب وزارة الصحة في القطاع، وهي أرقام تصفها الأمم المتحدة بأنها موثوقة. إلى جانب القتل، يواجه أكثر من مليوني فلسطيني خطر المجاعة وسط حصار خانق ونقص حاد في الإمدادات.

حرية الصحافة تحت النار

لجنة حماية الصحفيين قالت إن ما جرى يرقى إلى "جريمة حرب"، منتقدة النمط الإسرائيلي في وصف الصحفيين بأنهم مسلحون من دون تقديم أدلة موثوقة. واعتبرت سارة القضاة، المديرة الإقليمية للجنة، أن هذا النمط يثير تساؤلات جدية حول احترام إسرائيل لحرية الصحافة.

رحل أنس الشريف وزملاؤه، لكن صورهم وتقاريرهم ستظل شاهدة على مرحلة مفصلية في تاريخ غزة، كان الشريف، المولود عام 1996، وجهاً مألوفاً للمشاهدين، ينقل التفاصيل من قلب المأساة، ويصف الجوع والخوف بصدق الميدان، وفي مقاطع سابقة، ظهر دامع العينين أمام مستشفى الشفاء، وهو يتحدث عن معاناة السكان المحاصرين.

شهد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، منذ اندلاعه قبل أكثر من سبعة عقود، استهدافاً متكرراً للعاملين في الحقل الإعلامي، لكن الحرب الدائرة في غزة منذ أكتوبر 2023 سجلت أرقاماً غير مسبوقة في عدد الضحايا بين الصحفيين، اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها تنص بوضوح على حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة باعتبارهم مدنيين، ويشكل استهدافهم جريمة حرب بموجب القانون الدولي.

ورغم ذلك، يتواصل سقوط الإعلاميين في الميدان، وسط جدل حول مدى التزام الأطراف المتحاربة بهذه الالتزامات، وصعوبة محاسبة المسؤولين في ظل الانقسامات السياسية في المؤسسات الدولية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية