وسط نداءات دولية للوقف والتحقيق.. تزايد انتهاكات حقوق السجناء في إيران

وسط نداءات دولية للوقف والتحقيق.. تزايد انتهاكات حقوق السجناء في إيران
سجن "قزل حصار" في إيران

ما ورد في رسالة ناجين من جناح سياسي في سجن "قزل حصار" يقدّم رواية مباشرة وصادمة عن اندفاع قمعي منظم داخل مؤسسة العقاب الرسمية في إيران تشمل الضرب المبرح والاحتجاز ثم إعدام اثنين من المعتقلين السياسيين بعد محاكمات موجزة وبدون وصول فعلي إلى محامين.

هذه الشهادة ليست حادثة معزولة بقدر ما تبدو تجسيداً لواقع أوسع من العقاب التعسفي داخل السجون الإيرانية، في وقت تتصاعد فيه عمليات الإعدام والممارسات التي تنتهك الحقوق الأساسية للسجناء، وفق منظمة حقوق الإنسان في إيران ومنظمة العفو الدولية.

الناجون وثّقوا دخول عناصر ملثمين وموظفين بملابس مدنية، وقيامهم بهجمات بالهراوات واللكم والركل، وسحب سجناء مكبّلين عراة إلى مواقف خارجية ثم نقل البعض إلى مركبات وعمليات فصل انتهت بإعدامات سريّة لاثنين من المعتقلين السياسيين، الشهادات تذكر أسماء مسؤولين وقيادات أمنية شاركت أو أشرفت على الاقتحام، وتصف استخدام الإهانات الجنسية كأداة إذلال وترويع، ووصف الشهود بعض الحوادث بأنها انتقام صريح من حملات احتجاجية سلمية داخل السجن ضد الإعدامات، واعتبروا ما حصل تحذيراً موجهًا لباقي السجناء السياسيين. 

بين التعذيب والمحاكمات المختصرة

المنظمات الحقوقية الدولية التي تابعت القضية تشير إلى نمط متكرر من استغلال اعترافات يُقال إنها انتزعت داخل السجون تحت التعذيب أو التهديد، محاكمات سريعة أُجريت في جلسات مغلقة، وحرمان من الوصول إلى محامٍ وتمييع ضمانات العدالة الأساسية قبل إصدار أحكام بالإعدام، مؤكدة أن هذه الممارسات تخالف المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وتضع الشهادات الميدانية في سياق تعدٍّ ممنهج على كرامة وبينة القانون. 

ما حدث في قزل حصار جاء في سياق موجة أوسع من الإعدامات في إيران هذا العام، وتشير منظمات حقوقية دولية إلى أرقام مقلقة، فالأمم المتحدة رصدت مئات حالات تنفيذ إعدام خلال النصف الأول من 2025، ودعت إلى وقف فوري للإنفاذ الرأسمالي للعقوبة، من جهتها نسبت منظمة العفو الدولية ووثائق ميدانية تنفيذ مئات أحكام إعدام سرية وزيادة في استخدام تهم فضفاضة مثل "الإفساد في الأرض" أو "المحاربة مع الله" لانتزاع أحكام قاسية ضد معارضين.

التاريخ الحديث لإيران يحتوي فصولاً قاتمة حول إعدام سجناء سياسيين، أبرزها مجازر 1988 التي وثّقت منظمات حقوقية بأنها شملت إعدامات سرية على نطاق واسع للسجناء السياسيين، ذلك التاريخ لا يزال ذا وقع لدى عائلات الضحايا والنشطاء، ويعيد المخاوف من تكرار عمليات إخفاء وتنفيذ أحكام خارج رقابة قانونية مستقلة عندما تتفاقم الضغوط السياسية والأمنية. 

ردود فعل حقوقية وأممية

ركزت منظمات حقوقية دولية على مطالب متكررة تشمل إجراء تحقيق دولي ومستقل، ووقفاً فورياً للإعدامات، وحماية السجناء السياسيين، وإتاحة وصول مستقل لمنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الطبية إلى المؤسسات العقابية. 

ودعا مركز حقوق الإنسان في إيران والعديد من الهيئات الأممية إلى اعتبار شهادات القزل حصار دليلًا يستدعي تحركًا عاجلاً، بينما طلبت حركات دولية تفعيل آليات محاسبة سواء من خلال دعاوى جنائية وطنية في دول أخرى تحت مبدأ الولاية القضائية العالمية أو عبر الضغوط السياسية والدبلوماسية. الأمم المتحدة بدورها طالبت بوقف تنفيذ الأحكام وإجراء تحقيقات شفافة.

وتفرض قواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان حماية أساسية للمحتجزين، بما في ذلك الحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية، والحق في محاكمة عادلة. قواعد نيلسون مانديلا (المعايير الدنيا لمعاملة السجناء) والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها دول عدة تشكل معيارًا مرجعياً لتقييم ما إذا كانت الدولة التزمت بالتزاماتها، وما تُشير إليه الشهادات من تعذيب وإصدار أحكام دون ضمانات يشير إلى خروق واضحة تستدعي مساءلة جنائية وإدارية. 

تداعيات إنسانية طويلة المدى

انتشار ممارسات الإعدام السري والتعذيب يترك آثاراً تتجاوز الضحايا المباشرين إلى عائلات وأوساط مجتمعية كاملة تتضمن ترويع نسيج المجتمع المدني، وإحباط أي مشروع مصالحة أو إعادة إدماج، ودفع مزيد من الناشطين للاختفاء أو الهروب، وتكريس ثقافة الإفلات من العقاب، وهذا المناخ يضعف أي أفق إصلاحي داخلي ويعزل المجتمع الإيراني عن حلقات التعاون الدولي في مجالات العدالة والحقوق. 

الخطوات التي تطالب بها منظمات حقوقية وخبراء قابلة للتطبيق على المستويين الدولي والوطني تشمل إطلاق تحقيق دولي مستقل تحت إشراف أممي مع ضمان وصول محققين إلى أماكن الاحتجاز، وفرض وقف فوري للتنفيذ وإمكانية فرض آليات حماية طبية وقانونية للسجناء، وتوثيق الأدلة بشكل منهجي لحماية إمكانيات المساءلة لاحقًا، ودعم برامج حماية لعائلات الضحايا، وتشجيع دول على استخدام آليات الولاية القضائية العالمية لمقاضاة المسؤولين عن جرائم التعذيب أو الإعدام التعسفي، كما تطالب منظمات بالإطلاق الفوري لحماية الشهود والمحامين العاملين في قضايا معتقلي الرأي

وتشكل الواقعة في قزل حصار نقطة انعطاف في سجل طويل من انتهاكات حقوق السجناء في إيران، من العزل والتعذيب إلى أحكام الإعدام الموجهة سياسياً، والأرقام الدولية تشير إلى زيادة مقلقة في أحكام الإعدام خلال الأعوام الأخيرة، فيما تؤكد الشهادات الميدانية بأن مناخ الإفلات من العقاب ما زال سائداً. 

ويوفر القانون الدولي أدوات معاييرية (مثل قواعد نيلسون مانديلا والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان) لمساءلة الانتهاكات، لكن تفعيل هذه الأدوات يتطلب إرادة سياسية دولية وتعاوناً أممياً لتأمين تحقيق مستقل وشفاف، وفي غياب هذه الاستجابة يبقى خطر تكرار سيناريوهات القمع والإعدام السري قائماً، مع آثار بشرية وقانونية لا تُمحى بسهولة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية