غزة بين المرض والجوع.. جبهة إنسانية منهارة تحت القصف والحصار
غزة بين المرض والجوع.. جبهة إنسانية منهارة تحت القصف والحصار
يشهد قطاع غزة اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه المعاصر، إذ تتداخل أزمتان كارثيتان: انهيار شبه كامل للنظام الصحي، وتفاقم الجوع وسوء التغذية إلى مستويات غير مسبوقة، الحرب المستمرة منذ أشهر، والحصار المشدد على دخول الغذاء والدواء، تركا أكثر من مليوني إنسان في مواجهة خطر الموت جوعاً أو مرضاً، فيما تتصاعد التحذيرات من المنظمات الأممية والحقوقية على حد سواء.
نصف النظام الصحي خارج الخدمة
وفق بيانات منظمة الصحة العالمية، يعمل أقل من نصف المستشفيات في غزة، وأقل من 38% من مراكز الرعاية الأولية، وغالبها بشكل جزئي أو في مستويات دنيا من الخدمة. وصلت مخزونات 52% من الأدوية و68% من المستلزمات الطبية إلى الصفر، في حين تزداد الضغوط على المنشآت الصحية بسبب العدد الكبير من الجرحى، خاصة في مناطق توزيع الغذاء التي تعرضت لهجمات أودت بحياة ما لا يقل عن 1655 شخصاً وأصابت أكثر من 11800 منذ أواخر مايو.
الأوضاع تتفاقم مع انتشار أمراض خطِرة مثل التهاب السحايا ومتلازمة غيلان باريه، حيث سُجلت 452 حالة مشتبهاً بها من التهاب السحايا و76 حالة من غيلان باريه خلال أسابيع قليلة، وسط نقص كامل في الأدوية الحيوية اللازمة للعلاج، وتزيد أوامر الإجلاء المتكررة التي تشمل مناطق تضم مستشفيات ومراكز إسعاف من تعطيل الخدمات الطبية، فيما يواجه المسعفون الدوليون عقبات كبيرة في الوصول، وتتأخر أو تُرفض شحنات الإمدادات الحساسة كأجهزة العناية المركزة ومعدات التخدير.
أرقام الوفيات تكشف مأساة غير مسبوقة
أزمة الغذاء في غزة بلغت مستوى حرجاً غير مسبوق. برنامج الأغذية العالمي حذر من أن الجوع وسوء التغذية وصلا إلى أعلى معدلاتهما منذ بداية الصراع في أكتوبر 2023، وزارة الصحة في غزة أكدت وفاة 227 شخصاً، بينهم 103 أطفال، بسبب سوء التغذية منذ ذلك الحين.
تقارير منظمة الصحة العالمية تكشف أن أكثر من 11 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، منهم نحو 2500 في حالة سوء تغذية شديد، في حين توفي 99 شخصاً في يوليو وحده بسبب الجوع، بينهم 35 طفلاً، وتضاعفت معدلات سوء التغذية في مناطق واسعة، وتجاوزت المؤشرات في مدينة غزة الحدود القصوى التي يصنفها المجتمع الدولي كمستوى مجاعة، ما يضع نحو نصف مليون شخص على حافة الموت جوعاً.
الحصار على المساعدات
على الرغم من إدخال 80 شاحنة إمدادات طبية منذ يونيو، فإن هذه الكميات لا تقترب من الحد الأدنى المطلوب لتلبية الاحتياجات الإنسانية، وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الإجراءات البيروقراطية والقيود الأمنية تؤدي إلى تأخير أو رفض العديد من الشحنات. المعابر الرئيسية تبقى مغلقة أو تخضع لقيود صارمة، ما يحول دون وصول المساعدات بالكميات والسرعة اللازمة.
المتحدث باسم الأمم المتحدة أكد أن تنسيق دخول المساعدات يواجه تأخيرات لساعات وأيام بسبب عدم وضوح مواعيد إصدار التصاريح من السلطات الإسرائيلية، وهو ما يبدد وقتاً ثميناً في ظل حالات طارئة لا تحتمل الانتظار.
أصوات حقوقية غاضبة
المنظمات الحقوقية المحلية مثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومؤسسة الميزان لحقوق الإنسان وثقت الهجمات على المستشفيات ومراكز توزيع الغذاء، ووصفت منع دخول الإمدادات الطبية بأنه عقاب جماعي مخالف للقانون الدولي، ورفعت هذه المنظمات رفعت شكاوى إلى المقررين الخاصين للأمم المتحدة وطالبت بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
أما المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية فقد ذهبت أبعد من ذلك، متهمة إسرائيل باستخدام التجويع سلاح حرب، وهو ما تحظره المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الانهيار الكامل للرعاية الصحية، ودعت لحماية العاملين في المجال الطبي وضمان وصول المساعدات دون إعاقة.
مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أدخل الوضع في غزة كبند عاجل على جدول أعماله، فيما طالبت منظمات الدفاع عن حقوق الطفل بآلية دولية دائمة لضمان حماية الأطفال ومنع تكرار الكارثة.
القانون الدولي أمام اختبار قاسٍ في غزة
الأحداث في غزة تمثل تحدياً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يفرض على أطراف النزاع حماية المدنيين وتوفير احتياجاتهم الأساسية. استهداف المرافق الصحية أو تعطيلها ومنع الإمدادات الغذائية والطبية يشكل انتهاكاً واضحاً يمكن أن يرقى إلى جرائم حرب.
التحذيرات الصادرة عن المنظمات الحقوقية والأممية تؤكد أن الوضع يقترب من نقطة اللاعودة، وأن عدم التحرك الفوري سيسجل فشلاً جماعياً للمجتمع الدولي في حماية المدنيين.