انتفاضة النساء.. صدى الحرية يصل إلى القرى النائية في إيران
انتفاضة النساء.. صدى الحرية يصل إلى القرى النائية في إيران
بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" (المرأة، الحياة، الحرية) في إيران، يتواصل الجدل حول أثرها الحقيقي في النساء، ليس فقط في المدن الكبرى حيث تركزت الاحتجاجات، بل أيضًا في القرى والمناطق النائية التي لم تتح لكثير من نسائها فرصة المشاركة الجسدية في الشوارع.
السؤال الذي يطرح نفسه.. هل يكفي الحضور الميداني في الحركات الاجتماعية، أم إن المشاركة الفكرية والأيديولوجية قادرة بدورها على صناعة التغيير؟
الانتفاضة، التي انطلقت شرارتها ردّاً على القمع الممنهج بحق النساء، تحولت إلى ثورة فكرية ونسوية عابرة للطبقات الاجتماعية، والأعراق، والثقافات.
غير أن التجربة على أرض الواقع تكشف تنوعًا في أشكال الانخراط، حيث وجد كثير من النساء في القرى أنفسهن جزءًا من الحركة، رغم بعد المسافة عن ميادين الاحتجاج، عبر تبني شعارها وفلسفتها في حياتهن اليومية.
الحرية حلم جماعي
شرارة أحمدي، البالغة 34 عامًا من إحدى قرى منطقة جاورود، تمثل نموذجًا لآلاف النساء اللواتي وُئدت طموحاتهن التعليمية بفعل القيود الاجتماعية.
لم يُسمح لها بمغادرة القرية إلا نادرًا، لتتوقف دراستها عند المرحلة الثانوية، لكن لقاءها الأول بشعار "Jin Jiyan Azadî" كان نقطة تحول.
تقول: "كان لهذا الشعار وقع غريب، كأنه صوت من بعيد يذكرني بمكاني الحقيقي، يدعوني لكسر كل القيود التي كانت تلف عنقي.. كنت عطشى لهذا النضال".
الانتماء بلا حضور ميداني
بالنسبة لشرارة، لم يكن الحضور الميداني شرطًا للشعور بالانتماء، فقد وجدت نفسها في كل امرأة كانت تصرخ في الشارع أو تعتقل أو تُقتل.
ومع أن الانتقال إلى المدينة كان مستحيلًا في ذروة الاحتجاجات، فإن المشاركة الفكرية والوجدانية كانت بالنسبة لها شكلًا أصيلًا من أشكال النضال.
حتى إن الشعار، كما تقول، أحدث تحولًا في بعض رجال قريتها، إذ أصبحوا أكثر تقبلًا لحرية النساء، وإن كان الطريق ما يزال طويلًا.
النضال الريفي وجه للشجاعة
من نفس القرية، تروي مستورة أحمدي، 55 عامًا، قصة مختلفة ولكنها تحمل نفس الجذور، لم تتعلم في طفولتها لغياب المدارس، لكنها اليوم، بمساعدة بناتها، تتعلم القراءة والكتابة إلى جانب عملها في الحياكة وصناعة الحلي ونسج السجاد، تؤكد أن المرأة الريفية تواجه استبدادًا أكبر من المرأة في المدينة.
وتقول: "لا يمكن اعتبار نساء المدينة وحدهن مناضلات.. حرية المرأة حق لكل النساء، مهما اختلفت مطالبهن وظروفهن".
بالنسبة لمستورة، تتداخل هموم المرأة الريفية بين الأسرة والأرض والزراعة، لكن ذلك لا ينتقص من رغبتها في تعليم بناتها ومنحهن فرصًا أوسع من جيلها.
بفخر تتحدث عن نجاحها في مواجهة معارضة بعض رجال العائلة لسفر بناتها للدراسة الجامعية، مؤكدة أن الانتفاضة منحتها القوة لمقاومة القيود: "هذه الانتفاضة كانت لنا أكثر من أي أحد آخر؛ نحن اللواتي تعرضن للظلم من الأسرة والمجتمع والحكومة.. نشعر بانتماء أعمق إليها ولا زلت أشعر بقوتها في داخلي".
الثورة تتجاوز الجغرافيا
قصتا شرارة ومستورة تكشفان أن انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" لم تكن حكرًا على المدن ولا على طبقة اجتماعية محددة، بل حملت رسالة الحرية إلى أبعد القرى، حيث وُجدت نساء قادرات على تحويل الشعار إلى فعل مقاومة يومي، سواء عبر التعليم الذاتي، أو الدفاع عن حقوق بناتهن، أو حتى تغيير بعض المواقف الذكورية في محيطهن.
بعد ثلاث سنوات، لا تزال الانتفاضة تترك أثرها في الوعي النسوي الإيراني، حيث لم يعد الصمت خيارًا حتى في المناطق البعيدة عن الأضواء. فالحرية، كما أثبتت هذه القصص، يمكن أن تبدأ من فكرة، وتكبر لتصبح واقعًا، مهما كانت المسافة عن ميدان الاحتجاج.