تسليح القبائل وفرق تسد.. كيف تغذي الميليشيا الحوثية النزاعات القبلية وتنكّل بحقوق الناس؟
تسليح القبائل وفرق تسد.. كيف تغذي الميليشيا الحوثية النزاعات القبلية وتنكّل بحقوق الناس؟
في مناطق خاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي في اليمن تحوّلت نزاعات قبلية تقليدية إلى موجة عنف متجددة تفرق بين المجتمعات وتدفع عشرات الضحايا إلى العزل أو النزوح، ما كان يمكن أن يبقى نزاعاً محلياً تقليدياً أصبح ساحة لاستثمار الميليشيا في الولاءات والانتقام، عبر تسليح أطراف، ودعم قادة محليين، وخلق وقائع أمنية تُبرر مزيداً من السيطرة القسرية لتكون النتيجة تصاعد القتل والجرح والاختطاف، وزيادة موجات النزوح، وعرقلة وصول المساعدات إلى من هم بأمسّ الحاجة إليها.
كيف تستفيد الميليشيا من الخلافات القبلية
تعمل استراتيجيات الميليشيا على تحويل الخلافات القبلية في اليمن إلى أداة سياسية عبر تسليح مجموعات محددة، ودفع قيادات محلية للانخراط العسكري، وخلق شبكات امتيازات تمنح أتباعها موارد ومواضع قوة، وتشير تقارير ميدانية وتحليلات محلية إلى هجمات واعتقالات واستبدال زعامات قبلية بأخرى موالية للحوثيين في محافظات مثل عمران وصنعاء والجوف وذمار، وهو ما يكرّس تآكل الوساطات القبلية التقليدية ويقوّي منطق الانتقام والثأر، وهذا الانحراف من دور القبيلة كضامن مجتمعي إلى طرف في تنازع مسلّح يغيّر قواعد اللعبة تماماً.
قتلى وجرحى ونزوح وانهيار الحماية
النتيجة المباشرة لهذه السياسة هي ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى وحالات الاختطاف، إضافة إلى دفع الأسر لترك قراها هرباً من العنف أو التجنيد الإجباري، فاليمن في 2025 يواجه أزمة إنسانية هائلة، تتمثل في نحو 19.5 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وحماية، كما يصل عدد المشردين داخلياً إلى مستويات مرتفعة تقارب 4.8 مليون شخص، في ظل عجز متزايد عن توفير الحماية الأساسية والخدمات، وتفاقم النزاعات القبلية هذه الأرقام وتزيد من معاناة فئات ضعيفة كالنساء والأطفال وكبار السن.
انتهاكات حقوقية مرتبطة بالاستراتيجية الحوثية
إلى جانب القتل والنزوح، وثّقت منظمات حقوقية وأممية ممارسات انقضت على حرية التعبير والعمل المدني في اليمن منها اعتقالات تعسفية، واحتجاز موظفين أمميين ومنظمات محلية، وتضييق على الأعمال الإنسانية، وتجريف للمثقفين والناشطين، كما تفيد تقارير بأن الحوثيين زادوا من تجنيد الأطفال والاعتماد على فئات شبابية في شبكات القتال، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب في ضوء القوانين الدولية بحسب هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي ودعاة أمميون وثّقوا الحملة القضائية والاعتقالات ضد العاملين الإنسانيين وناشدوا للإفراج الفوري عن المختطفين ورفع القيود على وصول المساعدات، وكرر مجلس حقوق الإنسان والأجهزة الأممية ضرورة حماية المدنيين وضمان المساءلة عن الانتهاكات.
الإطار القانوني
القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان يضعان التزامات واضحة على أي سلطة مسيطرة بشأن حماية المدنيين، الامتناع عن العمليات التي تُحفّز الفصل الطائفي أو القبلي، منع التجنيد القسري، وتسهيل وصول المساعدات، كما أن تجنيد الأطفال والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري قد تُشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية عندما تكون منهجية وممنهجة، ويعد أي تشجيع على العنف القبلي أو تسليح فصائل محلية انتهاكاً للالتزامات الدولية التي تفرض على الأطراف ضمان سيطرة مدنية وقانونية لا تحوّل المجتمع إلى ساحة تصفية حسابات.
دور الدعم الإقليمي وتأثيره على ديناميات الصراع
تعزيز قدرات الميليشيا عبر دعم خارجي أو علاقات إقليمية يزيد من قدرة الحوثيين على التأثير في خريطة القبائل وتوظيفها، وقد تحدثت تقارير خبراء أمميين ومراكز بحثية عن ترابط بين تحوّل بنى القوة داخل اليمن ودعم خارجي يعكس شقاً أوسع من المنافسات الإقليمية، ما يجعل أي حل محلي للفتنة القبلية محفوفاً بتعقيدات تتجاوز حدود اليمن.
توصيات واقعية لحماية الإنسان والمجتمع
توصي المنظمات الحقوقية بالضغط الأممي والحقوقي الفوري لوقف تسليح وتوتير القبائل، ومطالبة الحوثيين بإنهاء التدخلات التي تغذي النزاع، وإطلاق سراح المحتجزين ورفع القيود عن العاملين الإنسانيين كي يتسنّى تقديم خدمات الحماية، ووضع برامج عاجلة لوقف تجنيد الأطفال وإعادة تأهيلهم، وبرامج دعم نفسية واجتماعية للمجتمعات المتضررة، إلى جانب وضع مسارات شرطية وقضائية محلية ودولية للتحقيق في جرائم الحرب الموثقة، مع آليات حماية للشهود والناجين.
تغذية النزاعات القبلية من قِبل ميليشيا الحوثي ليست مجرد مسألة أمنية محلية بل استراتيجية منظّمة لها ثمن إنساني واجتماعي طويل الأمد، وكل رصاصة تُطلقها هذه السياسة تقطع شبكة أمان اجتماعي تاريخية وتحشر اليمن في دوامة من الانتقام والهشاشة، حماية المواطن اليمني اليوم تتطلب مزيجاً من ضغوط سياسية دولية؛ تدخل إنساني فوري، وبرامج مبنية على تعزيز المصالح المشتركة للمجتمعات المحلية لتفكيك منطق التسليح والانتقام، ومن دون ذلك، ستستمر القبيلة كأداة نزاع بدلاً من أن تكون ضامنَة لاستقرار المجتمع.
القبيلة في اليمن تاريخياً كانت بنية اجتماعية وسياسية توازن بين السلطة المركزية والمجال المحلي، ومنذ 2014 وتحوّل النزاع إلى مواجهة مسلحة واسعة، حاولت فواعل عدة استغلال الانقسامات القبلية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، ووثقت تقارير مراكز بحثية وأمنية كيف حوّل الحوثيون التسلّط على مؤسسات محلية إلى وسيلة للسيطرة عبر استبدال زعامات وفتح قنوات تسليح وتحالفات، مما أدى إلى بروز نزاعات قبلية في محافظات متعددة، في الوقت نفسه، تتراجع قدرة المجتمع المدني والمنظمات الدولية على الحماية بسبب الاعتقالات وقيود العمل الإنساني، بينما تتزايد الحاجة إلى حلول مبنية على المصالحة المحلية والعدالة الانتقالية.