أموال الحرب والجوع.. اتهامات الإرياني تكشف اقتصاداً موازياً يقوّض الحقوق في اليمن

أموال الحرب والجوع.. اتهامات الإرياني تكشف اقتصاداً موازياً يقوّض الحقوق في اليمن
ميليشيا الحوثي

جاءت اتهامات وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الأخيرة بأن ميليشيا الحوثي نهبت أكثر من 103 مليارات دولار منذ انقلابها في 2014 صاعقة من نوع خاص.. ليس فقط لأنها رقم ضخم، بل لأنها تربط بين الثراء الكبير لقيادات مسلحة، ومعاناة الملايين اليمنيين الذين يقفون على حافة المجاعة، هذه الاتهامات تضع أمام المجتمع الدولي سؤالًا عمليًا؛ هو ماذا لو كانت شبكات السيطرة الاقتصادية والنهب والتهريب والتشديد على موارد الدولة جزءًا من استراتيجية قادرة على تحويل الأزمة الإنسانية إلى سلاح سياسي؟

في تصريحات متكررة ومنشورات حملت عنوان "الاقتصاد الموازي"، اتهم الإرياني قيادات الحوثي بتركيز ثروات هائلة في الداخل والخارج؛ استثمارات عقارية، شركات نفط وغاز، استحواذ على الاتصالات، وتحويل مساعدات إنسانية، مبدياً أن هذه الأموال لم تُنفق على مرتبات أو خدمات عامة بل على تمويل الحرب وتوسيع شبكات النفوذ، وهنا يجب التعامل مع هذه التصريحات بوصفها اتهامات رسمية تُضاف إلى ملف طويل من تقارير دولية عن سلوك الميليشيا، لكنها أيضًا دعوة لفحص مستقل للأرقام والوجهات المالية. 

تقارير المنظمات الدولية

خلاصة تقارير فريق الخبراء المعتمدة من مجلس الأمن تُشير إلى أن الحوثيين في اليمن استغلّوا عناصر البنية الاقتصادية من تحصيل رسوم وضرائب على موانئ وتدفّقات الوقود، واحتكار فعلي لسوقات محلية، وفرض رسوم غير رسمية تُدرّ مليارات الريالات، كما وثّق تقرير خبراء الأمم المتحدة جهودًا ممنهجة للاحتكام إلى موارد جمركية وقطاعية أسهمت في تغذية آلة الحرب.

وتبيّن أن عائدات قطاع وقود واحد قد تقدر بمليارات الدولارات خلال فترات محددة، ما يفسر جزئيًا قدرة الميليشيا على تمويل عملياتها واعتمادها على شبكات تجارية خارجية، هذه الأدلة دفعت الولايات المتحدة ومؤسسات أخرى مؤخراً لفرض عقوبات على شبكات تهريب وتجارة نفط مرتبطة بالحوثيين وفق الأمم المتحدة.

بينما تُحصَّل العوائد، تتسع فجوة الاحتياجات الإنسانية، ففي 2025 قالت الأمم المتحدة إن نحو 19.5 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات وحماية -وهو رقم لم يشهد تراجعًا- فيما تتحدث وكالات الغذاء عن ملايين مهددين بسوء التغذية الحاد، مع ارتفاع أعداد الفئات في مرحلة الطوارئ، الجمع بين تحويل الموارد والعرقلة المتكررة لوصول المساعدات يضاعف معاناة المدنيين ويحوّل المساعدات إلى رهن تفاوضي وسياسي بدلاً من أن تكون شريان حياة محايداً. 

انتهاكات موثقة

تواجه عمليات الإغاثة في مناطق سيطرة الحوثي عراقيل متكررة منها: تعطيل توزيع المساعدات، مصادرة أصول مكتب مفوضية حقوق الإنسان، واحتجاز موظفي الأمم المتحدة ومنظمات محلية ودولية، إضافة إلى إجراءات تهدد حرية العمل الإنساني.

وقد رصدت منظمات حقوقية حوادث اعتقال وتعسف أثّرت مباشرة في قدرة المنظمات على العمل وحماية المدنيين، فيما تحولت بعض الموانئ إلى نقاط دخول لتوريد وقود وتحكّم تجاري، تُسجّل أمام المراقبين بوصفها عناصر تمويل للميليشيا، وفق "هيومن رايتس ووتش".

من أين تأتي الموارد؟

أدت سلسلة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر إلى رد دولي واسع ونشاطات اقتصادية وعسكرية تهدف إلى قطع مسارات التمويل. الإجراءات العقابية الأخيرة من وزارة الخزانة الأمريكية وصياغات تقارير صحفية تكشف عن شبكات استخدمت الإمارات وموانئ أخرى لتوريد وقود وإيرادات تُعيد توجيهها للميليشيا، ما دفع واشنطن لفرض عقوبات على كيانات وأفراد متورطين في تجارة وقود مرتبطة بالحوثيين، هذه الإجراءات تؤكد أن هناك قنوات مالية ملموسة يمكن تتبعها وربطها بما يُنفق على العمليات العسكرية واللوجستيات.

الإطار الدولي يحظر تجويع المدنيين واستخدام التجويع وسيلة حرب، وتعتبر المعاهدات والاتفاقيات واجبة التطبيق مثل قواعد القانون الدولي الإنساني، إضافة إلى قرارات مجلس الأمن (مثل القرار 2417) أن استهداف الغذاء أو عرقلة الإغاثة عمداً قد يرقى إلى جرائم حرب، كذلك تُجرّم اتفاقات دولية النهب والنهب المنظم للأموال العامة خلال النزاع، لكن تحويل هذه النصوص إلى مساءلة فعلية يتطلب تحقيقات جنائية مستقلة، توثيقًا محكمًا لسلاسل التمويل، وإرادة دولية لحماية الشهود وملاحقة الشبكات عبر آليات تمويلية ومالية دولية.

توصي المنظمات الحقوقية والإنسانية بإجراء تحقيق مستقل ومحايد بقيادة أممية لرصد مسارات الأموال وتوثيق حالات مصادرة المساعدات واحتجاز العاملين، وكذلك تجميد أصول وملاحقة شبكات التهريب عبر التعاون بين البنوك المركزية والدولية وفتح قنوات تبادل معلومات استخباراتية مالية، وإلزام الحماية الفورية للممرات الإنسانية وحصر توزيع المساعدات تحت رقابة دولية وشراكات محلية موثوقة.

كما أوصت بتكثيف الضغوط الدبلوماسية لوقف تحويل موارد مرتبطة بعمليات تجارية إلى تمويل عسكري، مع حزم عقوبات تستهدف الوسطاء وليس المدنيين، إلى جانب دعم عاجل للإنقاذ الغذائي والطبي لوقف نزيف الأرواح ومنع تفجر مجاعة يمكن تفاديها بتدبير فوري للتمويل والوصول. 

بين الإثبات والمساءلة 

اتهامات معمر الإرياني وضعت شرارة جديدة في ملف طويل من الانتهاكات الاقتصادية والإنسانية، لكن ما يهمّ اليمنيين الآن هو أن تتحول هذه الاتهامات إلى أدوات تحقيق جادّة وقابلة للتنفيذ، وأدلة مالية، ومسارات تجارية، وتجميد أصول، وإرادة دولية لحماية المدنيين وإيصال المساعدات. 

كما أن فشل المجتمع الدولي في ربط الموارد بالمساءلة يعني أن الحرب ستستمر تُموَّل من جيوب اليمنيين، وأن ثروات بلادٍ دُمرت ستبقى وقودًا لصراع يُنهي ما تبقّى من أمن غذائي وصحي لشعب دفع ثمن الصراع بأغلى ما لديه وفق "أوتشا".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية