نهر كارون.. شريان الحياة في إيران يواجه الجفاف

نهر كارون.. شريان الحياة في إيران يواجه الجفاف
نهر كارون في إيران - أرشيف

على امتداد نحو ألف كيلومتر، شكّل نهر "كارون" لعقود شريان الحياة في إقليم خوزستان جنوب غربي إيران، لكن النهر الذي طالما ارتبطت به الزراعة وصيد الأسماك والملاحة، يقف اليوم على أعتاب كارثة بيئية وإنسانية غير مسبوقة. 

تدفّقه المائي تراجع بشكل حاد، أجزاء من مجراه جفّت، روائح كريهة تنبعث من مياهه الراكدة، وأهوار كانت ملاذًا للطيور المهاجرة تحوّلت إلى أراضٍ متشققة، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الجمعة.

يرى خبراء البيئة أن التغير المناخي ليس سوى جزء من المشكلة، في حين تكمن الأزمة في سوء الإدارة، ويقول علي أروحَي، المتخصص في النظم البيئية الرطبة، إن بناء سدود ضخمة مثل "كارون 3" و"غتوند"، ومشاريع نقل المياه إلى محافظات وسط البلاد، إضافة إلى زراعة محاصيل شرهة للمياه مثل قصب السكر والأرز، كلها عوامل أضعفت النهر.

ويضيف: "كان تصريف كارون يتراوح بين 500 و600 متر مكعب في الثانية، لكنه في بعض الأشهر انخفض إلى أقل من 100 متر مكعب، وهذا رقم كارثي".

الملوحة المتزايدة في المياه بفعل تراكم الأملاح في خزان "غتوند" ضاعفت من تدهور الوضع، لتتحول مياه النهر إلى خطر على الزراعة والحياة المائية على حد سواء.

بيئة تنهار

التراجع الحاد في تدفق المياه ترك آثاره مباشرة على النظم البيئية، نسبة الأوكسجين المذاب انخفضت، ما أدى إلى نفوق الأسماك واللافقاريات.. انتشار الطحالب والبكتيريا اللاهوائية يخلق روائح كريهة ويغيّر طبيعة المواطن البيئية.

ويحذر أروحَي من أن غاز كبريتيد الهيدروجين الناتج عن تحلل المواد العضوية "قد يسبب مشكلات تنفسية وصداعًا للسكان القاطنين قرب النهر"، في حين أن التلوث المائي "يفاقم الأمراض الهضمية والمعدية".

الأهوار الشهيرة مثل شادكان والحويزة، التي طالما استقبلت أسراب الطيور المهاجرة، باتت مهددة بالجفاف والتلوث، ما يعني خسارة تنوّع بيولوجي نادر.

أثر إنساني واجتماعي

الأزمة لم تتوقف عند حدود البيئة. في القرى الزراعية على ضفاف كارون، اضطر عدد من الفلاحين إلى مغادرة أراضيهم بعد أن تحولت التربة إلى أرض مالحة قاحلة. مربو الماشية فقدوا مصدر رزقهم، ما أدى إلى موجات نزوح داخلية صامتة.

إحدى العائلات في خوزستان، بحسب شهادات محلية، لم يعد أمامها سوى بيع مواشيها القليلة بعدما جفّت قنوات الري، في حين لجأ الشباب إلى المدن بحثًا عن عمل، تاركين كبار السن وحدهم في قرى تتلاشى.

ويغيّر هذا النزوح البنية الديموغرافية للمنطقة ويعمّق التوتر الاجتماعي. ومع انخفاض الإنتاج الزراعي، يزداد الاعتماد على استيراد الغذاء، ما يهدد الأمن الغذائي ويزيد الضغط الاقتصادي.

عواصف وصحة مهددة

إلى جانب فقدان المياه، يحذر الخبراء من أن جفاف الأهوار سيحوّلها إلى بؤر لإنتاج العواصف الغبارية، التي سبق أن ضربت مدن خوزستان في السنوات الأخيرة، وترفع هذه العواصف معدلات أمراض الجهاز التنفسي وتزيد من معاناة المستشفيات المكتظة أصلًا.

ويؤكد المتخصصون أن الحل يبدأ بإعادة النظر في سياسات المياه. المطلوب الانتقال من إدارة قائمة على الاستهلاك المفرط إلى إدارة مستدامة، وضمان "الحق المائي" للنهر والأهوار، أي حصول كارون على الحد الأدنى من التدفق الذي يحافظ على توازنه البيئي.

لكن غياب الإرادة السياسية، وتضارب المصالح بين الأقاليم، قد يحول دون أي إصلاح سريع. وهنا تكمن خطورة المشهد: كل يوم تأخير يضعف فرص إنقاذ النهر.

أزمة "كارون" ليست مجرد قضية محلية. إنها مرآة لفشل حوكمة المياه في إيران عمومًا، حيث تتكرر مشكلات مشابهة في أهوار الأحواز وبحيرة أرومية، وإذا لم تُعالج جذور المشكلة، فإن "شريان خوزستان" قد يتحول إلى بؤرة دائمة للأزمات، بيئية واجتماعية على حد سواء.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية