بعد ممارسات خاطئة.. البصمة الحية تثير جدلاً حول الخصوصية وحرية التجمع في بريطانيا

بعد ممارسات خاطئة.. البصمة الحية تثير جدلاً حول الخصوصية وحرية التجمع في بريطانيا
تقنية البصمة الحيوية

تتصدر تقنية التعرف المباشر على الوجه المعروفة بالبصمة الحية واجهة الجدل الحقوقي في المملكة المتحدة مع حصول لجنة المساواة وحقوق الإنسان على إذن بالتدخل في مراجعة قضائية تطعن في قانونية سياسات شرطة العاصمة لندن، حيث تتركز القضية حول مطابقة خاطئة أدت إلى احتجاز عامل مجتمعي أسود البشرة، وتعيد فتح نقاش أوسع حول توازن إنفاذ القانون مع حقوق الخصوصية وحرية التعبير والتجمع، في وقت تواصل فيه الشرطة الإشارة إلى نجاحات تشغيلية موثقة للأداة في الفعاليات الجماهيرية.

القصة بدأت وفقا لما أورده موقع “بيوميتريك” البريطاني الثلاثاء، عندما أظهر نظام البصمة الحية تطابقا خاطئا مع وجه شون طومسون أثناء عمله الميداني في مكافحة جرائم السكاكين، ليُحتجز قبل أن يتضح الخطأ. حصل طومسون على إذن من المحكمة العليا لرفع دعوى بمساندة منظمة بيغ براذر ووتش.

بينما أعلنت لجنة المساواة وحقوق الإنسان تدخلها لتقديم مذكرات وخبرات تفيد بأن سياسات الشرطة البريطانية الحالية قد لا تتوافق مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ولا سيما الحقوق في الخصوصية وحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.

ميزان الضرورة والتناسب 

في قلب النزاع أسئلة قانونية دقيقة حول متى وكيف يجوز تشغيل تقنية البصمة الحية، وتؤكد لجنة المساواة وحقوق الإنسان ضرورة وجود قواعد واضحة تضمن استخدام التقنية فقط عند الضرورة وبشكل متناسب وبضمانات فاعلة، وهو ما تقول إن سياسات الشرطة الحالية لا تحققه بالكامل. 

هذا المعيار مشتق من التزامات بريطانيا بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان كما تطبقها المحاكم المحلية من خلال قانون حقوق الإنسان لعام 1998. بالمقابل تشير الشرطة إلى تحديثات تقنية وإجرائية ورفع عتبات المطابقة سعيا لخفض الأخطاء.

وسبق لمحكمة الاستئناف في إنجلترا وويلز عام 2020 أن قضت بأن نشر شرطة جنوب ويلز للتعرف على الوجوه في الشوارع كان غير قانوني آنذاك لأسباب شملت قصورا في التوجيهات والشفافية وتقييم الأثر على حماية البيانات، مع تأكيدها المبدئي لإمكان استخدام التقنية في إطار قانوني صارم وقابل للمراجعة، وشكل ذلك الحكم علامة فارقة أرست واجبات أوضح على الشرطة في ما يتصل بالتقييمات المسبقة والحد من التمييز والضمانات الرقابية.

على الجانب التشغيلي تشير شرطة العاصمة إلى نتائج ملموسة، فخلال كرنفال نوتينغ هيل في أغسطس أعلنت عن 528 عملية توقيف في الحدث، بينها 61 جاءت بعد تنبيه من البصمة الحية، مع الإشارة إلى مساعدة التقنية في تحديد قرابة مئة شخص مهم وسط حشود ضخمة، وتعد هذه الأرقام أحد أبرز الاستشهادات بشرعية الأداة من منظور الفاعلية، في المقابل يلفت محللون حقوقيون إلى أن مكاسب الضبط يجب أن تُوزن بخطر التوسع المفرط والأخطاء في البيئات المكتظة وقوائم المراقبة الكبيرة.

تجربة جنوب ويلز

تقدم شرطة جنوب ويلز تجربة أخرى لافتة، فبعد أعوام من النشر الميداني تقول إنها لم تسجل اعتقالات خاطئة على الرغم من أكثر من 80 عملية نشر للبصمة الحية، وإن التعرف الارتدادي على الوجوه عبر مراجعة لقطات كاميرات المراقبة والهواتف وأجراس الأبواب حقق أكثر من عشرة آلاف مطابقة، إلى جانب أسلوب التعرف المبادر من المشغل الذي يلتقط فيه الضابط صورة فورية ويطابقها بقاعدة بيانات محددة، هذه النتائج التقنية لا تنهي الجدل لكنها تغذيه بسؤال جوهري يتعلق بشروط التشغيل والشفافية ومعايير إدراج الأفراد في قوائم المراقبة.

ربما تمثل مسألة الانحياز والتمييز أكبر محفز لاعتراضات الهيئات الحقوقية، حيث يحذر مكتب المفوض الإعلامي البريطاني منذ 2021 من أن استخدام البصمة الحية في الأماكن العامة ينطوي عادة على مخاطر مرتفعة وقد يكون غير قانوني ما لم يتوفر مبرر قوي ومحدد وغرض واضح وتدابير تقليلية دقيقة.

ويثير خبراء قضايا خصوصية إضافية تتعلق بالدقة المتباينة باختلاف الفئات السكانية وبتكلفة الخطأ على الفئات الأقل تمثيلا، ورغم إشادة بعض الجهات بضبط إعدادات المطابقة لتقليل الانحياز، فإن الزيادات الطفيفة في معدلات الخطأ قد تُترجم إلى أعداد كبيرة من الإشارات الخاطئة عند تضخم قوائم المطلوبين.

مواقف المنظمات الحقوقية 

ترى منظمات مثل بيغ براذر ووتش وليبرتي أن التعرف الفوري على الوجوه في الفضاءات العامة يقوض حق الخصوصية ويُحدث أثر رادعا على حرية التجمع، وتستحضر في ذلك أحكام المحاكم وسوابق جنوب ويلز والحاجة إلى أساس قانوني أكثر صرامة، على المستوى الدولي دعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في تقارير متعددة إلى وضع حواجز قوية أمام أنظمة القياسات الحيوية، وصولا إلى الدعوة إلى وقف مؤقت لاستخدام التعرف الفوري عن بعد في الأماكن العامة إلى حين إثبات الدقة وعدم التمييز وامتثال المعايير الصارمة للخصوصية وحماية البيانات. 

هذه الدعوات توسع إطار النقاش من الشرعية الوطنية إلى التوافق مع التزامات حقوق الإنسان الدولية بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

ولا يقتصر الإطار القانوني على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ إذ تستند النقاشات أيضا إلى مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي تحدد واجبات الشركات المطورة والموردة للتقنيات في العناية الواجبة لحقوق الإنسان عبر سلسلة القيمة، كما يظهر في أوروبا اتجاه عام نحو تشديد الشفافية والحوكمة في الأنظمة ذات المخاطر العالية، بينما تقدم تقارير شرطية ومهنية دولية إطارا سياسيا للاستخدام المسؤول يربط بين الضرورة الأمنية والقيود الصارمة على الرصد البيومتري في الفضاء العام. 

ترتبط فاعلية أدوات الشرطة الحديثة بثقة الجمهور بأن استخدامها لا ينتهك الحقوق الأساسية. الذاكرة القضائية لحكم بريدجز وما أعقبه من تحديثات إجرائية، والقضية الراهنة في لندن، وأرقام الاعتقالات في الكرنفال، كلها عناصر تُظهر ساحة متحركة يتجاور فيها التحسين التقني مع أسئلة مشروعة حول التناسب والتدقيق والمساءلة، كما تبرز دعوات برلمانيين محليين إلى ضمانات أوضح عند خطط التوسع في مناطق جديدة، وهو ما يعكس رغبة مجتمعية في الجمع بين مكافحات الجريمة والشفافية.

تداعيات محتملة 

إذا خلصت المراجعة القضائية إلى أن سياسة شرطة العاصمة لا تلبّي متطلبات الضرورة والتناسب فقد نشهد إعادة صياغة إرشادات التشغيل وتعزيز تقييمات الأثر وتضييق قوائم المراقبة وتكثيف المراجعات المستقلة، وقد تُدفع الحكومة إلى توحيد الإطار التنظيمي بين شرطة الأقاليم وتحديث ممارسات النشر في الأحداث الجماهيرية، مع دور أكبر للرقابة البرلمانية والهيئات التنظيمية، أما في السيناريو المقابل فسيظل التحدي قائما لتوثيق المكاسب التشغيلية بأدلة عامة قابلة للتدقيق وتوفير مسارات تظلم فعالة وعلاج سريع للحالات الخاطئة وضمان إخطار الجمهور ومعايير حذف البيانات.

عرفت المملكة المتحدة مسارا مبكرا في اختبار البصمة الحية ميدانيا قياسا بدول أوروبية أخرى، وترافق ذلك مع تحديثات تشريعية متفرقة مثل مدونة كاميرات المراقبة وتوجيهات مهنية من كلية الشرطة، لكن غياب قانون شامل يضبط التعرف الفوري على الوجوه في الفضاء العام أبقى الجدل مفتوحا، وجاء حكم محكمة الاستئناف في جنوب ويلز ليرسم خطوطا أدق، قبل أن تدفع الأحداث اللاحقة مثل الكرنفال الكبير في لندن والتوسع في الأقاليم إلى واجهة النقاش مجددا حول ما إذا كانت منظومة الضمانات تواكب السرعة التقنية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية