من الحد الأدنى إلى السكن والطاقة.. خريطة طريق لحماية حقوق الإنسان في أوروبا

من الحد الأدنى إلى السكن والطاقة.. خريطة طريق لحماية حقوق الإنسان في أوروبا
المجلس الأوروبي

في تقريرها السنوي، ومع نشر مراجعة خاصة بأثر أزمة غلاء المعيشة على الحقوق الاجتماعية، دعت لجنة الحقوق الاجتماعية في المجلس الأوروبي الحكومات إلى رفع سقف الحماية الاجتماعية وتوظيف سياسات تضمن القدرة على تحمل الأساسيات، بدءاً من الأجور وصولاً إلى الطاقة والسكن.

 وأكدت اللجنة في بيان على موقع المجلس، اليوم الاثنين، مجموعة من الإجراءات العملية، من بينها أن يمثل الحد الأدنى الصافي للأجور 60% على الأقل من متوسط الأجر الوطني الصافي، ووضع حدود قصوى لأسعار المواد الغذائية الأساسية، وتوسيع شبكات الإسكان الاجتماعي، ومؤشرات ربط الضمان الاجتماعي بمعدلات التضخم.

وتؤكد مراجعات اللجنة وقرائن المؤسسات الأوروبية أن أزمة غلاء المعيشة لا تعود لسبب واحد بل هي نتيجة تراكم صدمات.. فجائحة كوفيد-19 أعادت تشكيل سلاسل التوريد، ثم جاءت تداعيات الحرب في أوكرانيا لتضغط على أسواق الطاقة والغذاء، في حين سرّعت الضغوط المناخية والتغيرات في الأسواق العالمية من ارتفاع أسعار المواد الأساسية، كما كشفت اللجنة أن السياسات الجزئية المؤقتة التي تبنتها بعض البلدان لم تكن كافية لمعالجة تآكل الأجور والقدرة الشرائية، ما انعكس على فقدان القيمة الحقيقية للأجور وتآكل منافع الضمان الاجتماعي.

مؤشرات تضيف ثقل الأدلة

تصل القفزة في أسعار الغذاء إلى مستوى حادّ أثّر بشدة في الأسر محدودة الدخل، إذ أظهرت بيانات مراجعة لجنة الحقوق الاجتماعية أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في 2023 بمعدل يفوق نمو الأجور بما يزيد على سبع مرات، ما عمّق انعدام الأمن الغذائي لدى الفئات الضعيفة، كما تشير مؤسسات أوروبية أخرى إلى أن نحو 94.6 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي كانوا عرضة لخطر الفقر أو الإقصاء الاجتماعي في 2023، وأن نسبة الأسر التي تواجه صعوبات في تدفئة منازلها بلغت أكثر من 10% في ذلك العام، وهذه مؤشرات تجعل من الأزمة مسألة حقوقية بامتياز لا مجرد تحدٍّ اقتصادي. 

ترتبط تداعيات الأزمة بحقوق أساسية منصوص عليها في الميثاق الاجتماعي الأوروبي: الحق في أجر يكفل حياة كريمة، الحق في حماية اجتماعية فعالة، الحق في السكن المناسب، والحق في مستوى معيشي لائق، وترى اللجنة أن الانحراف عن هذه المعايير لا يندرج ضمن "خيار سياسي" فحسب، بل يثير مساءلة دستورية وإنسانية للدول الأطراف في الميثاق، خصوصاً حين تتخذ التدابير الطارئة طابعًا دائمًا أو تؤدي إلى اتساع الفجوات الاجتماعية، كما سجلت اللجنة نشاطاً واضحاً لإجراءات الشكاوى الجماعية ضد ست دول موقعة، وهو مؤشر على تزايد استخدام الآليات القانونية لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ردود فعل أوروبية ودولية

رحبت هيئات مدنية وهيئات رسمية بتركيز اللجنة على البُعد الحقوقي للأزمة، وقد أعربت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية عن دعمها لتوصيات اللجنة وحثت دول الاتحاد على التزام سياسات تضمن القدرة على الشراء وحماية الفئات الأضعف، مستندة إلى بيانات رسمية عن ارتفاع نسب الفقر وتأثيرات التضخم على الأسر، كما أدرجت وكالات متخصصة في تقاريرها مخاطر تآكل الحقوق الأساسية جراء ازدياد تكاليف الطاقة والغذاء، في حين أكدت منظمات نقابية وحقوقية أهمية ربط الحد الأدنى بالأجور المرجعية والآليات التعاقدية والضمانات الاجتماعية. 

المرجع القانوني لفرض التزامات الدول يأتي من الميثاق الاجتماعي الأوروبي (الإصداران 1961 و1996) ومن تكييف العمل القضائي والتعاوني داخل مجلس أوروبا. واللجنة، بوصفها الجهة المراقبة، ربطت بين إطارات الميثاق والضوابط الوطنية خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد مؤتمرات رفيعة المستوى مثل مؤتمر فيلنيوس الذي أدان تجزئة الحقوق وطلب تعميق الإطار الاجتماعي الأوروبي. كما أن التطورات التشريعية على مستوى الاتحاد الأوروبي، ومنها توجّهٌ لهيكلة حد أدنى مُحكَم للأجور عبر توجيهات ومراجع إرشادية، تشكل خلفية عملية لتطبيق معايير كفاية الأجور. 

خيارات عملية

تعرض مراجعة اللجنة وتوصيات شركائها شريطاً من السياسات المقنعة لاحتواء الأزمة وأضرارها الحقوقية، يمكن تلخيصها وفق محاور عملية متكاملة: ربط الحد الأدنى بمرجعيات واضحة (متوسط/وسيط الأجر) مع آلية تحديث دورية، تعديل نظم الضمان الاجتماعي لمطابقة التضخم بشكل تلقائي، فرض سقوف سعرية مؤقتة على سِلع أساسية مدعومة موجهة للفئات الفقيرة، توسيع الإسكان الاجتماعي وزيادة إعانات السكن، وضوابط على أسواق الطاقة لمنع المضاربة وضمان إمداد مستقر بأسعار معقولة، وتشدد اللجنة على أن هذه التدابير يجب أن تكون مصحوبة بسياسات مالية عادلة وتدابير لتمويل شبكات الحماية الاجتماعية

بينما تَبرُز في بعض الدول مؤشرات تعافٍ نسبي للتضخم، يظل التأثير الهيكلي للأزمة محفوفاً بمخاطر طويلة الأجل على تماسك المجتمعات وقدرة الديمقراطيات على الصمود أمام خطابات الاستقطاب. 

تؤكد معطيات اللجنة أن معالجة أزمة غلاء المعيشة لا تنفصل عن حماية الحقوق الأساسية؛ ومن ثم فإن الاستجابة الفعالة تتطلب مزيجاً من الإجراء القانوني (التزام الدول بالميثاق) والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى ضمان قدرة الناس على تلبية أساسيات الحياة اليومية دون المساس بكرامتهم، كما أن نتائج مؤتمر فيلنيوس والتزامات الدول تعطي فرصة لرفع مستوى الحماية، على أن تواصل المؤسسات الرقابية والحركات الاجتماعية متابعة التنفيذ وتحويل التوصيات إلى سياسات قابلة للقياس والمتابعة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية